رأت القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية وعلماؤها ضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والثقافي والإعلامي، وأنَّ الإصلاح يبدأ بالمرأة، من هنا قرار مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، اعتماد محور المرأة ليكون الموضوع المقبل لحوار المركز، إلاَّ أنَّه أشرك التعليم معها، مع أنَّ فتح ملف المرأة السعودية، وتوضيح مشاكلها وهمومها يحتاج إلى أكثر من دورة من دورات الحوار. وما أرجوه أن تُخصص للمرأة دورة الحوار الوطني المقبلة، إن أردنا أن نخرج بقرارات وتوصيات تؤدي إلى حلول عملية لرفع معاناة المرأة السعودية، وتصحيح النظرة اليها، وإعطائها كامل حقوقها، كما أعطاها إياها الإسلام. إنَّ أعداءنا المتربصين بنا اتخذوا من موقف المجتمع السلبي من المرأة ذريعة للتدخل في شؤوننا الداخلية والمطالبة بفرض عقوبات اقتصادية على المملكة بسبب عدم نيلها حقوق الإنسان، لذا طرحتُ في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني الثاني قضية المرأة السعودية والغلو في تطبيق سد الذرائع على المرأة حتى حرم عليها ما أباحه الإسلام لها، والغلو في مفهوم القوامة والغلو في ولاية الولي عليها، حتى غدت تعامل معاملة ناقصي الأهلية. ولعلَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما المحاور التي يمكن طرحها في مؤتمر للحوار الوطني يناقش للمرة الأولى هموم ومشكلات ومطالب المرأة السعودية لإصلاح وضعها؟ باعتباري ابنة هذا المجتمع وعشتُ وأعيش معاناة المرأة السعودية أرى أن تكون محاور الحوار كالآتي: المحور الأول: مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام، ومدى مشاركتها في الحياة العامة في العهدين النبوي والراشدي وسائر العصور الإسلامية. وذلك لتكون القاعدة التي نتركز اليها في إصلاح وضع المرأة السعودية، هي المطالبة بحقوقها في الإسلام كاملة، والنظر اليها نظرة الإسلام، ومنحها حقوق المشاركة في الحياة العامة طبقاً لممارسة المرأة المسلمة في هذين العهدين، وطبقاً لضوابط الإسلام. المحور الثاني: تصحيح المفاهيم الخاطئة حول القوامة، نقصان عقول النساء، شهادة امرأتين برجل، حظ الذكر مثل حظ الأنثيين، ولاية المرأة، ضرب الزوجة، لأن مبعث معاناة المرأة السعودية والعربية والمسلمة هو هذه المفاهيم الخاطئة. المحور الثالث: سيطرة الأعراف والعادات والتقاليد على رغم تعارض بعضها مع الإسلام، وإلباسها لباس الإسلام وإعطاؤها القدسية حيث لا يستطيع أحد أن يعارضها، وإلاَّ كفِّر واستبيح دمه. وترتبت على ذلك نظرة الرجل الدونية للمرأة، ومعاملتها معاملة ناقصي الأهلية في الدوائر الحكومية، وإعطاء الولي حقوقاً ليس له تجعل المرأة كالرقيق والأمة لهذا الولي، وترتب على هذا أمور أخرى من أهمها: 1- حرمان المرأة من حق التعليم، وهناك أميات صغيرات، بل هناك أولياء أمور يحرمون بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم من حفظ كتاب الله، ويمنعونهن من الالتحاق بمدارس تحفيظ القرآن الكريم، وهذا عايشته بنفسي فترة رئاستي للمدارس النسوية لتحفيظ القرآن الكريم في المدينةالمنورة، ولعلّ ارتفاع نسبة الأمية بين السعوديات وبلوغها 37،2في المئة خير شاهد على هذا. 2- حرمانها من حق الإرث في بعض مناطق المملكة، فالفتاة إن توفي والدها فلا ترث ويستأثر بالارث إخوتها الذكور بدعوى حرصهم على عدم خروج أموال أبيهم للأجنبي، يقصدون الزوج، في حين هم متزوجون من أجنبيات على حد تعبيرهم وسيرثنهم، ولكن يحللون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم، ويحرمون أخواتهم البنات من حق شرعي شرَّعه الخالق، وعلى رغم ان هذه العادة تخالف شرع الله، وتعترض عليه لكن علماء الدين يسكتون عنه، ولا يعارضونه، ونحن دولة تطبق شرع الله. 3- حرمانها من حق الولاية على نفسها ومالها، ما يترتب عليه استغلال الولي بحرمانها من حقها الطبيعي في الحياة لخدمة مصالحه الشخصية، فهناك من الآباء من يمتنع عن تزويج بناتهم طمعاً في رواتبهن، وهناك من الإخوة من يمتنع عن تزويج أخته لتخدمه وأولاده لأنَّه مطلق أو أرمل وقد تعيش هي في بلد وهو في بلد آخر، ولكن، عندما تريد أن تستخرج بطاقتها الشخصية أو السفر خارج المملكة لا يسمح لها إلاَّ بموافقة هذا الولي. 