يعتبر ليولوكا اورلندو من ابرز السياسيين الإيطاليين الذين وقفوا في وجه المافيا ونظموا الهجوم المدني عليها، وهو تعرض لمحاولات اغتيال عدة ولا يزال يتنقل اليوم في صقلية او في العالم مع مرافقين امنيين، ويطلق عليه اسم "الجثة المتحركة". في كتابه "مقاومة المافيا" يقدم اورلندو، النائب السابق في البرلمان الإيطالي وفي البرلمان الأوروبي والذي انتخب في العام 1990 محافظاً لباليرمو اثناء الحروب ضد المافيا، سيرة ذاتية وشهادة حياة وانتصار على الموت، يعرض من خلالها الجهود التي بذلها لمقاومة المافيا المتفشية على اعلى المستويات في السياسة وبين السياسيين في باليرمو، ويصف النشاطات التي قام بها في المدارس وأماكن العبادة وفي أقلام الاقتراع لخلق نهضة ديموقراطية. نشأ اورلندو في عائلة ارستقراطية ودخل عالم السياسة والحقوق آخر سبعينات القرن العشرين، وكان واحداً من الشباب المثاليين الذين وقفوا في وجه المافيا وتحدوا سيطرتها على الحياة السياسية في صقلية، كان ذلك في الوقت الذي بلغ نشاط المافيا ذروته، فكانت تجني أرباحاً طائلة من تجارة الهيرويين الدولية المافياوية وملأت صفحات الجرائد الدولية بصور الجثث السابحة بالدماء، جثث خصومها وكذلك جثث رجال الأمن والحكم والقضاة وكل من اراد احترام القاعدة الحقوقية من السياسيين. كتاب "مقاومة المافيا" الذي صدر باللغة الإيطالية وترجم الى الإنكليزية والإسبانية والألمانية صدر اليوم باللغة العربية عن المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم - توزيع المكتبة الشرقية وبإذن خاص من الناشر، وقامت بتعريبه افلين ابو متري مسرة. وكان اورلندو شارك في مؤتمر دولي نظمته المؤسسة في لبنان بالتعاون مع برنامج ثقافة القاعدة الحقوقية في آذار مارس الماضي. وتنشر "الحياة" مقتطفات من الترجمة العربية للكتاب، يروي فيها الكاتب مواقف وشهادات وحكايات عن اناس رفضوا الخضوع للمافيا، وبينها حكايته مع تحرير مدينته من ثقافة "الزبائنية". كان ذلك في حزيران يونيو 1999 عندما نزعت عنها وأخيراً باليرمو صفة مدينة من العالم الثالث وأصبحت في النهاية مدينة اوروبية كبيرة. هذه المدينة التي وصفها مسافر فرنسي في اوائل القرن العشرين قائلاً: "مدينة حيث حتى براعم الحامض والبرتقال تفوح جثثاً وتعبق برائحة الموت". كنت اتكهن بهذا التغيير خلال السنوات التي كانت تعرف باليرمو اثناءها بإيطاليا اللبنانية، اي ساحة رماية للمافيا حيث جثث القتلى الممزقة بالرصاص والغارقة بالدماء تتبعثر في الشوارع، وحيث النسوة المتشحات بثيابهنّ السود ينظرن الى تلك "الجثث المعروفة والشهيرة" بحزن لا يوصف. كنت اعرف بلدي جيداً وأعرف انه سيأتي يوم وينزع عنه ثوب الموت مطالباً بالقيم التي يتميز بها: العائلة والصداقة والشرف، هذه القيم التي اختطفتها منه المافيا عندما استولت عليه وتولت شؤونه كطفيلية وحولته الى خبث وشؤم. لكن تكهناتي كانت ضعيفة لأنه كان يتوجب علي بصفتي محافظ باليرمو Mayor ان اظهر الصورة الجميلة بدلاً من الحقيقة القبيحة. في