لا يزال البنك المركزي الأردني ومنذ ثلاثة اعوام يتبع سياسة نقدية توسعية، وأخضع هيكل تسعير الفوائد على الدينار الأردني إلى خفض جديد للمرة الثامنة منذ شباط فبراير العام الماضي، وبهذا تراجع سعر الفائدة على الودائع بالدينار ليجاري الانخفاض الذي تحقق على أسعار الفائدة على الدولار. وخفض البنك المركزي نسبة الاحتياط الإلزامي للمصارف تدريجاً من 14 إلى 8 في المئة بالإضافة إلى خفض جديد في سعر إعادة الخصم ليصبح 4.5 في المئة وسعر الفائدة على ودائع الليلة الواحدة إلى 2.75 في المئة. وجاء هذا في أعقاب القرار الذي اتخذه بنك الاحتياط الفيديرالي الأميركي بخفض سعر الفائدة على ودائع الدولار لليلة الواحدة إلى 1.25 في المئة مقارنة مع 6 في المئة عام 2000. وبدورها خفضت المصارف التجارية في الأردن أسعار الفائدة على الودائع بينما أبقت أسعار الفوائد على القروض والتسهيلات الائتمانية عند مستويات مرتفعة. ومع أن سعر الفائدة على الودائع لأجل تراجع من 7.9 في المئة عام 1999 إلى 3.5 في المئة اخيراً، إلاّ أن أسعار الفائدة على القروض لم تنخفض سوى بشكل طفيف من 12.6 في المئة إلى 9 في المئة في الفترة نفسها. وفي حين خفض بعض المصارف سعر الفائدة على القروض لأفضل العملاء لديها Prime Rate إلى 7 في المئة غير أن السعر المعتمد لمعظم المصارف لا يزال يراوح بين 8 و11 في المئة. واتسع الفرق بين سعر الفائدة على القروض وسعر الفائدة على الودائع في الأردن والمعروف بهامش الفائدة المصرفي في الاعوام القليلة الماضية من 2.79 في المئة عام 1995 إلى 4.6 في المئة عام 1998 ووصل اخيراً إلى 5.5 في المئة، ومع إضافة نسبة العمولة التي تتقاضاها المصارف على تسهيلاتها وهي 1 في المئة في المتوسط يرتفع الهامش إلى 6.5 في المئة، وقلص ارتفاع الفائدة هذا من قدرة القطاع الخاص على تمويل نشاطاته الاستثمارية. ويلاحظ أن الهامش بين أسعار الفائدة على القروض وأسعار الفائدة على الودائع في دول نامية أخرى أقل مما هو عليه في الأردن، فمثلاً وصل هامش الفائدة المصرفية في كوريا الجنوبية إلى 1.7 في المئة وفي ماليزيا 3.18 في المئة وفي الكويت 3 في المئة وفي مصر لم يتعد 1.4 في المئة على رغم ارتفاع نسبة التضخم فيها على تلك التي في الأردن. وسجلت التسهيلات الائتمانية الممنوحة من المصارف التجارية معدلات نمو في الاعوام الأربعة الماضية أقل من النمو المتحقق في إجمالي الودائع، إذ ارتفعت هذه التسهيلات بنسبة 4.2 في المئة مقارنة مع نسبة نمو إجمالي الودائع خلال الفترة نفسها التي تعدت 8.2 في المئة. ووفقاً لذلك انخفضت التسهيلات الائتمانية الممنوحة من المصارف التجارية كنسبة من إجمالي الودائع من 62.9 في المئة عام 1998 إلى 55 في المئة نهاية آب 2002، ما يعكس وجود فائض في السيولة لدى القطاع المصرفي الأردني. وتدعي المصارف التجارية أنها بحاجة إلى هامش فائدة مصرفية لا يقل عن 5 في المئة لتغطية النفقات المباشرة وغير المباشرة لأعمالها وتحقيق الأرباح للمساهمين، وهي تبرر ذلك بالقول ان 2 في المئة من هذا الهامش يذهب لتغطية المصاريف الإدارية والتشغيلية للمصارف و1 في المئة لتغطية خسائر الديون المتعثرة، و1 في المئة لتغطية تكاليف الاحتياط النقدي الالزامي