من الكتب العربية التي صدرت في الآونة الاخيرة عن الثورة الرقمية ومجتمع المعرفة، يلفت كتاب "المعلوماتية والمستقبل"، الذي وضعه سعد الحاج بكري، ونشرته "مؤسسة اليمامة" الصحافية. يُذَكِّر عنوان الكتاب بالمؤلف الشهير الذي وضعه بيل غيتس، المؤسس الاسطوري لشركة مايكروسوفت، وحمل اسم "الطريق الى المستقبل". يستهل بكري كتابه بشرح سبب اختياره هذا الموضوع، فيشير الى قناعته بأن "المعلوماتية، خصوصاً في وجود تطور الانترنت، ليست فقط تقنية الكترونية متقدمة يفهمها المتخصصون بل هي وسائل يستطيع الجميع الافادة منها في شكل مشترك، ما يعطيها بعداً تكاملياً واسع المدى". ويرى الكاتب ان أهم ما يميز هذا العصر هو تراكم المعلومات في شكل لم يشهده التاريخ من قبل. وَلَّدَ الامر الحاجة الى وسائل جديدة في التعامل مع السيل المعلوماتي. أُشيرَ الى هذه الوسائل اختصاراً باسم "تكنولوجيا"، ومرادفها في العربية كلمة تقنيات. يعتبر المؤلف أن الكلمة العربية هي اكثر من مُناسِبَة" "لأنها تنتمي الى الجذر "تَقَنَ" بمعنى اتقن الأمر وأحكمه ، وهو ما تفترضه الوسائل الحديثة". جناحا الاتصالات والكومبيوتر يقسم المُؤلِّف تقنيات المعلومات الحديثة الى عنصرين: الاتصالات الالكترونيةe-Communications ، التي بدأت في القرن ال19، والحاسوب الالكتروني الذي ظهر في اواسط القرن العشرين. ويُعَرِّج صوب وظائف تقنيات المعلومات، التي تشتمل على تخزين المعلومات ومعالجتها ونقلها من مكان الى آخر. هذه الوظائف ليست بجديدة كلها. اذ تدخل الكتابة على الاحجار، مثلاً، في اطار تخزين المعلومات. لكن الجديد هو التخزين الكهربائي المغناطيسي على الاقراص الممغنطة. يُمكِن القول ان وظيفة المعالجة قديمة بوجود عقل الانسان ، الا ان الأمر تطور كثيراً بسبب سرعة الدوائر الالكترونية. عرف الانسان وسائل نقل المعلومات بدءاً بالحمام الزاجل مروراً بوسائل النقل الجوي والبحري والبرّي. تعزز النقل بالشبكات البرقية. ظهرت الاذاعة والتلفزيون، ثم شبكة البيانات" اي الانترنت. ثم يقسم المؤلف الأدوات المعلوماتية بين الجزء المادي "الأجهزة"، والجزء البرمجي والجزء المعلوماتي الصرف. ويربط أهمية المعلوماتية بالدور الذي تلعبه التقنيات الالكترونية في كل ما يقوم به الانسان في شتى المجالات، مثل "اتمتة المكاتب". ويقول إن انتاج هذه التقنيات يدر ارباحاً، وكذلك فإنها تُحَسِّن كفاية العمل. ويخلص المؤلف الى القول ان من يملك تقنيات المعلومات يتقدم على من لا يملكها، ومن يحسن استخدامها يتقدم على من لا يُحْسِن استخدامها. ويرتبط انتاج التقنيات باقتصاد الدول" فنَجِد ان معدل نمو الصناعات الالكترونية وصل الى 6 في المئة سنوياً وبلغ نمو البرمجيات 15 في المئة سنوياً، وبلغ نمو صناعات المعلوماتية اربعة اضعاف نمو صناعة السيارات مثلاً. واستطاعت الهند زيادة معدل نمو صادراتها من البرمجيات عن معدل نموها السكاني بأكثر من 16 مرة. اقتصاد التقنيات الحديثة وحكوماتها ويربط الكتاب بين تطور التقنية وزيادة العمالة. ويورد دراسات تشير الى ان التحول في العمالة من الزراعة الى الصناعة في القرن العشرين تغيَّر راهناً، ليصبح تحولاً صوب العمل والتوظيف في المجال المعلوماتي. فعلى سبيل المثال، تمنح اميركا تأشيرات خضراً للعاملين في تقنية المعلومات لتستكمل احتياجاتها الى الايدي الخبيرة في هذا المجال تحديداً. ويذكر بكري احصائية تؤكد صحة هذا التَوَجُّه. ففي العام 1996 بلغت اعلانات فُرَص التوظيف في مجال المعلومات نحو نصف مليون فرصة عمل، وكان من بين المعلنين عن هذه الفرص ما يقارب من 6 آلاف مؤسسة اميركية. في العام 1972، سبقت اليابان دول العالم في وضع خطة وطنية متكاملة للتَحَوُّل المعلوماتي ، ثم تلتها فرنسا وبريطانيا وتايوان وسنغافورة. ودخلت اميركا هذه المرحلة من خلال ما عُرِف ب"مبادرة كلينتون عن البنية الاساسية للمعلومات القومية" في العام 1993. ثم يتناول المؤلف تطور التقنية المعلوماتية عبر الزمن، الى ان يصل الى مرحلة ظهور شكل جديد من الاقتصاد لم يكن معروفاً من قبل، اي "التجارة الالكترونية" E-Commerce . وسرعان ما تلاه ظهورالحكومة الالكترونية E-Goverment .