الثمانينات واوائل التسعينات، كانت الجثث تعد بالآلاف بما فيها الشخصيات البارزة كعماد قوات الأمن، ورئيس التحري، ورئيس البوليس واثنين من اشهر القضاة في اوروبا. تشير بعض التقديرات الى ان عدد الضحايا في باليرمو كان يفوق ضحايا بلفاست وغيرها من البلدان التي تعكرها الاضطرابات والتي تحتكر اهتمامات العالم. كنت أسأل ناقداً: "اين هذه المدينة من العالم الأول، هذه المدينة الأوروبية الكبيرة التي سمعنا عنها الكثير؟". حتى في ايام الإجرام هذه كنت اؤمن بأن باليرمو ستختار الحياة، لأنني كنت اؤمن بأن الطبيعة الإنسانية طيبة وأن الله عادل. وفي حين كنت متأكداً بأن هذا التغيير لا بد آت يوماً لم اكن أحلم بأنني سأرى ذلك وأنا على قيد الحياة. صقلية: حضارة... ومافيا نحن اليوم في صيف 1999. اسير في شوارع باليرمو، وأنظر إليها تنبض بالحياة ولا أصدق انني غير خائف. انني اجول الشوارع والجادات وأنظر الى صقلية الحقيقية. بلاد لا تجسد ضراوة الشر بل هي كما كانت دائماً في التاريخ مجالاً للقدرات الإنسانية. تظهر الأرقام التغيرات التي احدثناها في باليرمو. خلال اكثر من مئة سنة كان القتلى يعدون بالمئات سنوياً. سنة 1999 لم نحص في باليرمو سوى احدى عشرة جريمة ليس لأي منها علاقة بالمافيا. والبرهان الثابت على فك الحصار علينا هو نوعية الحياة التي نعيشها في شوارعنا وفي الأماكن العامة، حيث نتجمع في فوكسيريا شارع التسوق التراثي وكذلك شارع الكالسا والشارع العربي القديم. وكلها اماكن كنا نصفها بالمرعبة ويخيم عليها الذعر منذ سنين قلائل. لن تصل الى ابعد من "بايبي لونا" كنت اتمشى في البيت أرتشف بلذة قهوتي عندما مر نظري بسرعة على شاشة التلفزيون حيث رأيت مشهداً من برنامج تافه يبث صباح كل احد. ولم أشأ أن أنقله إذ تسمّرت عيناي على الشاشة لأقرأ: "جرح الرئيس السابق لمنطقة صقلية، بيرسنتي ماتاريلا، جرحاً مميتاً!". عُرض جثمان بيرسنتي في مكتبه في الطابق الثاني من بالازو دورليان. فوق تابوته علقت لوحة لفارسين يتبارزان. كان يوم دفن بيرسنتي يوماً مكفهراً وممطراً وكئيباً. رفعنا نعشه على أكتافنا وقد تبللت وجوهنا بالدموع والمطر في آن. سنة 1980 كانت سنة الانتخابات للمجلس البلدي في باليرمو فدفعني سيرجيو، شقيق برسنتي وأصحابه، ومحازبوه لأقدّم ترشيحي لهذا المنصب. ألحّ سيرجيو وقال لي: "لوكا يجب ان تقدّم ترشيحك للمجلس. هذه اول انتخابات بعد موت برسنتي. يجب ان يعرف القتلة بأنهم قتلوا بيرسنتي ولكنهم لم يقووا على قتل افكاره". قبلتُ ان أترشح وللحال اتصلتُ هاتفياً بسالفاتوريه مانتيونيه المحافظ السابق. وهو صيدلي بالتمرّس ورئيس جمعية الصيادلة في باليرمو فدعاني الى منزله. كنا في نيسان ابريل والطقس اصبح حاراً قبل الأوان وأدخلتُ الى غرفة الجلوس حيث تقدم رجل مسن ودعاني لأجلس. فكانت جلسة على الطراز المذهبي الصقلي التقليدي حيث جلسنا نرتشف القهوة. وبينما يحرك السكر في قهوته، رماني بنظرة فضولية فيها شيء من الشفقة أثّرت في نفسي. وسألني: "بربّك، لماذا تريد ان ترشح نفسك؟ لتدخل السياسة في باليرمو؟ انظر كيف اصبح محافظ باليرمو!" نظرت الى وجهه المغطى بالحزن والألم وإلى التشاؤم المسيطر على نظراته ولمست سمات الهم والتعب البادية على محيّاه مع العلم انه لا يزال في منتصف العمر. وكدت أغيّر رأيي في الموضوع. لو كنتُ مرشحاً فحسب لأمطرت علي عروض المساعدة. ولكنني كنتُ مدعوماً بأصحاب بيرسنتي وممثلاً لفلسفته لذلك لم يعرض عليّ احد المساعدة كما وأنني لم أطلب مساعدة من احد. في بدء معركتي الانتخابية، توجه إليّ رجل مسن وحكيم من باليرمو يتكلم اللهجة الصقلية بالتنبيه التالي، وقال: "بروفسور انت رجل تفرض الاحترام ولا يعرفك الكثيرون ولكن الذين يعرفونك سيدلون لك بأصواتهم. سيكون الفوز حليفك ولكن لن تصل سوى الى بايبي لونا ولا يمكنك الذهاب ابعد". والبايبي لونا بار يقع على جسر نهر اوريتو وكان في حينه نهراً ملوّثاً تنبعث منه روائح كريهة. التخلص من التبعية دخل صحافي ألماني مكتبي لإجراء مقابلة معي وقال: "سيدي المحافظ، كنت الآن في مركز البوليس الرئيسي، هل تعلم ماذا يسمّونك هناك؟". فأجبت: "لا، لا أعلم". قال: "إنهم يلقبونك ب"الجثة المتحركة" انهم متأكدون انك التالي". كانت فترة حرجة. منذ زمن بعيد اخذت جانباً في هذه الحرب الأهلية. وللمرة الأولى ارى النتائج الممكنة والمتأتية من القرار الذي اتخذت وهو ان ألعب دوراً في هذا الظرف بين قوات القانون وقوات الفوضى. وعرفت انه اذا لم أعمل على إنشاء حركة للتغيير والتجديد ستكون آخرتي. اول خطوة هي ان احرر المدينة من ثقافة قديمة، ثقافة "الزبائنية"، بالرجوع الى الفكرة الصقلية وهي ان اي شخص ينتمي الى عائلة ما، او قبيلة، او اخوية، يفرض حقوقاً خاصة. بهذا المفهوم، ضروري ان نفهم ان الحكومة تحترم حقوق كل انسان بالمساواة وإلا فهي تؤمن امتيازات ومنافع. بعدما اصبحت محافظاً بفترة قصيرة، زارني وفد في مكتبي. وقف المتكلم باسمه وقال: "سيدي المحافظ، انا عضو في حزبك وصوّتُّ لك...". أسرعت للحال الى احد مساعدي وقلت له: "أرجوك اخرج هذا الرجل. سأتابع اجتماعي مع الآخرين". حاولنا دراسة ومعالجة المشكلات اليومية التي تعانيها باليرمو. نحن في مدينة مشهورة بمسرحها، مسرح ماسيمو العظيم، ولكنه أقفل بحجة إعادة ترميمه منذ سنوات. كان عندنا شركة نقليات عامة في البلدية اصبحت اليوم تقريباً غير موجودة لأن عدد الباصات اصبح في حده الأدنى. عندنا مدارس ولكن لا يوجد ابنية للمدارس. بل مدارس بديلة في ابنية خاصة تستأجرها البلدية بمبالغ طائلة من اشخاص مشتبه بهم. اكثر من هدم باليرمو كانت الجريمة، وبالأخص جريمة الذين حاولوا تشويه المدينة. وقع ابطال عديدون في باليرمو وكل ضحية كانت تستنزف باليرمو وأحلامها وآمالها. عند اغتيال الجنرال كارلو ألبرتو دالا تشيزا الذي استشهد بسبب قمع5ه للألوية الحمر سنة 1982 في باليرمو، عرضت صحف المدينة صوراً لجثته وجثة زوجته تكسوهما الدماء تحت عنوان: "هنا دفنت آمال الشرفاء من اهل باليرمو". ومات هذا الأمل ثانية سنة 1992 عندما ذهب جيوفاني