يُظهر الرئيس الباكستاني برويز مشرف مهارة فائقة في إدارة اللعبة السياسية الداخلية في بلد شديد التعقيد. واثبت في السنوات الخمس من حكمه قدرته على تشتيت طاقات خصومه في اللحظة التي يظن كثيرون أنه ورطة سياسية لا مفر منها. وتعيش إسلام آباد هذه الأيام واحدة من تلك اللحظات بعدما أطلقت المحكمة العليا الباكستانية سراح آصف علي زرداري زوج رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو قبل اسبوع بموجب كفالة قدرها نحو 17 ألف دولار أميركي، في خطوة فاجأت السياسيين واطلقت تكهنات بتغييرات في الساحة السياسية وعودة بوتو الى الحكم. غير ان التكهنات اخذت منحى آخر نهاية الاسبوع، مع الحديث عن نشاط متوقع لزرداري لمساندة سياسات شريف، داخل حزب الشعب الذي كان والده ابرز مؤسسيه الى جانب الراحل ذو الفقار علي بوتو. ويعني ذلك محاولة زرداري انشاء تيار مؤيد له داخل الحزب، يتبع سياسة واقعية في التعامل مع النظام بدل سياسة الرفض التي تتبعها بوتو المقيمة في المنفى. وعزز تلك التكهنات قول زرداري للصحافيين فور خروجه من السجن حيث أمضى ثمانية سنوات، أنه مستعد للعب دور الوسيط للتقريب بين الحكومة والمعارضة وأن باكستان ستشهد في العام المقبل انتخابات برلمانية مبكرة بدلاً من 2007 موعد انتهاء ولاية البرلمان الفيديرالي الحالي. وصدمت تصريحات زرداري أعضاء التحالف الحكومي الموالي للرئيس مشرف، وزادت مخاوفهم من احتمال أن تتخلى المؤسسة العسكرية عنهم مع رواج تكهنات بأن مشرف مستاء من عدم قدرة السياسيين في التحالف على مواكبة أجندته في تحويل باكستان الى دولة مسلمة تقدمية مستقرة اقتصادياً ودفاعياً، من خلال اصلاحات اجتماعية واقتصادية جريئة. غير أن وزير الاعلام الباكستاني شيخ رشيد أحمد الذي امتدح رغبة زرداري في لعب دور الوسيط، نفى بحزم وجود أي نية لاجراء انتخابات برلمانية العام المقبل. وسبق إطلاق سراح زرداري تسريب خبر عبر احدى الصحف مفاده أن برويز مشرف بادر في شهر رمضان الماضي، بالاتصال هاتفياً برئيس الوزراء السابق نواز شريف وشقيقه شهباز شريف في المنفى لتعزيتهما بوفاة والدهما. كما أن مشرف لا يشعر بالارتياح إزاء المعارضة التي يقودها مجلس العمل المتحد الاصولي الذي اطلق في كراتشي أكبر مدن باكستان امس، حملة تعبئة شعبية بهدف إجباره على التخلي عن واحد من منصبيه المزدوجين كقائد للجيش ورئيس للدولة بحلول 31 كانون الاول ديسمبر المقبل. وكانت الحكومة ساعدت التحالف الديني في شكل غير مباشر أوائل العام الجاري، في الفوز بقيادة المعارضة داخل البرلمان الفيديرالي، نكاية بالتحالف المعارض الاخر الذي يضم حزب الشعب بقيادة بوتو و"الرابطة الاسلامية" الموالية لشريف. غير ان مصادر التحالف الحكومي أكدت أن اطلاق سراح زرداري هو مجرد إجراء قضائي جاء بقبول المحكمة طلب محاميه اطلاق سراحه بكفالة مع فارق وحيد هو أن محامي الحكومة لم يعرقل الإجراء هذه المرة. كما أن وزير الإعلام الباكستاني أبلغ شبكة تلفزيونية محلية أن رغبة الحكومة في التصالح مع الأحزاب السياسية لا تعني امكان عودة نواز شريف الى باكستان، مشيراً الى أن عودته مرهونة بمواجهته تهماً بالفساد امام القضاء. ويمضي زرداري، الإقطاعي الثري والبالغ من العمر 52 عاماً، فترة نقاهة في منزل الاسرة بناء على نصيحة الأطباء، إذ يعاني آلاماً في الظهر.