والودائع غير المستغلة من العملات الاجنبية و1 في المئة ربحية للمصرف. إن تخصيص نسبة 2 في المئة كمصاريف مباشرة يشير إلى عدم كفاءة في التشغيل بالمقارنة مع مصارف أخرى في المنطقة، فالإدارة الرشيدة للمصارف تستطيع تقليص النفقات الادارية والتشغيلية من خلال الاستخدام الفعال للتكنولوجيا. كما ينبغي على المصارف إعادة النظر في عدد الفروع التابعة لها، إذ أن العملاء أصبحوا يفضلون استخدام قنوات الاتصال المباشرة في تعاملهم مع المصارف مثل الصراف الآلي، والخدمات المصرفية عن طريق الهاتف والانترنت. وهذا من دون شك سيقلل من أهمية الفروع ومن طريقة إدارتها. فعلى سبيل المثال، حقق بنك الصادرات والتمويل العام الماضي عائداً على الاصول بنسبة 3.2 في المئة وكان الأعلى بين المصارف الاردنية على رغم عدم وجود سوى فرع واحد له. وتمكن "سيتي بنك" ولديه 10 فروع فقط في الهند، من استخدام أجهزة الصراف الآلي والخدمات المصرفية الهاتفية ليصبح أكبر مصدر للبطاقات الائتمانية في البلاد. وهناك بديل آخر امام المصارف لتقليص المصاريف وهو الاندماج. حيث يوجد نحو بنك واحد لكل 10 آلاف فرد في الاردن مقارنة مع بنك واحد لكل 30 ألف شخص في دول الخليج، وهذا يعني أن عدد المصارف في المملكة يعتبر مرتفعاً مقارنة بعدد السكان، وبالاندماج تستطيع المصارف خفض المصاريف الادارية والتشغيلية، وتقليص الازدواجية في العمل ورفع كفاءة الأداء وبالتالي المشاركة في تكاليف التكنولوجيا الباهظة الثمن وتوزيع المنتجات والخدمات المصرفية على قاعدة أكبر من العملاء. وارتفعت نسبة الودائع بالعملات الاجنبية إلى إجمالي ودائع المصارف الأردنية من 38.7 في المئة نهاية عام 1998 إلى 39.7 في المئة نهاية آب 2002. وشكل إجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة بالعملات الاجنبية نسبة 22 في المئة فقط من هذه الودائع في حين أن 76 في المئة من إجمالي الودائع بالدينار يتم إقراضها. فالقيود على الاقتراض بالعملة الاجنبية تضيف إلى المصاريف التشغيلية للمصارف الاردنية مقارنة مع المصارف الاخرى في المنطقة وتزيد من فائض السيولة المودعة لدى البنك المركزي. غير أن تخفيف بعض هذه القيود واتاحة الفرصة أمام عدد أكبر من العملاء للاختيار بين الاقتراض بالدينار أو الدولار سيؤديان إلى استخدام أمثل للودائع بالعملات الاجنبية ويشجعان المصارف على تقديم أسعار فائدة تنافسية على القروض بالدينار. احتكار السوق إن السوق الائتمانية في الأردن لا تزال في الغالب محتكرة من قبل المصارف التجارية وليس لدى المقترضين أي قوة للتفاوض معها، وهنا تكمن أهمية تعميق سوق السندات في البلاد التي لا تزال في مراحل تطورها الأولى لتصبح مصدراً تمويلياً آخر للشركات منافس لسوق الإقراض المصرفية. وتوفر سوق السندات في الولاياتالمتحدة نحو 50 في المئة من متطلبات التمويل للشركات الأميركية. وبعكس ذلك نجد أن سوق السندات في اليابان لا تلعب سوى دور هامشي إذ لا تزال المصارف تهيمن على سوق الائتمان في البلاد. ولو كانت هناك سوق سندات متطورة وفعالة في اليابان لما استغرق حل المشكلة التي عصفت بالقطاع المصرفي هناك مثل هذا الوقت الطويل. ومع تطور ونمو سوق السندات الأردنية سيكون هناك بديل يوفر