فالكوني وباولو بورسيللينو ضحيتين في تفجير سيارة وهما قاضيان تميّزا بشجاعة فائقة إذ تمكّنا من جلب المافيا ومحاكمتها محاكمة دولية علنية. هذه الأعمال كانت ضربة لحكومتيّ روما وباليرمو وكذلك ضربة للمناقبية. ولكن حتى في احلك الساعات، ولم نكن ندري ذلك في حينه، كانت تنتظرنا حياة جديدة. ومنها اليافطة التي كتبت بخط اليد بعد مقتل فالكوني وبورسيللينو: "اليوم بزغ فجر جديد سوف لا يعرف الغروب". وبالفعل في صيف 1999 سطعت شمس باليرمو. التقدم الذي أحرزناه كان جلياً عندما ذهبت مع مندوبي سيفيتاس الى كورليوني، مسقط رأس فرقة "المتعطشين الى الدماء" التي قضت على المافيا "القديمة" بمعركة ذهب ضحيتها اكثر من ألف قتيل. بدت الشوارع التي نجتازها وكأنها متاحف للجرائم الغابرة. في قاعة المدينة جرى نقاش عام حول مافيا الغانغستر الكورليونية التي أرعبت باليرمو وكذلك صقلية بأكملها. سألتنا مؤسسة سيفيتاس ما هي العبرة التي نستنتجها من تاريخنا الحديث؟ وكان جوابي: في صراعنا مع المافيا كان القضاء والقانون جبهة في معركتنا ضد العنف واللاشرعية. اما الجبهة الأخرى فهي الثقافة. والصورة التي تعبر عما اريد قوله في صراعنا ضد المافيا اشبّهها بعربة ذات عجلتين: إحداهما العمل على تطبيق القانون والثانية الثقافة. إذا دارت احدى العجلتين دون الأخرى، تبقى العربة في محلها. اما اذا دارت العجلتان معاً، تذهب العجلة الى الأمام. في حين كان رجال القانون وقضاة النيابة العامة يحاولون تطبيق القانون كنا من جهتنا نحاول ان نبني حياتنا المدنية: باستعادة رموزنا الوطنية كمسرح ماسّيمو مثلاً. استعدنا سياستنا بعد جيل من التواطؤ او الممالأة. والأهم ايضاً هو اننا استعدنا ابناءنا ومستقبلهم. اضافة الى الأماكن العامة، استولت المافيا على نظامنا التربوي ليس فقط لأنها تعلم ان سيطرة الجهل على المجتمع تمكنها من التسلط عليه بل لأنه وسيلة لكسب المال. اوقفنا المداخيل الناتجة عن تأجير المدارس. وبدأنا بوضع منهج تعليم ضد المافيا. احد الأعمال الفنية التي اراها احد التلامذة لهيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأميركي في حينه بيل كلينتون عندما تجوّلت في المدينة لوحة لتلميذ رسم عليها اولاد امسكوا بأيديهم على شكل حلقة في وسطها مجرم معزول يشهر سلاحه. لا تراجع في العمل الميداني بدأنا ايضاً نعمل مع الأولاد ببرنامج سميناه "تبنّي معلماً أثرياً" وكان هذا انقطاع ثوري عن الماضي. لأن المافيا، ككل السلطات التوتاليتارية توطد نفوذها بطمس الذاكرة الثقافية والهوية المدنية. في السنوات القليلة الماضية تبنّى ما يقارب 25000 تلميذ ما يزيد على 160 معلماً أثرياً في باليرمو: الكنائس مع الجدرانيات نظّفت وأعيدت إليها رسماتها، والمكاتب الرسمية التي اقيمت في القرون السابقة رممت وتجددت وأعيد استعمالها. الحدائق العامة استعادت اخضرارها وأزهرت من جديد. بعد إزالة الأوساخ عن هذه المعالم الأثرية عرف اولادنا ان عملهم هذا يساعد على نزع الأوساخ التي تراكمت في نفوسهم طوال