سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لن يكون معزولاً عن التوجه اللبناني - السوري لمواجهة القرار 1559 : قانون الانتخاب اللبناني متروك للحظة الأخيرة والثأر من الحريري وجنبلاط والمعارضة دونه محاذير دولية
ينظر الرأي العام اللبناني الى الانتخابات النيابية في الربيع المقبل باعتبارها محطة يفترض ان تؤدي الى إعادة انتاج الطبقة السياسية. لكنه لا يخفي مخاوفه من ان يأتي القانون الجديد على قياس اشخاص معظمهم من "لون سياسي واحد" انطلاقاً من إصرار الغالبية العظمى من الموالاة على التعامل مع القانون على اساس الثأر من المعارضة لموقفها المناوئ للتمديد للرئيس اميل لحود، ومن بعضها، بذريعة انه يراهن على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 . ولن يرى قانون الانتخاب النور قبل شباط فبراير المقبل لأن إقراره على وجه السرعة، سيؤدي الى اعطاء اجازة مديدة وقسرية للنواب الذين سينصرفون منذ الآن الى ترتيب اوضاعهم الانتخابية والغياب عن ساحة النجمة. وعلى رغم ذلك فإن وزراء ونواباً موالين اخذوا يتصرفون على ان القانون اصبح ناجزاً ولم يعد ينقصه سوى اختيار التوقيت المناسب للإعلان عنه. ويؤكد وزراء ونواب ان القانون سيلحظ تقسيم لبنان الى خمس عشرة دائرة انتخابية تتوزع بالتساوي على المحافظات بما فيها بيروت، لكنهم يستدركون بأن لا شيء نهائياً حتى الساعة، وكأنهم يتوقعون حصول مفاجأة في اللحظة الأخيرة يمكن ان تقلب الأمور رأساً على عقب، ويقصدون احتمال تطبيع العلاقة بين رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط ودمشق انطلاقاً من مساعي الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله بين الطرفين. ولا تجد القوى الموالية ما تقوله، إزاء استمرار الحديث عن وجود نيات سياسية لمنع المعارضة من الوصول الى الندوة النيابية بكتلة كبيرة سواء من خلال استهداف جنبلاط ام عبر إضعاف نفوذ رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في بيروت، سوى تأكيدها ان همها الأساس يكمن في ايصال كتل نيابية منسجمة الى المجلس النيابي تضمن لها السيطرة على اكثرية الثلثين اي ما يزيد على 86 نائباً من مجموع عدد نواب المجلس البالغ 128 . حتى ان بعض الموالين يذهبون في تفاؤلهم الى حدود رهانهم على ان قوتهم النيابية ستقترب من مئة نائب، مع انهم لا يعرفون السبيل الى ضمان هذا الرقم طالما ان القانون سيساوي بين الجميع بعد استبعاد الحديث عن امكان اخضاعه الى عملية واسعة من الفرز والضم تحدث تغييراً جذرياً في الحدود الجغرافية للمحافظات والأقضية المعمول بها حالياً. ويعترف هؤلاء الموالون بوجود صعوبة في إعادة النظر في الحدود الجغرافية الراهنة للمحافظات والأقضية اذا كان الهدف منها اولاً وأخيراً تطويق الحريري وجنبلاط والقوى المعارضة الأخرى، على رغم ان رئيس الحكومة عمر كرامي لا يبدي ارتياحاً إزاء المواقف المعلنة لعدد من الوزراء الذين يريدون الاقتصاص السياسي من الحريري وجنبلاط والقوى الحليفة لهما... اضافة الى انه يعبر عن انزعاجه من طلائع الحملة السياسية التي اخذت تستهدفه من المعارضة التي تحاول ان تحاكمه على النيات وقبل ان تعرف التقسيمات الانتخابية بصورتها النهائية. ويستبعدون اللعب بالتقسيمات - الانتخابية، على غرار ما قام به رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون عام 1957 عندما سن قانوناً على مقاسه مكّنه من إطاحة خصومه السياسيين ليس في جبل لبنان فحسب وإنما في معظم الدوائر الانتخابية مما مهد الطريق امام ايجاد جو من الاحتقان السياسي انفجر عسكرياً في العام 1958 عندما ابدى رغبة في التمديد لولاية رئاسية ثانية. وفي