اجرت "الحياة" في 23/12/2003 لقاء مع الدكتور محمد علي زيني، بعد عودته من العراق. وكان ينظر الى زيني، بعد سقوط بغداد، على انه المرشح الأقوى لترؤس وزارة النفط. وهو خبير نفطي واقتصادي عراقي يعمل في مركز دراسات الطاقة العالمية بلندن. وقد التقيت الدكتور بلندن، ودار بيننا حديث حول بداية التحاقه "بالمجلس العراقي للإعمار والتطوير" الذي لم ير النور، وكيفية وصول الفريق الى بغداد، يوم 26/4/2003 مع الجنرال غارنر. وأشار الدكتور للقاء الذي اجرته صحيفة "الحياة" معه. وقد اطلعت عليه، وهو لم ينشر يومذاك، واللافت ان الدكتور يبدأ حديثه بقوله: "لقد كذبت علينا وزارة دفاع الولاياتالمتحدة الأميركية وخدعتنا، حيث اتصل بي رئيس المجلس العراقي للإعمار والتطوير ودعاني للانضمام الى المجلس، وهو يعمل لصالح وزارة الدفاع الأميركية، وقال لي ان وظيفة المجلس هي المساعدة في إعادة تشغيل الوزارات والدوائر الحكومية، وإعمار البنية التحتية للعراق، وسيكون مجال عملك في وزارة النفط، وسيكون لكل وزارة فريق من العراقيين يتكون من اربعة مغتربين من ذوي الاختصاص .... وفي بغداد، بعد غياب 21 سنة، في 27/4/2003 التقيت بالمدعو غاري فوغلر الذي كان قد زارنا مرة في واشنطن، خلال احد اجتماعات مجموعة النفط والطاقة التي كانت تنظمها وتشرف عليها وزارة الخارجية الأميركية لصوغ تصوراتنا عن عراق المستقبل. فكنت على معرفة مسبقة بهذا الشخص. وأخبرته اننا اربعة عراقيين ... وستكون مهمتنا اعادة تشغيل الوزارة، والإشراف على بناء البنية التحتية النفطية". ويقول الدكتور زيني: أستغرب محاورنا هذا الأمر، وطلب منا الالتحاق بالفريق الأميركي، وهو فريق متكامل يترأسه هو باعتباره مستشاراً اعلى ويقوم بمهام الوزير. ولقد تبين في اليوم التالي بأن الفرق الوزارية الأخرى لقيت المعاملة نفسها، وأن دورنا، نحن العراقيين، هامشي، ولا يتعدى العلاقات العامة، والوساطة بين الفرق الأميركية، وبيدها الحل والربط، وبين الوزارات الأخرى. وبعد عشرة ايام توجه الاختصاصيون العراقيون الى الحاكم الأميركي، جي غارنر، للاجتماع به، والاحتجاج. ولم تسنح لي الفرصة للمشاركة. وسمعت ان الجنرال كان غليظاً فظاً مع الخبراءالعراقيين. وقال لهم بالحرف الواحد: "انكم مأمورون، وعليكم اتباع الأوامر، ومن لا يعجبه هذا الأمر عليه الرجوع من حيث اتى". وعليه، احسست ان اللعبة انتهت، وعليّ ان اقدم استقالتي، وأحزم حقائبي عائداً وشعور الأسى والغبن يلاحقني وأنا الذي عدت من اجل خدمة بلدي. كثيراً ما اتساءل عن المستفيد الأكبر من هذه الحرب. ولم اجد إجابة أصدق من إجابة الشعب العراقي: نعم، تخلصنا من صدام، وليعد التاريخ بنا الى 11 آذار مارس 1917، وسقوط بغداد في ايدي القوات البريطانية، بقيادة الجنرال ستانلي مور، وإلى الشرارة التي أشعلت ثورة العشرين، وجاءت نتيجة لاغتيال الجنرال جيرالد ليتشمان، في 12 آب اغسطس 1920، مروراً بمؤتمر القاهرة، في 1921، الذي تم التوصل فيه الى حل الصراع في العراق، ومنح سدة الحكم للملك فيصل الأول، المتحدر من أعرق السلالات العربية، وهي السلالة الهاشمية. وتشكلت حكومات العراق، وجاءت أدوار من بنوا العراق الحديث، امثال ساطع الحصري. الذي لا تزال افضاله على التربية والتعليم شاخصة ليومنا هذا، وحزقيل، وزيراً للمالية، وأمانته المالية لا تزال في ذاكرة العراقيين، ود. فاضل الجمالي، عراب السياسة الخارجية، وصاحب الفضل في إرساء قانون البعثات للطلبة والعودة لتسلم زمام السلطة. كل هؤلاء، وآخرون، ساهموا في بناء دولة العراق الحديثة. ونوري السعيد، أشهر رؤساء وزارات العراق، كان يرفع شعار "أتحالف مع الشيطان من اجل خدمة بلدي". وتوّج هذا الشعار بتأسيس "مجلس الإعمار" الذي لم ير النور. وخسر العراق والعراقيون مشاريعه العملاقة التي ذهبت ضحية اوهام ضباط طامعين في السلطة، ولا يملكون غير اتهام الآخر بالعمالة، جاعلين من ذلك شعاراً لحكمهم. وقامت ثورة 1958 لتخلص العراق من العمالة للأجنبي. ومن نتائجها ثورة 1968، واحتلال العراق عام 2003، وعودته الى الصفر. وها هو العراق تحت الاحتلال مرة اخرى وقد عاد خبراء العراق من منفاهم لتأسيس "مجلس الإعمار والتطوير". وبدوره ضاع هو الآخر في منافسات وزارة الدفاع والخارجية الأميركيتين. والخاسر هو العراق والعراقيون. والآن وقد تشكلت حكومة العراق ورفعت شعار "الأمن والاقتصاد اولاً"، أكثير علينا، نحن العراقيين، ان نقف ونطالب الحكومة بإحياء "مجلس الإعمار"، ونعيد استقطاب خبرائنا وكفاياتنا من اجل خدمة البناء؟ ونترك احاديث المدفأة عن حجم وسعة السفارة الأميركية؟ وننصف الذين عادوا من الخارج من اجل البناء؟ فهم احفاد من عادوا قبل مئة عام، من اجل تأسيس العراق الحديث. وليرفع اياد علاوي شعاراً انتخابياً "سأبني العراق وسأصدق مقدار ما كذبت اميركا". الخُبر - سكينة الدلي صحافية عراقية