اسطوانة العام 4002"قد تكون نتاج افضل عازف تشيللو في العالم، الصيني الأصل، يويوما... ففرادة الأسطوانة لا تعود فقط الى العازف البارع الذي جعل من آلته مصدراً للتعبير الفصيح عن الشجن، بل من كونها وفرت حدثاً نادراً عبر لقاء قمتين في موسيقى العالم المعاصرة. فبعد أن بعث مؤلفات فيفالدي وبرامز وجورج غيرشوين، ينبري يويوما لتقديم أجمل ألحان إينيو موريكوني المؤلف الإيطالي الشهير الذي اقترنت ألحانه بأفلام"رعاة البقر"، وكتب الموسيقى التصويرية لروائع الفنّ السابع وتعاون مع مخرجين مثل رونالد جوفي، جوزيبي تورناتوري، سيرجيو ليوني، برايان دي بالما وغيرهم. الموسيقى هنا جادة وراقية وتعبيرية معاصرة في آن، ولولا نسيجها المتماسك ما كان للعازف الأمهر على التشيللو ان يقاربها تاركاً مهارته في سبك القطع الكلاسيكية ضمن اطار روحي جديد. يويوما يبدأ من موسيقى موريكوني في فيلم المخرج رونالد جوفي"المهمة"6891 الذي لعب دور البطولة فيه روبرت دي نيرو، وفيه تنساب الجمل الموسيقية التي تؤديها آلة ال"تشيللو"الكمان الأوسط مع فيض من لحن هادىء، إنما متدفق تؤديه الأوركسترا وهي هنا"اوركسترا روما السينفونية".... انها نحو ثلاث دقائق ونصف من الشجن الإنساني الذي بدا فيه موريكوني صادقاً في التعبير عن تلك"المهمة"لمبشر في ادغال أميركا الجنوبية. وينتقل يويوما الى تلك الأجواء التي صاغ فيها موريكوني معادلاً سحرياً لرقة سينما المخرج الإيطالي جوزيبي تورناتوري، فيبدأ بمقطوعة صغيرة من"اسطورة 0091"لينتقل الى جوهرة تورناتوري"سينما براديزو"الفيلم الذي ظفر بجائزتي"كان"و"أوسكار"ويصور طفلاً في قرية ايطالية تسحره السينما وتأخذه الى عوالمها الحلمية الخلاقة. ومن موسيقى ماركوني لأفلام تورناتوري أيضاً يختار يويوما مقطوعة من فيلم"مالينا" 0002 الذي يصور امراة جميلة في صقلية، تعاني الوحدة بعد غياب زوجها في جبهات الحرب العالمية الثانية، و صبياً يقيم من صورتها عالماً حسياً خاصاً به. هنا يروي تشيللو العازف الأمهر صورة شديدة التكثيف عن إحساس غامر بالوحشة والظنون والمخاوف، كذلك الحزن العميق عبر حوار مع وتريات الأوركسترا. ومن أجواء الحالم تورناتوري، ينتقل المؤلف ماركوني الى أفلام الكاوبوي بطبعتها الإيطالية والتي حملت ملامح المخرج سيرجيو ليوني. ويختار يويوما من فيلم"حدث ذات مرة في اميركا"ثلاث مقطوعات بينها واحدة صارت ملمحاً مكثفاً عن عبقرية ماركوني في اعطاء السينما بعداً عميقاً عبر الموسيقى. وضمن اجواء ما عرف ب"سينما سباغيتي"للمخرج ليوني، نسمع في الأسطوانة ألحاناً من"حدث ذات مرة في الغرب"ليوني و"بشعون، قذرون وأشرار"إيتوري سكولا، قبل ان نصل الى مقطوعتين كتبهما موريكوني في فيلمين للمخرج برايان دي بالما"خسائر حرب"الذي جاء قصيدة غاضبة ووحشية في نقد الحرب في فيتنام، وفيلم المافيا"المحصنون". وفي الأعمال الأولى التي وضع ماركوني موسيقاها نسمع ألحانه في مسلسل"موسيس وماركو بولو"في الأسطوانة ذاتها الصادرة عن شركة"سوني"، وحين نسمع"الثيمة الأساسية"للمسلسل فإننا قد نكون ازاء افضل موسيقى تصويرية كتبت للشاشة الصغيرة، وبث فيها يويوما حياة جديدة. وضمن سياق القديم من اعماله الموسيقية للسينما، تأتي مقطوعتان من تأليف موريكوني في موسيقى فيلم"السيدة كاليف"0791 الذي لعبته الفنانة الراحلة رومي شنايدر، واليهما امتدت"الأصابع السحرية"للعازف يويوما، فكانت جزءاً من سحر مزدوج للنغم والصورة التي عوض ملامحها. حضور بارع وآسر ل"تشيللو"العازف الصيني، لايمكن معه للروح ان تبتعد عن عمقها الإنساني.