في حين أن حياتي الشخصية عادية، تعلو وتهبط ضمن حدود معينة مثل سلة عملات، فإنني اشعر بإحباط عام ازاء الفشل العربي، طارفاً وتليداً ومقيماً منذ سنوات. وبما انني اعترض على الحكومات العربية كلها، واعارض بعضها بالكامل، فإن الاحباط يصبح مضاعفاً وأنا اجد ان هذه الحكومات المقصرة العاجزة افضل من المعارضة لها، ان في الداخل او في ضيافة دول اجنبية عدوة. فأنا قد اعترض على حكومة لأنها محافظة او متشددة، ثم اجد ان نشطين يتهمونها بأنها ليبرالية"فلتانة"، ويريدون ان يعودوا بنا الى عصور الظلام. هل مثل هذه المعارضة من صنع الحكومات لتضمن ولاءنا لها على اعتبار انها مهما اقترفت من اخطاء تظل افضل من المعارضة لها؟ بصراحة لا أعتقد ذلك، فحكوماتنا ليست من الذكاء ان تفكر في مثل هذه الخطة لكسب الشعبية. ما سبق مقدمة، فقد خرجت من جو الإحباط العربي حكماً ومعارضة ووجدت سبباً للسعادة الشخصية هو غياب وليام سافاير وبربارة امييل عن الكتابة السياسية، فقد ازعجاني، شخصياً مرة اخرى، بتطرفهما. يفترض ان يؤيد يهودي او يهودية اسرائيل، ولا اعتراض على ذلك، غير ان سافاير وامييل كانا من اصدقاء آرييل شارون، مما يغني شرحاً، ويؤيدان ليكود وهو حزب أجده فاشستياً متطرفاً، يمارس الارهاب كل يوم. "نيويورك تايمز"اعلنت ان سافاير، وعمره 74 سنة، سيكتب آخر مقال سياسي له في الجريدة في 24 كانون الثاني يناير المقبل، وامييل طردت من مجموعة"التلغراف"بعد سقوط زوجها كونراد بلاك. سافاير سيظل يكتب مقالاً اسبوعياً في جريدة الاحد هو"عن اللغة"وموضوعه الخطأ الشائع وتصحيحه والتطورات اللغوية من كلمات منحوتة وغيرها، اي انه موضوع تحتاج الى مثله الصحافة العربية، خصوصاً مع هجمة التلفزيون الذي يتكلم عربية لم ادرسها في المدارس. واحتقاري لكل ما يمثل سافاير من سياسة عنصرية متطرفة ضد العرب والمسلمين لا يمنعني من الاعجاب بمقاله الاسبوعي"عن اللغة"فهو ظريف ومفيد في آن، وكنت توقفت قبل سنوات عن قراءة مقالاته السياسية، الا انني بقيت اتابع مقاله الاسبوعي عن اللغة، وسأظل افعل في المستقبل. كانت سعادتي بخروج سافاير من"نيويورك تايمز"، وهي جريدتي المفضلة حول العالم، ستكتمل لولا ان صفحة الرأي في الجريدة اصبحت تضم ديفيد بروكس، وهو متطرف آخر من المحافظين الجدد قدم من طريق"ويكلي ستاندارد"مطبوعة وليام كريستول وبقية العصابة، فلا أحتاج ان ازيد سوى تذكير القارئ بما كتبت قبل اشهر فقد قررت ان اتوقف عن قراءة مقالات بروكس كما فعلت مع سافاير قبله، الا اذا احتاج الى ذلك بحث له علاقة به. وهناك في صفحة الرأي في"نيويورك تايمز"ما يعوض عن هؤلاء، فلا يكاد يخلو يوم من مورين داود وتوم فريدمان ونيكولاس كريستوف وبول كروغمان، والثلاثة الاخيرون يهود ما يثبت ان غالبية اليهود الاميركيين بعيدة عن تطرف شارون ومحازبيه. بربارة امييل هي من جناح المتطرفين، وكل من يقرأ هذه الزاوية يعرف رأيي في مجموعة"التلغراف"بعد ان سيطرت هي وبلاك على مقدرات مجموعة عريقة ذات تاريخ صحافي بارز. اقدم للقراء اليوم رأي مارتن نيولاند، رئيس تحرير"الديلي تلغراف"الذي غيّر توجه صفحات الرأي وشرح اسبابه