أكدت الدول الأوروبية ال25، خلال قمتها التي عقدت الاسبوع الماضي، التزامها تنفيذ القرار 1559. وهذا التوافق التام على انسحاب سورية من لبنان ينبغي ان يأخذ به السوريون، مثلما قال وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه لنظيره السوري فاروق الشرع الذي كان طلب عقد لقاء معه على هامش مؤتمر شرم الشيخ الأخير. والسؤال اليوم هل أن اخلاء المواقع الثلاثة للاستخبارات السورية الذي تبع القمة الأوروبية هو اشارة من سورية الى أنها تأخذ بالرسائل الدولية الجدية الموجهة اليها، اضافة الى مطالب المعارضة اللبنانية؟ وهل ان الموعد القريب لبدء مهمة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري لارسن، بمراقبة تنفيذ القرار 1559 ينبئ بتنفيذ انسحاب سوري فعلي وباخلاء حقيقي للقوات والاستخبارات العسكرية؟ هذا ما سيراه لارسن بنفسه. هنا ينبغي توضيح ما يتردد في لبنان من معلومات غير صحيحة عن ربط مهمة القوات الدولية العاملة في جنوبلبنان بالقرار 1559. فمن غير الوارد اقامة مثل هذا الربط لأن مهمة القوات الدولية تتجدد بطلب رسمي لبناني في حين ان القرار 1559 لا علاقة له بالقوات الدولية. اما بالنسبة الى احتمال خفض عدد القوات الدولية فهذا غير مطروح كون هذا العدد خفّض سابقاً. سيبقى اهتمام الأسرة الدولية بالقرار 1559 حازماً حتى تنفيذه، وستكون الانتخابات النيابية والقانون الانتخابي تحت المراقبة الدولية. هذا ما أكده بارنييه للشرع خلال لقائهما القصير في شرم الشيخ. وكان لافتاً ان بيان وزارة الخارجية الفرنسية، الذي صدر مساء الاثنين الماضي، أكد انه ينبغي ان يكون القانون الانتخابي عادلاً ومنصفاً في تمثيله لجميع القوى اللبنانية وان يحظى بتوافق كبير من جانب اللبنانيين. هذا الاصرار الدولي لا يمكن ان يبقى غير مسموع في سورية، خلافاً لما فعلت مع تعديل الدستور اللبناني والتمديد لرئيس الجمهورية. ولأن المجتمع الدولي متوافق فعلاً وجدي بشأن الانسحاب السوري من لبنان، لذا ينبغي ألا يصدق اللبنانيون والسوريون الاشاعات التي يطلقونها هم أنفسهم ليقولوا ان هذا الشخص أو ذاك هو من صاغ القرار 1559 تسهيلاً لمهمة الاميركيين !، فهذه الاشاعات يروجها جهلاء في القانون الدولي وفي آليات التفاوض التي تسبق صوغ أي قرار دولي ويجري درس النصوص على أعلى المستويات في الرئاسات ووزارات الخارجية . يقول مسؤول غربي رفيع المستوى ان الظروف الدولية تغيّرت الآن وانه"في الثمانينات كانت العقلانية السياسية تقبل الوجود السوري في لبنان خوفاً من أن يقتل اللبنانيون بعضهم بعضاً"، اما الآن فيقول المسؤول انه"لا يرى أي دولة ولا يسمع أحداً يقول ذلك، فاللبنانيون لا يريدون الحرب الأهلية". والرسالة الدولية الموجهة الى سورية هي الانسحاب من لبنان واعادة القرار السياسي اليه على ان تكون العلاقة مميزة بينهما. لكن هذا الانسحاب ينبغي ألا يخلّف مشاكل وقتالاً في الصف اللبناني لأن عواقب ذلك ستكون خطيرة جداً في رأي الدول الكبرى. فإذا انسحب السوريون من لبنان على غرار ما فعله الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف عندما انسحب من أوروبا الشرقية، سيكون ذلك انجازاً أكيداً للديبلوماسية السورية، التي سيعاد فتح الباب واسعاً أمامها من جانب الأسرة الدولية. وطالما بقيت سورية غير مصغية الى الرسائل الدولية فإن الضغط عليها لن يكون لمصلحتها. اما إذا بدأت تستوعب فعلاً ما تقوله المعارضة اللبنانية الوطنية بدءاً بالبطريرك صفير وصولاً الى وليد جنبلاط واللحزاب والقوى التي اجتمعت في فندق"بريستول"، وما تقوله الدول الكبرى فإن الفرص كبيرة أمامها. وعلى عكس ما يدعيه البعض ستبقى فرنسا مصرّة على تأجيل توقيع اتفاق الشراكة الأوروبية - السورية طالما بقيت رسائلها بلا جواب. لذلك فإن تشديد الدول الأوروبية ال25 على تنفيذ القرار 1559 مؤشر لا شك فيه بأن الشراكة الأوروبية - السورية مؤجلة حتى اشعار آخر، على رغم ما يقوله التقنيون الأوروبيون، لأن قرار التوقيع يبقى سياسياً. أفضل الأمور لسورية ولبنان ان يتعاملا بذكاء مع القرار 1559 وان يكف مسؤولو الدولتين عن توجيه انتقادات كلامية الى الرئيس الفرنسي لأنها من دون جدوى. فهي بمثابة تصرف عديم المسؤولية. والأجدى هو عدم تضييع فرص العمل الجدي لمصلحة شعوب سورية ولبنان والمنطقة بأكملها.