كثيراً ما يشاع ويكتب في الصحافة العربية عن ثورة المعلومات التي تجتاح العالم، وعن أهمية اللحاق بقطار هذه الثورة الذي انطلق على هذه السكة، والذي لن يكون في وسع أحد ان يوقفه. فإما ان تغذ المجتمعات والدول الخطو وراءه لتحجز لها مقعداً فيه، واما ستجد نفسها ملقاة على قارعة الطريق بعيداً من هذا الركب الحضاري المتسارع. ولكن، ومن اجل اعتلاء هذا القطار، وعلى وجه الخصوص في ما يتعلق بالمجتمعات العربية، هنالك حاجة الى مؤسسات ووزارات وحكومات تضع نصب أعينها هذا الهدف النبيل ثم تفرد له الميزانيات الملائمة. هذا، اذا كانت هذه المؤسسات حقاً تؤمن بالشعارات التي تطلقها في وسائل الإعلام. فثورة الانترنت، مثلاً، قد تكون سلاحاً ذا حدين. فبوسع هذه الشبكة العالمية ان تشكل مصدراً معرفياً يصل أطراف العالم ببعضه البعض من خلال وجود حاسوب بسيط في أماكن نائية من العالم. لكن، من جهة اخرى، واذا لم يتم استخدام الشبكة بما تتيحه من امكانات، قد تتحول الى أداة لاشاعة الجهل والذوق السوقي. من هنا، فالفرد الذي يقف أمام هذا الكم الهائل من المعلومات يجب ان يتزود ببعض المفاتيح حتى يتسنّى له فتح أقفال هذه الغرف المتشعبة، ومن ثم معرفة السبيل الى الخروج منها بزادٍ ما يمكث في الذهن وفي الأرض. ليس هذا فحسب، بل على كل من يرغب في عرض بضاعته على العالم، من خلال اقتناء كشك افتراضي في هذه المتاهة، ان يعرض على رواد هذا المعرض الكوني القادمين من كل أنحاء الدنيا شيئاً ما قد يرغبون في الاستفادة منه والتزود به في رحلاتهم المعرفية. وددت ان اقدم ببعض هذه الكلمات التعميمية لحديث عن احد المواقع العربية كان من المفروض ألاّ يكون على ما هو عليه، وأقصد موقع جامعة الدول العربية على الانترنت. فماذا يقدم هذا الموقع لزائره العربي، أو الزائر الأجنبي، والموقع يعرض بالانكليزية اضافة الى العربية؟ لقد تم تقسيمه الى ابواب، كما لو ان القائمين عليه يرغبون في التسهيل على الزائر مشقة الولوج في ثناياه والاقتباس من أنواره. إذاً، لنأخذ هذا الموقع مثالاً، ولنبدأ بتصفحه. ماذا يحوي الباب الذي عنوانه قضايا عربية؟ انه يقدم عرضاً إخبارياً مبسطاً لقضية أسحلة الدمار الشامل، ثم يعرض بيان مجلس الجامعة منذ 1989، ثم خبراً عن اجتماع دمشق في 1991، واخيراً ينشر قراراً من 1991 يرحب بعودة السيادة للكويت. ماذا يعني هذا؟ معنى ذلك ان مدة تزيد على عقد من الزمن المتسارع لا وجود لها في موقع جامعة الدول العربية. لننتقل الى الباب الذي سمي بالتضامن العربي. فماذا تحتوي خانة التضامن العربي؟ استمعوا: بيان تضامن مع السودان، بيان تضامن مع جمهورية القمر، واخيراً بيان تضامن مع الصومال. هذا هو كل التضامن العربي في موقع الجامعة. ولا يكتفي الموقع بذلك، بل يفرد باباً اسمه قضايا أخرى. فماذا تشمل القضايا الاخرى؟ انها تشمل عرضاً اخبارياً عن احتلال ايران للجزر الإماراتية، وعرضاً لقضية المياه، والحالة بين العراق والكويت، والعلاقة العربية الصينية واخيراً التعاون العربي الأفريقي. وحتى لا يشك احد من الزوار بأن الجامعة تفرط بقضايا عربية مصيرية، فهي تفرد باباً آخر وتضع لع عنوان القدس. وهو باب يشتمل على معلومات مستقاة ربما من كتب مدرسية قد لا تنفع حتى للصفوف الابتدائية. يحتوي الموقع على باب آخر عنوانه الحضارة العربية. نعم، السنا ندعي اننا أمة حضارية؟ لذلك حري بنا ان نعرض حضارتنا العريقة. لكن الباب يحتوي على كلمات انشائية بليدة من صنع موظفين، اضافة الى بيانات واخبار عمرو موسى ليس الاّ. وربما وجد السيد عمرو موسى له خانة افتراضية لعرض اخباره بعد ان اختفى عن شاشات التلفزيون. هذه هي الحضارة العربية كما تفهمها جامعة الدول العربية. اما الباب الذي اطلق عليه اسم المجتمع العربي والشباب العربي، فماذا يرد فيه؟ لا شيء. نعم، لا شيء. هذا كل ما يحتويه موقع جامعة الدول العربية على شبكة الانترنت. واذا لم تصدقوا ما أقول فاذهبوا الى الموقع وانظروا بأنفسكم. والسؤال الذي يجب ان يطرح على الملأ الآن هو: اين تذهب كل ميزانيات عشرات الملايين من الدولارات التي تنفق على جامعة الدول العربية؟ اليس من الافضل صرفها على مدارس واحتياجات حقيقية بدل تبذيرها على هذه المؤسسة؟ فهي، اذا استعنّا بمصطلحات النحو العربي لتوصيفها، حرف زائد لا محل له في الإعراب، لا حاجة اليه ويمكن شطبه.