4- حرمان المرأة غير المتزوجة والمطلقة والموظفة من حق الاقتراض من صندوق التنمية العقاري، وحق استقدام عاملة منزلية، أو سائق. 5- عدم العدل بين الزوجات لدى كثير من الأزواج المعددين، والذين يعددون من دون مبررات شرعية، ونجد البعض يَمُنن على المرأة بزواجه أكثر من واحدة بدعوى أنَّه انتشلها من البؤس ومن شبح العنوسة بزواجه منها. 6- حرمانها من الصلاة في فناء الكعبة المشرفة، وإعطاؤها جزءاً صغيراً من الروضة المشرفة في أوقات ضيقة يحددها الرجل ليستأثر بكامل فناء الكعبة، وبكامل الروضة المشرفة في كل الأوقات، وحرمانها من السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، مع أنَّ هذا كان متاحاً للمرأة قبل سنوات. 7- تفشي ظاهرة العنوسة في المجتمع، وكذلك ظاهرة المطلقات الصغيرات، وضياع حقوق المطلقات. 8- تنصل بعض الأزواج من واجب النفقة على زوجاتهم، وبيوتهم اعتماداً على راتب الزوجة، بل ركون بعض الأزواج إلى الدعة والراحة، والقعود عن العمل، وتولي المرأة الإنفاق عليه وعلى الأسرة. 9- عدم توافر مواصلات عامة للنساء، والاعتماد على السائقين الأجانب، وتحريم قيادة المرأة السعودية للسيارة، ما يعرض بنات الأسرة على وجه الخصوص إلى مخاطر الاغتصاب والتحرش الجنسي من السائقين، إضافة إلى كثير من المشكلات الأخرى، وتوجد إحصائية تقول إنَّ عدد السائقين الأجانب في البيوت السعودية 264 ألف سائق. 10- زواج المسيار، وما يترتب عليه من عدم توفر أركان الزواج وشروطه في الإسلام، وما فيه من امتهان للمرأة، واعتبار الزواج هو فقط للمتعة الجنسية. المحور الرابع: ما يخططه الغرب ضد المرأة المسلمة من خلال مؤتمرات المرأة العالمية، ومؤتمرات التعليم العام، ومؤتمرات الإسكان، والاتفاقات التي تتمخض عنها مستهدفة زلزلة الكيان الأسري وانهياره، وجعل المرأة المسلمة نسخة ممسوخة للمرأة الغربية في تحللها وانحلالها، والضغط على المملكة لتطبيق ما تأتي به تلك المؤتمرات من قرارات، والتنبيه إلى خطورة وأبعاد تلك المخططات، وإلى ضرورة الإسراع في إصلاح وضع المرأة السعودية طبقاً لتعاليم الإسلام، وضوابطه، ومنحها ما أعطاها الإسلام من حقوق، وعدم تعطيل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية قطعية الدلالة التي تمنح حقوقاً للمرأة يستكثرها الرجل لتظل تحت سيادته وسطوته. المحور الخامس: عمل المرأة، ومدى مشاركتها في الحياة العامة، ويشمل المحاور الآتية: - توسيع دائرة نطاق عمل المرأة بما يتناسب بطبيعتها الأنثوية ووفق ضوابط الشريعة. - توليها المناصب القيادية، ومنحها الصلاحيات التي يتمتع بها زميلها الرجل، مع إلغاء التمايز القبلي والمناطقي، حيث تتولى هذه المناصب طبقاً لكفاءتها العلمية والعملية. - منحها حق المشاركة السياسية في مختلف المجالات. - إنشاء نقابات مهنية نسائية. - إعادة النظر في قوانين عمل المرأة حيث تُراعى مسؤوليتها الأسرية. - توفير وسائل الترفيه والتثقيف للمرأة بما يتفق وتعاليم الشريعة. - حق المشاركة في المؤتمرات العربية والعالمية. - للمرأة البالغة الرشيد حق تقديم دعاوى قضائية، وإصدار بطاقة أحوالها المدنية، وجواز سفرها بنفسها من دون اشتراط وجود ولي الأمر أو الوكيل. - عضوية المرأة العالمة الفقيهة في هيئة كبار العلماء، والمجامع الفقهية. - مساواة الطالبات بالطلاب في المختبرات وتجهيزاتها، والمراجع العلمية في المكتبات. - تقرير مادتي مكانة المرأة في الإسلام، والأسرة المسلمة على طلاب وطالبات المراحل الدراسية المتقدمة. - أن يكون إعلامنا منصفاً، ويلقي الضوء على إنجازات المرأة السعودية. - إعطاء سيدات الأعمال حق الولاية على أموالهن وإدارتها من دون فرض الوكيل. المحور السادس: ما المطلوب من المرأة من واجبات مقابل ما تناله من حقوق؟ هذه هي المحاور التي أقترح مناقشتها في الحوار الوطني الثالث. * كاتبة سعودية.