هذا السياق، يعتقدون بأن الظروف السياسية القائمة اليوم تختلف عن الظروف التي كانت سائدة في السابق، اضافة الى ان سورية ليست في وارد السماح يإيجاد جو من الاحتقان السياسي ما دامت موجودة في لبنان، ولا ترغب بتهديد الاستقرار السياسي، اضافة الى ان الحكم والحكومة لا يرغبان في القيام بمغامرة انتخابية غير محسوبة النتائج. ويرى الموالون ايضاً ان تحجيم المعارضة وإن كان ضرورياً، انسجاماً مع رغباتهم فإنهم لا يأخذون على عاتقهم الدفاع عن قانون انتخاب همه الأول استنساب الدوائر وتركيبها على اساس التخلص من المعارضة او اضعافها في شكل يدفع المراقبين المحليين والدوليين الى استباق النتائج في الطعن بالتقسيمات الانتخابية. وما يدفع الموالين الى الحيطة، إزاء اي قانون يصيب التوازن السياسي في الصميم ويؤدي الى تنظيم الوجود المعارض بحدوده الدنيا وبخلاف حساباتهم الشخصية، وجود شعور لديهم بأن العملية الانتخابية ككل من القانون الى التدابير الميدانية والإدارية ستوضع تحت المجهر وستخضع الى رقابة محلية ودولية وإقليمية. وعلى هذا الصعيد، يؤكد احد اعضاء "لقاء قرنة شهوان" المعارض ل"الحياة" ان المنسق العام لمفاوضات السلام تيري رود لارسن أثار مسألة الانتخابات في زيارته الأخيرة لدمشقوبيروت. ونقل العضو في "القرنة" عن لارسن انه تحدث عن الانتخابات في سياق حديثه عن ان المنطقة ستشهد اجراء ثلاثة انتخابات في العراق وفي اماكن سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة وفي بيروت. وأكد لارسن - بحسب قوله - ان الانتخابات ستكون موضع مراقبة دولية وأن من الأفضل للقيمين عليها ان تجرى في ظروف طبيعية من دون ان تسجل مداخلات يمكن ان تتسبب في مشكلات للجهات المحلية المشرفة عليها. ومع ان لارسن لم يتطرق الى مطالبة مجلس المطارنة الموارنة باستقدام مراقبين دوليين التي اعلن جنبلاط معارضته لها، فإنه نصح في المقابل بأن يأتي القانون عادلاً وخالياً من الشوائب لما سيترتب على المخالفات في حال حصولها من ردود فعل تتجاوز الساحة اللبنانية الى الخارج. وتبين من خلال المعلومات ان لارسن لمس تفهماً وأن كبار المسؤولين في دمشق اكدوا امامه إدراكهم لأهمية اجراء الانتخابات النيابية في لبنان وأنهم ليسوا في وارد الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي خصوصاً ان سورية قررت التعاطي بعناية وحذر في آن معاً مع القرار 1559 ولا تبدي استخفافاً به. ولا تخفي الأوساط، التي احيطت ببعض النتائج التي اسفرت عنها محادثات لارسن، تأكيدها ان الأخير اجرى لقاء منتجاً للغاية مع الرئيس السوري بشار الأسد، مؤكدة أن اللقاء لم يقتصر على تبادل الأفكار في التطورات الراهنة، وإنما امتد ليتناول بالتفصيل الموقف السوري من القرار 1559 على قاعدة ان دمشق ليست على استعداد للدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي. وإذ أحجم لارسن في محادثاته اللبنانية عن تسليط الأضواء على الجوانب التي اثارها مع الرئيس الأسد، قالت مصادر ديبلوماسية غربية ل"الحياة" ان دمشق قررت التعاطي بمرونة وانفتاح مع القرار 1559 بخلاف بعض المواقف الإعلامية التي لا تزال تصدر في بيروت. وتتوقع المصادر ان تستبق دمشق الموعد المحدد ليرفع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان في 19 آذار مارس المقبل فيه تقريره الى مجلس الأمن الدولي حول حصيلة الاتصالات الجارية لتطبيق القرار 1559 وتقوم قريباً بإعلان موقف وصف بأنه سيكون بمثابة مؤشر عملي لتحقيق انفراج في علاقات سورية الدولية. وتعتبر ان الظروف التي ستحيط بإجراء الانتخابات ستتبدل الى ان يحين موعد إنجاز العملية الانتخابية وفي الاتجاه الذي