سنوات الإجرام والقتل. استنتجت من نهضة باليرمو أن الأمثولة الرئيسة التي نتعلمها هي ان من الممكن ان نفقد قوة الاندفاع والحماسة وحتى ان ننزلق ونتراجع في المجال السياسي/ القانوني - كما فعلت الحكومة الإيطالية احياناً بتعاملها مع المافيا - ولكن لا مجال للتراجع في المجال الاجتماعي. ان الشعب الذي عرف الحرية لا يعود الى حياة جماعية متردية. فهو لا يتراجع في كلامه عن المافيا بعد ان يكون قال ما قاله فيها ولا يترك الديموقراطية بعد ان يكون اختبرها. ولا يستسلم ولا يسلم ثانية المعالم الأثرية والساحات العامة بعد ان عرفها وعرف تاريخها. قال مرة باولو بورسيللينو القاضي الشجاع وصديقي القديم الذي مات فداء لهذه الباليرمو الجديدة: "ان حل مشكلة المافيا هو ان نجبر الدولة على العمل". هذا جزئياً اسلوب العدل وتطبيق القانون. هناك ايضاً مشكلة الحاجات الإنسانية في المجال المدني، كالحاجة الى العمل والوظيفة التي لا تشمل التواطؤ مع المؤامرات الإجرامية، والحاجة الى الديموقراطية وثقافة الحرية. خلال صيف 1999، عندما نظرت الى مدينتي بعيون جديدة، ونظرت أيضاً الى ذاتي شعرت بتعجب ودهشة لأنني لا أزال على قيد الحياة. لسنوات عدة - سنوات طويلة كما اذكر - كنت رجلاً "ممركاً" يرقبه الناس بحذر. والسؤال كان لا اذا كنت سأقتل بل متى وكيف. كنت أختبر الموت بالنيابة كل يوم. ولكن عندما دخل شعب باليرمو في فجره الجديد، وردت في ذهني فكرة جديدة: "ربي، لا أزال حياً! كيف يجب ان اقضي هذه الحياة الجديدة التي انعمت بها علي؟ والجواب كان سهلاً: ان نعيد الى هذه المدينة عظمتها الغابرة. لا يزال برفقتي اثنا عشر مرافقاً ونتحرك دائماً بسيارات مصفحة. لا زلت اطأطئ رأسي غريزياً وانظر وراء أكتافي بعصبية كلما سمعت انفجاراً. أعرف ان المافيا اصبحت بعيدة بل دفنت الى غير رجعة لكنها ما زالت تلازم الصقليين في سباتهم. وحتى الساعة لم يخلِ الذعر قلوبهم. ماتت المافيا في لحظة خروجها من نظامنا السياسي بعد ان مكثت طويلاً في حياتنا الوطنية. واليوم لم يعد لها مكان في حكومتنا المحلية. باليرمو لم تعد منبوذة بين البلدان. عندما اعطتنا اخيراً Moody International Certification درجة تقدير ووضعتنا في مستوى استوكهولم وبرشلونة وأعلى من درجة تقدير نيويورك اشارت الى ان التغيرات في باليرمو خلال السنوات الماضية القليلة كانت بنيوية وفي العمق. وهذه علامة ثقة وطمأنينة. إنها معجزة ان تخرج مدينة من الظل وترى الشمس من جديد. ولكنها معجزة ذات كلفة وثمن، انني غالباً ما أتوقف للحظات خلال النهار وأفكر بكل الذين فقدوا الحياة: الشجعان والعاديون، والشخصيات المميزة والمؤيدون الفاعلون، والمتفرجون. اريد ان اؤمن بأن موتهم لم يكن باطلاً... لأنني اؤمن بأن ما حدث في صقلية، هو بالفعل قصة ملحمية، قصة موت وقيامة. اما وقد تسنى لي ان امشي في باليرمو في صيف 1999 وما بعد، اشعر غالباً بأنني عدت الى الحياة بعد الموت وأشعر بشيء من الذنب وبمسؤولية من نوع خاص وهي "ان اخبر قصة باليرمو كما عشتها".