على خلفية شواطئ مدينة بوسان الكورية الجنوبية الساحلية الساحرة بشمسها الساطعة نهاراً والأضواء المتلألئة في سماء بناياتها وفنادقها ليلاً، أقيمت الدورة التاسعة لمهرجان بوسان السينمائي الدولي في الفترة بين 7 و15 تشرين الاول اكتوبر. وعلى أكبر مسارح بوسان المفتوحة، عُرض فيلم الافتتاح "2046" وهو أحدث أفلام المخرج المبدع ونغ كار - واي من هونغ كونغ. وقبل عرض الفيلم مباشرة صعد المخرج الى خشبة المسرح بصحبة بطل الفيلم توني لونغ وقوبلا بترحيب حار. سوق الفيلم على عكس مهرجان طوكيو السينمائي الدولي الذي يفتح مسابقته الرسمية للإنتاج الدولي من شتى بقاع العالم، يخصص مهرجان بوسان مسابقته للأفلام الآسيوية فقط، وأكثر تحديداً للأعمال الأولى للمخرجين الشباب، تحت عنوان "تيارات جديدة" التي تمنح من خلالها جوائز المهرجان الثلاث الرئيسة. وعلى عكس سوق الفيلم في مهرجان طوكيو المحدود نسبياً، يتمتع بوسان بسوق أكثر احترافاً في بيع الأفلام وشرائها وتعاملات السوق الأخرى. يأتي هذا السوق تعويضاً لعشرات الأفلام غير الآسيوية التي لا تستطيع المشاركة في المسابقة، اذ يتواجد سنوياً عدد كبير من منتجي تلك الأفلام ومخرجيها وموزعيها - معظمهم اوروبي في هذه الدورة - يستفيدون من السوق تجارياً، وفنياً يشبعون رغبة مرتادي المهرجان في مشاهدة الانتاجات العالمية الحديثة والمنتقاة من خلال قسمين لا يقلان اهمية عن قسم المسابقة "سينما العالم" و"سينما مفتوحة" اللذين عُرض من خلالهما ستون فيلماً من بينها تسعة وعشرون فيلماً عرض آسيوي أول، احدها الفيلم اللبناني البلجيكي الفرنسي المشترك "معارك حب" لمخرجته دانيال عربيد، كما تضمن أربعة أفلام كعرض عالمي أول منها الكندي "خط المد" للمخرج اللبناني الاصل وجدي معوض. كما الحال مع معظم المهرجانات الدولية اليوم، التي أصبحت الأفلام القصيرة والتسجيلية تشكل فيها جزءاً تكاملياً مهماً، تحرص الادارة الفنية في مهرجان بوسان على عرض أكبر قدر من جديد الأعمال التسجيلية والقصيرة والتحريك. ففي اطار برنامج "زاوية متسعة" تم عرض اربعة وسبعين فيلماً تحت عناوين مختلفة، "الأفلام الكورية القصيرة" 21 فيلماً، "الأفلام الآسيوية القصيرة" 7 أفلام، "التسجيلي الاسيوي" 12 فيلماً، "الأفلام الآسيوية القصيرة 7 أفلام، "أفلام تسجيلية عالمية" 15 فيلماً، واخيراً "أفلام تحريك عالمية قصيرة" 10 أفلام. ومن خلال هذا البرنامج تُمنح جائزتان لأفضل فيلمين قصير وتسجيلي من كوريا. نافذة على السينما الآسيوية الى جانب المسابقة الآسيوية بأفلامها المعدودة، يفتح المهرجان نافذة اكثر إتساعاً على الانتاج الآسيوي الروائي الحديث والمتميز من خلال قسم "نافذة على السينما الآسيوية" الذي احتوى على خمسة وأربعين فيلماً معظمها لا يجب أن يسقط من اجندة مشاهدة مرتادي المهرجان إذ وقعت باسماء بعض أهم المخرجين في آسيا، من بين هذه الافلام على سبيل المثال لا الحصر "الدماء والعظام" للمخرج الياباني الكوري الاصل يو ايتشي ساي وكان هذا العرض هو العالمي الاول للفيلم، و"كافيه لوميير" للمخرج التايواني الكبير هوهيساو سن الذي كرمّه المهرجان بمنحه جائزته السنوية لأفضل مخرج آسيوي، وفيلم "لا أحد يعرف" لمخرجه الياباني المبدع كوري - ايداهيروكازو، الذي حاز بعد انتهاء مهرجان بوسان الجائزة الرئيسة من مهرجان فلاندرز البلجيكي الحادي والثلاثين. ومن الافلام الجيدة في هذا القسم أيضاً الياباني "حالة قتل بجوار البحيرة" الذي يعرض كعرض عالمي أول في المهرجان وهو من اخراج أؤياما شينجي، والايراني "قصة لم تكتمل" لحسن يكتنباه وأفلام أخرى من الصينوماليزيا وكوريا وتايوان