سيؤدي الى تحقيق بداية "فك اشتباك" بين المجتمع الدولي وسورية ومن خلالها لبنان، وبالتالي فهي ترى ان الانقسام الذي سيسيطر على الانتخابات قد يميل الى التهدئة من دون ان يعني ذلك ان الحكومة ستقدم بملء إرادتها "تسهيلات" للمعارضة تمكنها من تسجيل انتصار يتجاوز المناطق التي تؤثر فيها. وهذا يعني ان القوى الموالية ستحاول التسليم بالتقسيمات الإدارية التي لن تتسبب للحكومة بإشكالية سياسية محلياً وخارجياً، على ان تلجأ الى بدائل اخرى، تتيح لها الفرصة في خوض معارك انتخابية في المتنين الشمالي والجنوبي وفي كسروان وجبيل في حال تقرر اعتمادها دائرتين انتخابيتين في جبل لبنان... لإدراكها ان الظروف مواتية لتنظيم صفوفها في لائحتين موحدتين ضد المعارضة بينما ستتعامل مع الدوائر الأخرى في الجبل على اساس ان لا حول ولا قوة وأن لا مفر من ترتيب اوضاعها لإيجاد شروط المنافسة للوائح المدعومة من جنبلاط والمعارضة. وبالنسبة الى التقسيمات الانتخابية اكد وزير بارز ل"الحياة" ان هناك شبه توافق على تقسيم البقاع الى ثلاث دوائر بعلبك - الهرمل، وزحلة، والبقاع الغربي - راشيا لكنه لم يسقط من حسابه إمكان جمع زحلة والبقاع الغربي في دائرة واحدة لقطع الطريق على قوى المعارضة من تنظيم معركة اثبات وجود في الأخيرة قد تسمح لها بتسجيل خروق رمزية. اما الشمال، فأخذ نوابه يتصرفون على اساس تقسيمه الى ثلاث دوائر طرابلس - الكورة - البترون، عكار، زغرتا وبشري والضنية والمنية وإن كانوا يعترفون بوجود اشكالات تحتاج الى تدخل يتجاوز قدرة القوى المحلية الى دمشق بغية تقريب وجهات النظر بين القوى الناخبة الأساسية وبخاصة الرئيس كرامي والوزير سليمان فرنجية وبعض نواب طرابلس. وفي الجنوب يتحدث النواب عن تقسيم جديد ونهائي للدوائر على قاعدة ان لا مفر من التحالف بين "حزب الله" وحركة "امل" حتى ولو جاء من باب "المساكنة القسرية" لقطع الطريق امام احتمال انعاش المعارضة لهما. ويؤكد هؤلاء ان التقسيم الانتخابي للجنوب سيكون على اساس استحداث ثلاث دوائر انتخابية صيدا - جزين - الزهراني، صور - بنت جبيل، النبطية - مرجعيون - حاصبيا ويضيفون ان البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير لن يعارض جمع جزين وصيدا والزهراني في دائرة واحدة من شأنها ان تحقق توازناً في توزيع النواب على اساس مقعدين لكل من الطوائف الرئيسة: السنّة والموارنة والشيعة والكاثوليك. وبالنسبة الى بيروت، يستمر الوزراء والنواب من الموالين الذين يدعون الى حشد القوى لتوفير افضل الشروط لمنازلة الحريري في عقر داره في الحديث عن تقسيمها الى دوائر يمكن ان تؤمن لهم حصة في المقاعد النيابية المخصصة للعاصمة 19 مقعداً، لكنهم في المقابل يفتحون الباب امام احتمال التفاهم معه، تكراراً لما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة لا سيما ان اللجوء الى اي تقسيم انتخابي على اساس تقطيع اوصال العاصمة سيرتب مشكلة قد تجر الى مضاعفات سياسية، خصوصاً اذا ما اعتمد "نظام" تجميع الطوائف الأخرى او معظمها في دوائر يكون للطائفة السنية فيها تأثير محدود والذي يمكن ان يلقى معارضة من زعماء الطوائف ذاتها قبل غيرهم تجنباً لإحداث فرز مذهبي في العاصمة، يمكن ان يؤدي الى استحداث خطوط تماس سياسية. وعليه لا بد من الإشارة على حد تعبير قوى سياسية متعددة الانتماءات الى ان قانون الانتخاب سيترك للحسابات السياسية التي سيتم على اساسها الفرز خصوصاً انها قد تحمل اكثر من مفاجأة تقود الى خلط الأوراق التي لن تكون معزولة عن الخطة التي سيتعامل بها لبنان ومن خلاله سورية مع القرار 1559 والتي ستأخذ في الاعتبار تفادي الصدام مع الشرعية الدولية.