أظهرت نتائج المصارف العربية للاشهر التسعة الأولى من السنة الجارية زيادة في أرباحها مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وتراوحت هذه الزيادة ما بين 10 في المئة لمصرف"البنك الأهلي التجاري"السعودي، وهو أكبر المصارف العربية، و15 في المئة لمصرف"بنك البحرينوالكويت"و25.8 في المئة ل"البنك العربي"و46 في المئة ل"بنك دبي الوطني"و51 في المئة ل"بنك عمان العربي"و83 في المئة لمصرف"سامبا"السعودي. ويأتي الأداء المميز للمصارف العربية مكملاً للنتائج الجيدة المتحققة العام الماضي، حين إرتفعت أرباح أكبر مئة مصرف عربي بنسبة 18.7 في المئة عما كانت عليه عام 2002، لتصل إلى 8.5 بليون دولار، وجاء العائد على متوسط رأس المال عند حدود 17.2 في المئة عام 2003، مقارنة مع 16 في المئة عام 2002. واستفادت المصارف العربية من زيادة الأرباح لتعزيز قاعدتها الرأسمالية ودعم نشاطاتها المتزايدة، سواء في مجالات الإقراض أو الخدمات المصرفية الأخرى. وتبدو الظروف الإقتصادية لدول المنطقة مشجعة جداً لعمل المصارف، اذ يُتوقع أن تحقق دول الخليج معدلات نمو إقتصادي مرتفعة السنة الجارية قد تتعدى 10 في المئة، كما يُتوقع ان تفوق معدلات النمو للدول العربية غير النفطية خمسة في المئة. وساعد إرتفاع أسعار النفط، وحفاظ أسعار الفائدة على مستويات منخفضة، في زيادة معدلات السيولة الفائضة في أسواق دول المنطقة، كما بدأ تنفيذ عدد من مشاريع القطاع الخاص والعام التي تم تأجيلها سابقاً، ما رفع الطلب على الإقتراض من المصارف. وطرأ تحسن واضح على محفظة قروض المصارف العربية، من حيث نوعية هذه القروض وربحيتها في الإثني عشر شهراً الماضية. كما ساعد ارتفاع أسعار العقارات والأسهم في مختلف دول المنطقة، إضافة إلى تحسن التدفقات النقدية للمقترضين، على زيادة قيمة الضمانات الداعمة للقروض، الأمر الذي أدى إلى انخفاض ما هو متعثر منها كنسبة من إجمالي محفظة قروض المصارف العربية. وبالتالي فقد تمكن معظم المصارف من تقوية مركزه المالي في فترة الرفاه الإقتصادي الحالية، وتتمتع تلك المصارف الان بملاءة جيدة ستمكنها من مواجهة أي تراجع غير متوقع قد يطرأ على السوق مستقبلاً. وأدى تحسن نشاط القطاع الخاص وتنفيذ كثير من المشاريع في كل القطاعات إلى ارتفاع الطلب على القروض التي توفرها المصارف للشركات. إلا أن الزيادة الكبيرة في الإقراض كانت من نصيب قطاع الأفراد، فارتفع إجمالي القروض الشخصية لشراء المنازل والسيارات والأدوات الإستهلاكية المعمرة وغيرها. ويعتبر مجال الإقراض هذا جديداً نسبياً للمصارف العربية، فقبل عقد من الزمان كانت الإستراتيجية التي تتبعها هذه المصارف تعتمد بشكل رئيسي على إقراض الشركات وتوفير التمويل لمؤسسات القطاع العام، أما الآن فقد اكتشفت أهمية القروض الشخصية المقدمة للأفراد ومدى ربحيتها، ما أدى إلى زيادة حدة المنافسة في هذا المجال. تعتبر القروض الشخصية المقدمة للأفراد ذات مخاطر ائتمانية منخفضة مقارنة بتلك المقدمة للشركات، إذ أن قروض الشركات تكون في الغالب أكبر من القروض المقدمة للأفراد ومرتبطة بتمويل تجاري أو صناعي معرض لتذبذبات حسب الدورة الإقتصادية للبلاد. وتستطيع المصارف الحد من مخاطرها الائتمانية عند إقراضها للأفراد باستخدام الراتب الشهري كضمان لها، ولا يزال من الصعب الحصول على قروض شخصية من دون موافقة مسبقة من المقترض يفوض فيها الشركة التي يعمل لديها بخصم الدفعات المستحقة على قرضه الشخصي من راتبه الشهري. وساعد هذا على إبقاء نسبة الديون المتعثرة من القروض الشخصية منخفضة، إذ تقدر في دول المنطقة بنحو ثلاثة في المئة. ويعتبر سوق الإقراض للأفراد مربحاً أيضاً إذا أخذنا بعين الاعتبار هامش الفائدة الواسع على القروض الشخصية، مقارنة مع الفائدة التي تدفعها المصارف على الودائع المصرفية. ولم تشهد المصارف والمؤسسات المالية العربية عمليات إندماج أو حيازة كبيرة في الاعوام القليلة الماضية، على رغم تشجيع المصارف المركزية على ذلك. وفي السوق الأردنية، على سبيل المثال، كان هناك حديث في بداية 2004 حول إمكان استحواذ"البنك العربي"على"بنك الأردن والخليج"، وعرض"بنك الإسكان للتجارة والتمويل"شراء"بنك فيلادلفيا"، إلا ان اياً من هاتين الصفقتين لم يتم. وفي المقابل سجلت عملية إستحواذ ناجحة قام بها"البنك الأهلي المتحد"في البحرين بشرائه 40 في المئة من"البنك الأهلي القطري"، وشراء"بنك الكويت الوطني"لنصيب 20 في المئة من"بنك غريندليز"في قطر واستلام إدارته. ويتوقع للمصارف الصغيرة أن تعيد النظر في استراتيجياتها في الأشهر المقبلة، وتتجه نحو عمليات الاندماج مع مؤسسات مالية أخرى بهدف تأسيس كيانات ذات رأسمال أكبر وإنتشار أوسع، يساعدها على مواجهة حدة المنافسة المتوقعة في الأسواق المصرفية العربية مستقبلاً. والسؤال المطروح الآن هو: ما تأثير بداية إرتفاع أسعار الفائدة في الأسواق المحلية في أداء وربحية المصارف العربية؟ فالمصارف تتقاضى عائداً بسبب تحملها لمخاطر تغير أسعار الفائدة، بالإضافة إلى مخاطر عدم السداد من قبل المقترضين. وتشير الأرقام إلى أن نحو 70 في المئة من دخل المصارف العربية يأتي من عمليات الإقراض، مقارنة مع أقل من 55 في المئة لمعظم المصارف التجارية في الولاياتالمتحدة وأوروبا. غير أن الدخل المتأتي من الخدمات المصرفية، والتي تشمل شراء وبيع العملات الأجنبية والأسهم وخدمات التحوط وغيرها من الخدمات التي توفرها المصارف لعملائها، في إرتفاع متواصل، وأصبحت هذه العمولات تشكل اليوم 30 في المئة من أرباح كثير من المصارف العربية. شهدت أسعار الفائدة على الدولار ارتفاعاً بنسبة 0.75 في المئة في الأشهر الخمسة الماضية، ويتوقع أن يستمر هذا الارتفاع التدريجي في الأشهر المقبلة. ورفعت المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية أسعار الفائدة على العملات المحلية لتتماشى مع تلك التي على الدولار. غير أن ارتفاع أسعار الفائدة هذا جاء، ولحسن الحظ، في وقت تشهد فيه إقتصادات دول المنطقة نشاطاً مميزاً، إنعكس إيجاباً على أعمال وأرباح الشركات العاملة فيها، كما أن انتعاش أسواق الأسهم والعقارات وارتفاع دخل الأفراد شجع المصارف على زيادة الإقراض وتوفير المزيد من الخدمات المصرفية للعملاء. إضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يساعد إرتفاع أسعار الفائدة المصارف العربية على زيادة دخلها من الحسابات الجارية المودعة لديها والتي لا تدفع عليها فوائد، فتقوم بإعادة إقراض هذه الأموال بأسعار فائدة أعلى للأفراد والشركات، إضافة إلى إستثمار جزء منها في السندات الصادرة محلياً وعالمياً. وأكثر المصارف المستفيدة من إرتفاع أسعار الفائدة هي المصارف الإسلامية والمصارف التي تشكل حسابات الودائع الجارية لديها نسبة مرتفعة من إجمالي الودائع. وأدى تحسن الأوضاع الاقتصادية إلى زيادة التفاؤل لدى المستهلك العربي بشكل عام، ما شجعه على التوجه نحو طلب المزيد من القروض الشخصية. أضف إلى ذلك أن التركيبة السكانية لدول المنطقة، و60 في المئة من السكان دون سن الرابعة والعشرين، تشير إلى أن الطلب على القروض الإستهلاكية المقدمة للأفراد سيشهد إرتفاعاً متواصلاً في السنوات المقبلة، الأمر الذي سيشجع المصارف العربية على التركيز على هذا القطاع لتحقيق النمو المنشود. ولا يُنتظر التوسع في مجال القروض الشخصية ما ان يتم تأسيس مكاتب للتصنيف الائتماني للأفراد، تقدم خدماتها للمصارف كافة، ما يجعل عملية الإقراض للأفراد تعتمد أكثر على السجل الائتماني للمقترض وليس بالضرورة على ضمان تحويل جزء من راتبه الشهري للمصرف. وتوجد في الكويت فقط مكاتب للتصنيف الائتماني للأفراد تشترك في ملكيتها المصارف الكويتية كافة، وتعمل كل من السعودية وعُمان والإمارات على تأسيس مكاتب مماثلة لتوفير هذه الخدمة لمصارفها المحلية. وعلى سبيل المثال، عندما حصلت أزمة الديون في هونغ كونغ قبل اربعة اعوام، ولم يكن قد تم تأسيس مكتب تصنيف ائتماني للأفراد بعد، وجدت المصارف أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين أعلنوا إفلاسهم كانت ديونهم الشخصية تفوق دخلهم لفترة 120 شهراً. أما في الولاياتالمتحدة، التي فيها عدد كبير من مكاتب التصنيف الائتماني للأفراد، ترفض المصارف إقراض أي شخص لديه دين مستحق يزيد على دخله لفترة 22 شهراً. وفي الخلاصة، يُشار إلى أن المصارف العربية استطاعت أن تتأقلم بنجاح، وتحقق الأرباح في فترة الاعوام الأربعة الماضية عندما تراجعت أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية. وستجد هذه المصارف أن قدرتها على التأقلم مع إرتفاع أسعار الفائدة هي أسهل الآن، خصوصاً في ظل الأوضاع الإقتصادية المزدهرة التي تشهدها دول المنطقة، على أن يكون التركيز في هذه المرحلة على زيادة الإنتاجية وتخفيض الكلفة والنظر بجدية إلى عمليات دمج وحيازة مدروسة بين المؤسسات المالية. لذلك، تبقى التوقعات إيجابية لقطاع المصارف العربية السنة الجارية مع إستمرار أدائه الجيد سنة 2005. الرئيس التنفيذي - جوردانفست