للشركات التمويل المتوسط إلى طويل الأجل وبأسعار فائدة ثابتة أو عائمة ما سيساعد في تقليص الاعتماد على القروض المصرفية قصيرة الأجل، وقد يشكل أيضاً حافزاً للمصارف لتوفير القروض بأسعار فائدة منافسة. ومن المعروف أن النقص في التمويل المتوسط والطويل الأجل في المملكة كان من العوائق التي حدّت من نمو القطاع الصناعي الأردني. إن المصارف الأردنية مطالبة اليوم بأخذ احتياطات لمواجهة ما قد يُعدم من القروض المتعثرة حيث أن قانون البنك المركزي يُعرِّف القروض المتعثرة بتلك التي عليها فوائد معلقة لفترة 90 يوماً بدلاً من 180 يوماً كانت مقبولة في السابق. والمعروف أن الفوائد المعلقة لا تشكل إيراداً للمصرف، وعلى العكس فإن المصرف مطالب بأخذ احتياطات مقابل هذه القروض. وتعتبر النسبة المرتفعة للفوائد المعلقة والتي تقدر بنحو 15 في المئة من إجمالي الفوائد المقبوضة أحد أسباب حفاظ المصارف على هامش إقراض مرتفع. ولخفض نسبة القروض المتعثرة التي تتطلب أخذ احتياطات تنعكس سلباً على ربحية المصارف، يجب أن يكون هناك مكتب ائتمان مركزي يساعد المصارف على تبادل المعلومات حول طالبي الاقتراض. ولو عرفت المصارف إجمالي التسهيلات المصرفية التي حصل عليها مجد الشمايله، لما استطاع اقتراض مثل هذه المبالغ الطائلة من القطاع المصرفي المحلي. كما ويجب على المصارف الانتقال من إقراض يعتمد على الضمانات التي يوفرها المقترض من عقارات أو أراض أو أسهم أو غيرها من الموجودات الثابتة التي غالباً ما يصعب تسعيرها وتحويلها إلى سيولة عند الحاجة، والاتجاه أكثر إلى إقراض المشاريع ذات التدفقات النقدية الواعدة والتي تضمن خدمة متواصلة للدين ودفع الأقساط المستحقة. وعلى رغم خفض الضرائب على أرباح المصارف من 45 في المئة عام 1996 إلى 35 في المئة حاليا، غير أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة مقارنة مع ما تتطلبه ضريبة الدخل من قطاعات اقتصادية أخرى. ومما لا شك فيه ان كفاءة عمل المصارف ستزداد وترتفع ربحيتها إذا ما أخضعت إلى ضريبة دخل في حدود 25 في المئة، كالنسبة التي تتقاضاها الحكومة من الشركات الصناعية والخدماتية الأخرى، وتقليص الضريبة على المصارف سيجذب لها المزيد من الاستثمارات ويرفع من كفاءة التشغيل لديها ويشجعها على خفض أسعار الفائدة على القروض وعلى توسيع موازناتها العامة ما سينعكس إيجاباً على قطاعات اقتصادية أخرى وستستفيد بالتالي خزينة الدولة لتعوض النقص من جراء خفض نسبة الضرائب على المصارف. وفي النهاية يمكن القول ان السبب الرئيسي لارتفاع أسعار الفائدة على القروض يعود إلى عدم وجود مقترضين لهم تاريخ ائتماني جيد يشجع المصارف على إقراضهم والتعامل معهم، فالمصارف بحاجة إلى إقراض نسبة أكبر من الودائع لديها وهي تبحث دوماً عن الشركات ذات الإدارة الكفؤة والملاءة الائتمانية الجيدة القادرة على الوفاء بالتزاماتها، فمثل هذه الشركات يستطيع الاقتراض اليوم بالدينار الأردني بسعر فائدة لأفضل العملاء 6.75 في المئة وإذا كانت أسعار فائدة كهذه متوافرة في السوق، فهذا دليل على أن الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة لا يحددها البنك بمفرده بل العميل المقترض أيضاً. *الرئيس التنفيذي جوردانفست.