يقصد بالاخيرة التمكن من تنفيذ الاجراءات الحكومية في شتى المجالات الكترونياً عبر مواقع حكومية متخصصة. "أهم الأمثلة موقع ولاية اريزونا الاميركية كما ذكرت مجلة "ايكونومست" في العام 2000. فلم تتكلف الحكومة اي نفقات بعد ان تعهدت شركة "اي بي ام" تنفيذ الحكومة الالكترونية في مقابل اضافة 2 في المئة على رسوم تسجيل السيارات. وتُعَدُّ اميركا وكندا وبريطانيا ابرز الدول في هذا المجال". وتشمل التجارة الالكترونية مؤسسات تجارية وافراداً. ويرد في الكتاب ان "حصيلة التجارة الالكترونية بين المؤسسات في تشرين الأول 1999 بلغت نحو 145 بليون دولار". ونشرت مؤسسة "فوريستر" الاميركية لائحة بأبرز الشركات التي تعمل في هذ الحقل، وفي مقدمها شركة "امازون" التي تعمل في بيع الكتب" وشركة "تشارلز شواب" في الاستثمار المالي" و"جاب" في تجارة الملابس. مشكلة الامن المعلوماتي ويعتبر بكري ان اهم المشكلات التي تعوق العمل الالكتروني هو "امن المعلومات" Info Security. يقصد بالمصطلح "أمن المعلومات والوثائق التي يجرى حفظها وتطبيق اجراءات المعالجة والنقل عليه الكترونياً". ويشمل الأمن المعلومة نفسها وهوية اطرافها والأنظمة الالكترونية والمستخدمين وبيئة العمل. يشمل حماية المعلومات عدم فقدان أو تكرار أو تعديل أو كشف المعلومات، وضمان صحتها وتكاملها وسريتها. وتكمن مصادر الخطر في نقل المعلومات في اشياء عدة مثل الخلل في التقنية المستخدمة لنقل المعلومات "كالأعطال، وعدم القدرة على التنفيذ". ويأتي بعدها العنصرالانساني، مثل "عدم الوعي، وقلة التدريب أو التخريب بواسطة الفيروسات، أو عدم الالتزام بالاتفاقات الدولية". ويندرج في الاطار نفسه عنصر البيئة "مثل تقلب الطقس والزلازل والحرائق". ولإضفاء الحماية المباشرة على المعلومات هناك مبادئ تعرف ب"التعمية"، اي تعمية الآخرين عن المعلومات السرية، أي ما يُعرَّف تقنياً بمصطلح التشفير Encryptation. يتطرق الكتاب الى تجارب الدول العربية في التخطيط للمعلوماتية. ويستعرض تجارب بعض الدول مثل السعودية ومصر وسورية والاردن ودبي وقطر. ويؤكد أن الدول العربية ما زالت في البداية مقارنة بأميركا ومقاطعة اونتاريو في كندا، بل وحتى سنغافورة التي تساوي مساحتها مساحة البحرين! ويرى المؤلف أن التخطيط للمعلوماتية يشمل خمسة جوانب رئيسة ترتبط بالإنسان، اي "محو الأمية المعلوماتية، والتعليم الرقمي وتسهيل استخدام الوسائط الالكترونية ودعم الابداع المعلوماتي، والتحوط في مسألة الأمن المعلوماتي". ويختتم المؤلف فصول كتابه بالحديث عن المعلوماتية في خطة التنمية السعودية السابعة التي تستند الى 17 اساساً استراتيجياً تهتم بالدافع والأمن والصحة والاقتصاد وغيرها. ويورد ان "الخطة السابعة ركزت على مسألة العلوم والتقنية ومنها المعلوماتية في ثلاثة فصول من فصول الخطة... وهذه الفصول تتعلق بمكانة العلوم والتقنية والمعلوماتية والرؤية المستقبلية وأساليب العمل". وتطرح تلك الخطة مراحل متدرجة في نقل تقنية المعلومات" وتشمل عملية اختيار التقنية ووضع الأنظمة والتركيز على التعليم والتدريب والبحث العلمي ودعم الاستثمارات وانتاجها. ويشدد المؤلف في ملاحظاته على خطط التنمية. ويرى "انه يجب وضع خطة وطنية للمعلوماتية تنطلق من قاعدة دراسة الوضع الراهن... يجب مشاركة اصحاب العلاقة الذين يستخدمون المعلوماتية" وأن يتوزع وضع الخطة على اصحاب العلاقة من جهات حكومية وأهلية". ويخلص بكري الى ان "الهدف الذي يجب أن نسعى اليه هو تضييق الفجوة المعلوماتية، التي يشار اليها باسم "الفجوة الرقمية" Digital Divide".