وسنغافورة والهند. أفلام المسابقة الرسمية كان من المفترض أن يكون اثنا عشر فيلماً في المسابقة لكن لم يستطع المخرج الصيني الشاب دايان انج توفير الترجمة الانكليزية على شريطه "الانتظار وحيداً" لأسباب مادية بحتة، فتقرر الغاء مشاركة الفيلم. من بين أحد عشر فيلماً شاركت كوريا بثلاثة أفلام هي"هذه الفتاة الساحرة" للمخرج لي يون - كي، و"جيلي" لمخرجه نو دون - سيوك، و"لطيفة جداً" لكيم سو - هيون، اما اليابان فقد شاركت بفيلمين "القطة تترك المنزل" للمخرجه نامي ايجوتشي و"اسلوب للبقاء حياً " 5" للمخرج جن سيكيجوتشي، فيما شاركت بفيلم واحد كل من تايوان "الحلم باجازة" للمخرج سو فو - شان، والهند "القتل" لماكراند ديشباندي، هونغ كونغ "قطة هوليوود" للمخرج لام شان - يوى، اندونسيسا "صانع المطر" لرافي بارداني، ماليزيا "الملاذ المقدس" للمخرج هو يو - هان، واخيراً الصين بفيلم "مسلسل شعبي" الذي يمكن ترجمته "الاوبرا الصابونية" وعن المسلسلات الدرامية التي تعالج مشكلات الحياة المنزلية، والفيلم من اخراج وو ايو - شان. فيلما الهندوماليزيا هما ثالث تجربة روائية لمخرجيهما، فيما كان فيلم هونغ كونغ العمل الروائي الثاني لمخرجه، عدا ذلك كانت الأفلام الثمانية الاخرى اولى التجارب الروائية لمخرجيها. هوية فتاتين "القطة تترك المنزل" يدور حول فتاتين تبحثان عن هويتهما وتسعيان الى تحقيق ذاتهما، وتبدت مقدرة المخرجة الفنية في التعبير عن هذه الفكرة من دون مباشرة وفي التحكم الجيد بالفيلم. "قطة هوليوود" كان في نية مخرجه رثاء الفوضى التي سادت الشارع الهونغ كونغي حالياً وبخاصة بعد العودة الى الصين، لكن لم يجد المعادل الموضوعي للتعبير عن أفكاره. فيلم "القتل" يعالج افكار الخطيئة والشر الإنساني والانتقام والمباركة الإلهية التي ينعم بها قليلون لكنه لم يستطع التخلص من الشكل التجاري المعهود وموتيفات السينما الهندية الجماهيرية. "جيلي" يحكي عن طبيعة الحياة الصعبة في بعض الأحياء الفقيرة في العاصمة سيول، وعن التضحية التي يقدمها حبيب من أجل حبيبته. "صانع المطر" يتناول قصة حب محرمة تقريباً بين عالم في الارصاد الجوية يحاول صنع امطار اصطناعية ومغنية في عروض العرائس التقليدية، لكن يغرق المخرج في تفاصيل ومشاهد بطيئة ومملة. "لطيفة جداً" عن أب دجال بوهيمي وابنائه الثلاثة المختلفي الطباع جاءوا من ثلاث امهات مختلفة، يقع الرجال الاربعة في حب فتاة شبه غانية. "هذه الفتاة الساحرة" يدور حول ازمة فتاة في علاقاتها بالرجال، نعرف تدريجياً ان سبب الازمة هو اغتصاب ابوها لها وهي مراهقة. اما فيلم "مسلسل شعبي" فيقدم أربع قصص قصيرة تعكس الحياة اللاعقلانية التي تعيشها المجتمعات الحديثة وما تشهده من عنف وضغوط ولا مبالاة. ترأس لجنة التحكيم الدولية سيرجي لافرنتيف الناقد ومدير مهرجان سوشي في روسيا، بعضوية المخرج الالماني الجورجي الاصل ديتوسنيتساذر والمخرج التايلاندي ابيتشاتبونغ ويرا سيتاكل والمخرج فروت شان من هونغ كونغ والباحثة السينمائية الكورية كيم سو - يانغ. ومنحت لجنة التحكيم جائزتها عشرة آلاف دولار التي تمنح لأفضل فيلم جديد لمخرج آسيوي من "تيارات جديدة" الى الفيلم الكوري "هذه الفتاة الساحرة"، مع تنويه خاص بالفيلم الماليزي "ملاذ مقدس" للمخرج هو يو هان. أما لجنة التحكيم الدولية للنقاد فمنحت جائزتها دبلوما شرفية من الاتحاد الدولي لنقاد السينما للفيلم الصيني "مسلسل شعبي". أما جائزة الجمهور التي يتم اختيارها من بين افلام "تيارات جديدة" بناء على رغبة مشاهدي المهرجان فقد ذهبت الى الفيلم الياباني "اسلوب للبقاء حياً " 5"، والجائزة عشرة آلاف دولار.