بالقول حرفياً:"أدركت بسرعة اننا نتكلم لغة عن الاحداث الجيوسياسية تملى علينا عبر الاطلسي. وفي حين انه مقبول ان نؤيد اسرائيل، ولكن ليس ان نكون انصار ليكود اسرائيل في شكل غير معقول، وانه مقبول ان نؤيد اميركا، ولكن يجب ألا نبدو وكأننا نتلقى تعليمات من واشنطن". هذا هو تماماً رأيي المنشور قبل ان يتسلم نيولاند رئاسة التحرير، وصفحة الرأي في"التلغراف"افضل من دون دين غودسون وبربارة امييل، وسنكون افضل ايضاً من دون مارك ستاين، وهو كندي شاروني يعتقد انه خفيف الدم. نيولاند حكى في مقابلة صحافية نادرة كيف طرد امييل على الهاتف، فأغلقت الهاتف في وجهه. والطرد اهون ما تواجه هذه الكاتبة العجوز، فعمرها 63 سنة، لأن مجلس ادارة شركة هولنغر الدولية التي تملك المجموعة تطالب زوجها وديفيد رادلر، الرئيس السابق، بحوالى 400 مليون دولار من دخل الشركة يتهمها المجلس الجديد بسرقتها من عائدات المجموعة. كما ان لجنة الضمانات والنقد المبادلات المالية الاميركية الرسمية تحاول ان تسترد من بلاك 85 مليون دولار تتهمه بسرقتها من بيع ممتلكات لشركة هولنغر. والكنديون يصفون الفضيحة ب"كونراد نفرويد"ما قد اترجمه كونراد غيت. مجموعة"التلغراف"اشتراها التوأمان باركلي، فردريك وديفيد، وقد بيعت"جيروزاليم بوست"الى شركة اسرائيلية بمبلغ 13.2 مليون دولار، وأعلنت الشركة الاسرائيلية انها ستبيع نصف الجريدة بعد اكتمال الصفقة الى اكبر شركة ميديا كندية. ويبدو سعر"جيروزاليم بوست"قليلاً، بالنظر الى سمعة هذه الجريدة وعراقتها، ولكن قرأت ان توزيعها هبط في عهد بلاك الى 11500 عدد يومياً، كما هبط توزيع"الصنداي تلغراف"و"الديلي تلغراف"تدريجاً معه. المهم انه رحل عن المجموعة، ورحلت زوجته هي زوجته الثانية وهو زوجها الرابع عن صفحة الرأي في جريدة لم انقطع يوماً عن قراءتها، وان كنت اقرأها في ايام كونراد بلاك مضطراً بحكم المهنة، وقد عدت الى قراءتها مختاراً كما فعلت في السابق. وجدت دائماً بربارة امييل متطرفة سياسياً وعنصرية ضد العرب والمسلمين، وخصوصاً الفلسطينيين، وفوجئت اخيراً، وأنا أقرأ تحقيقاً عنها في صفحتين مع صور نشرته"الديلي ميل"انها متطرفة جنسياً ايضاً. التحقيق كتبه بيتر نيومان، وكان جزءاً من كتاب له، وهو متعاطف معها فكلاهما يهودي خسر اقارب في المحرقة النازية، الا ان كل اصدقائها وزملائها على مر السنين تحدثوا كيف استعملت الجنس للوصول، وعندما وصلت تصرفت تماماً كما يتصرف اي محدث نعمة، او محدثة. والقصص المروية عنها تتجاوز الثياب الفاضحة، والقاء صدرها على رأس رئيس التحرير من خلف لتحصل على ما تريد، الى وصف ما كانت تمارس مع عشاقها وأزواجها، والتفاصيل عجيبة، ما كنت اتصور انها يمكن نشرها. وقد شعرت وكأنني أقرأ عن فتاة ليل، لا صحافية قديرة، فبربارة امييل قديرة فعلاً لولا تطرفها، وقد كانت حسناء يوماً، وان بقيت على شيء من الحسن الآن فالسبب عمليات تجميل. العالم، او عالمي الصحافي، افضل بغياب وليام سافاير وبربارة امييل، ولعلي اسمع قريباً مزيداً من مثل هذه الاخبار السارة الخاصة، التي تعوضني عن الفشل العربي العام الذي بدأت به، حكومات ومعارضة.