لا ادري ما الذي يجعلني احاول كتابة مسرحية - او تجسيداً لحكاية بعنوان "طرفة بن العبد: على الجسر وكأنه فعلاً مر من هنا!" بين هجر البحرين - بخطوات وئيدة - انها حكاية او أمثولة تشي بشيء... عن حياة طرفة بن العبد...! صاحب قصيدة - خولة... وشاعر العرب الجهير... - أوحت إليّ الأحداث والحالة الراهنة التي يعيشها العرب في ظل الظلم والقهر سواء من اسرائيل أو أميركا، أو حتى من المجتمع الدولي بعمل شيء مقارب لتلك الحالة التي عاشها ذلك الشاعر المكلوم في ذلك العصر السحيق...! أردت اسقاط الحاضر على الماضي فهناك الكثير من اوجه الشبه بين الظلم والتجاهل الذي وقع على طرفة بن العبد والظلم والحيف الذي يقع على العرب اليوم...! طرفة عانى وتشرد وتلاشى تماماً كما تشرد وعانى كل صاحب حق - عربي - وكما كانت هناك مؤامرة لقتل طرفة والخلاص منه ومن عنفوانه... تجرى الآن مؤامرة لقتل الحق العربي والثقافة العربية، ربما بمساعدة اناس من ابناء جلدتنا، ولقد قال طرفة ذات يوم: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند... ثم اطلق طرفة تنهيدة وهو يستمع الى ذلك الاعرابي وهو يروي له: للزمن صوت حار يشتعل في الدم... يتسلق اغصان القلب في اتجاه الذاكرة حيث الوله والفرح القديم...!! ثم قال... وها انا الآن كهل "مأزوم" ضائع في متاهات السراب والعطش... أبكي... وأنزف واعض اصابع الندم على فعل لم ارتكبه... ابحث عن قطرة طل... ألوح للقوافل القادمة من الاعماق... زادي القصائد وحمحمة الخيول الجريحة... في انفي الغبار وخزامى الصحراء والنعناع البري...!! أقف كالزرقاء على هضاب جديس... اطلق لبصري العنان... ارى الشجر يستحيل الى غابات من الاسمنت، ومجرات النيون والسيارات الفارهة تقدح الشرر وتعوي في شرايين المدينة فتطوي الناس والقطط واشارات المرور الحمراء!! تحضرت القبائل... رحلت صوب الشواطيء الغربية والشرقية... وتركت اطفالها في العراء للذئاب والقراصنة والوحوش الخرافية...! تحضرت القبائل العاربة المستعربة وانطلقت من الشرنقة الى البناء المسلح، من الجمل الى الطائرة... وها هي تزحف كالديدان الى فتوحات جديدة مكتوبة بالحبر الابيض وبالسراب الرقراق! - خولة الآن مسبية، ترعى النوق في ديار الغجر والسوقة والكلاب الضالة. تقضي رحلة طويلة بين البحر واليابسة! صوت الذاكرة المذعور يشتعل في دمي كل مساء منذ ادمنت الحزن وملح البحار. وما بين لحظة واخرى تتغير الاشياء والادوار والوجوه ويبقى الصوت هو الكتاب الوحيد المفتوح للقراءة والجنون! وما زال لدي في عزلتي وخوفي بقايا صغيرة من عناقيد الشوق والأمل لحياة رحبة وتوقعات كبيرة. أسلحة حادة وفتاكة مخبأة في فراغ القلب ومختزنة لمعركة فاصلة مع المجهول، مع الزمن سيد المواقف! وفي هذا الجو اكتب رواية عجزي واستلابي: هذا الصباح كانت هناك جلسة خاصة مدعمة بالشاي الاخضر والكافيار قال فيها - طرفة - ما اروع ان تكون مخالفاً الآخرين في الرأي - على طريقة "خالف تعرف"... ولمَ لا؟ وفجأة صاح: - ألا لا يجهلن احد علينا... - فنجهل فوق جهل الجاهلينا... ثم قال بضحكة مريرة! ما رأيك يا "اخي" - في شجر الطلح، اليس مثمراً؟. ورد عليه علي "الصماغ": هل هذا استهزاء بي!؟ ان طارق بن زياد بعد ان فتح الاندلس عاد ليعمل بيديه في اسواق "دمشق" فلم يُعبْه ذلك - رحمه الله رحمة واسعة! واعتادني الصوت، قيل لي لا بد من استشارة طبيب "صحة نفسية". قال لي: لا تقلق... ان اقصى ما سيحدث لك هو الجنون. ثم سجلني في المفكرة كحال خاصة علاجها الاعتياد والرضا. وصفعته... ثم اعتذرت له كثيراً! واقسم بالله انني شاهدتهم بعيني يفرغون خمس رصاصات في صدر علوان الشمالي بالقرب من المسجد الأقصى، كانوا ملثمين وكانت جريمة علوان الدعوة الى التوحد لتحرير الاقصى. كل شيء تم بهدوء، والصحف الخائنة طالبت بالبحث عن القتلة! وها هم القتلة والخونة والسماسرة وتجار الجنس ومهربو المخدرات... ها هم يطلون من شرفات الفنادق الفخمة يتحدثون عن البورصة والوجوه السينمائية الجديدة! وجمع بقايا نفسه وهرب من المدينة وهو يصيح! - آه يا قلبي عليكم... "ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود". - ثم قال: إنني أعمل بكل جد واجتهاد، أنا الذي يبحث عن آثاركم عبر مفاوز التأريخ وارجو ان تكون مسرحية طرفة بن العبد عملاً مقارباً ومقارناً بين زمن مضى وزمن واقع... وبين ظلم قديم وامتداد له يتمحور منذ مئات السنين تقوده مطامع وايرادات غير مقبولة تنطلق في مجاهل فجة، وتستحوذ على العير والنفير!! انني اجد عنتاً وصعوبة في الربط بين زمنين متباعدين. ولكنني مؤمن بأن ذلك الظلم الذي وقع على طرفة من قومه هو الظلم نفسه الذي يقع علي اليوم من بعض العرب ومن اميركا واسرائيل! ثم شخص ببصره الى السماء وهو يقول: ان هذه المسرحية التي قد تستغرق كثيراً من وقتي هي بلا شك تراجيديا باكية او مبكية ولكنها لا تخلو مما يسمى بالكوميديا السوداء لأن فيها خيطاً من الكوميديا. اما المتلمس خال طرفة فنجا من الموت ايحاء من شخص مجذوب كان يقضي على الطريق ويأكل، ويفتش في شعر رأسه! تصوروا كل هذه الحاجات دفعة واحدة: الا نجد غرابة في مثل هذه الاحداث التاريخية التي قد تبعث احياناً على الدهشة والضحك؟ ومع هذا تستمر هذه الفظاعات التي تحدث للعرب...! - ثم... أليس هناك شبه بين مجرم الامس على رمال البحر ومجرم اليوم وبني بكر قوم طرفة والعرب هذه الايام؟ وبين حرب البسوس وحرب المجوس؟! أليس هناك شبه بين "وردة" ام طرفة وبين الكثير مما نفقده كعرب؟ كلاهما ظلم، وقتل ابناؤه، ونهب الأهل والأصدقاء حقوقه قبل اللصوص والاعداء! اما من هو عمرو بن هند في الزمن الحاضر، ومن هو قاتل طرفة في هجر في وقته...؟ فهذا ما تتضمنه هذه الحكاية او مشروع هذه المسرحية التي لم تكتمل، مسرحية الموت على الجسر او الوقوف عليه او المرور من فوقه، او المرور من تحته غطساً في اليم! * رئيس مجلس ادارة "الجمعية السعودية للثقافة والفنون".