قريباً من حياة الأشجار وعند فروعها وجذوعها وأفيائها، أطلت تجارب الفنانة التشكيلية الشابة جوانا رزق، في معرضها الأول الذي أقامته في غاليري جانين ربيز، متضمناً 28 لوحة تقنيات مختلطة مع أكريليك، برزت فيها على وجه الخصوص عوامل التقنية ببساطتها اللافتة، المعتمدة على قصاصات الصحف وأنواع الغراء والعجائن التي أسست لقماشة بصرية متلونة الحالات والنتوءات والمشاهد اللونية. يتخذ هذا الموضوع في أعمال جوانا رزق، على رغم بساطته الشديدة وتاريخه الفني الطويل، حالاً جمالية تحتمل بعض الاسقاطات أو التأويلات المتصلة بقضية إنسانية اجتماعية. إذ يعكس ما آل اليه العيش في مدينة من الباطون، يغيب عنها مرأى الأشجار والحدائق التي كانت سمة من سمات الحياة المدينية في بيروت وجزءاً لا يتجزأ من ذاكرتها الفنية. لذلك تحضر الشجرة ككائن حي من كائنات الطبيعة، وهي تتغير في الشكل والمظهر كي تتلبس حالها الشكلانية في الفن: من شجرة حمراء الى أخرى بيضاء مع أغصان متشابكة أو متوازية في تأليف هندسي، يصل الى بلاغة الاختصار أو حرية اللعب المنضبط على قماشة الشكل وزخارفه الخارجية، وإن كان ثمة ما يوحي بأعماق المضامين التعبيرية للموضوع، فهي تظل مضامين خفية، تلوح عند مفارق الحروف والكلمات الممزقة كأشلاء انسانية من صنيع الحياة الاستهلاكية المعاصرة. تحمل أعمال جوانا بعضاً من الملاحظات الملتقطة من الطبيعة. يتبدى ذلك في اعادة تشكيل قشرة الشجرة بخشونة ملمسها وتدرجات ألوانها فتتراءى الجذوع شبيهة بمثيلاتها في الواقع وهي من بعد توحي بأنها أجساد وقامات انسانية فتية وهرمة. إلا أن أشجار الرسامة تعبُر من منطق الرؤية المادية الى مختبر المسطح التصويري بمنطقه الصاخب أحياناً أو الهادئ والشاعري في أحيان أخرى. وكأن هذه التجربة منطلقة من اكتشاف معادلة واحدة أو لوحة واحدة، وهبت الموضوع كل تنويعاته التي أقبلت من السيطرة على التقنية، ولذة المغامرة في القص واللصق والتعقيب بالأصباغ اللونية، تارة في تجسيد تصويري واقعي ومراراً في اختبارات تجريدية حرة. فالشجرة تقف وحيدة بثبات، غالباً في منتصف فضاء اللوحة، بقامة تستقيم وتنحني وتنعطف لتمد أذرعها وتتشابك أغصانها، فتبسط زينتها تحت الشمس وهي مشغولة بجمع كيانها المتفرق. وكأن عامل الطبيعة يحدو كل شيء وإن كانت الضرورات هي خارجية فحسب. وهي ان بدت عارية بشرايينها الحمر الهابطة فهي تنثر أوراقها كي يتلقف حقل اللوحة ذراها الذاهبة في الفضاء. اذ ان شكلها ولونها موصولان بعملها، ومبتغى وجودها أن تؤتي ثمارها، لئلا تتوقف ديمومة حياة النبات وتدع منظر الأرض قفراً يباباً، وحين ينقلب خطاب الشجرة الى نسائم من الحياة، فإنها تغدو أبعد من نفعها العملي الذي يتوارى، فتصبح رمزاً يبعث المسرة والراحة. قد تبدو لغة اللصق في فن جوانا رزق أليفة في تجارب الفنون المعاصرة، ولكن الرسامة أعطت موضوعها ملامحه المحلية، تفاعلت مع حدسها وشغفها في تشكيل الأوراق والأغصان وحال امتلاء الأشجار وعريها وانزوائها وصمتها، لذلك وضعت الشجرة في مقدم اللوحة كي تسر عين الناظر اليها، مملوءة بالخصب والحركة موشحة بعبق الأرض وحركة الريح وامتداد الجذور. وهي إطلالة مواتية لظهور موهبة فنية في مقتبل طريقها الفني.