يبدي معظم السفراء الأجانب والعرب المعتمدين لدى لبنان اهتماماً ب"التظاهرة الكبرى" التي تنطلق غداً في بيروت تضامناً مع سورية واحتجاجاً على القرار 1559 ورفضاً للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية، خصوصاً في ضوء المعلومات الميدانية المتوافرة عن ان "حزب الله" سيكون الحاضن الأساس لها من خلال حشده محازبيه وأنصاره. ويحاول هؤلاء السفراء رصد طريقة تصرف "حزب الله" ومدى ارتباطها بالتحضير لإجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، خصوصاً ان منسق عملية السلام في الشرق الأوسط تيري رود لارسن اثارها في محادثاته مع اركان الدولة اللبنانية وفي معلومات "الحياة" ان لارسن عبر عن ارتياحه للأجواء التي سادت اجتماعه في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد وتناول مسألة الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان من زاوية انها تأتي بعد الانتخابات التي ستجرى قريباً في العراق وفي المناطق الخاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، مشيراً الى انها ستكون موضع مراقبة دولية ومحلية. ويعتقد لارسن، بحسب ما قالت مصادر لبنانية ل"الحياة" ان الانتخابات ستوضع تحت المجهر، وبات على الحكومة اللبنانية ان تؤمن المناخ الطبيعي الذي يساعد على إنجاز استحقاق سياسي بهذا الحجم، بدءاً بوضع قانون عادل ومتوازن يساوي بين الجميع وانتهاء بتوفير الأجواء الأمنية والمناخ السياسي الذي يحميها من الشوائب ولا يعرضها للانتقادات. ومع ان لارسن لم يتدخل في مسألة استقدام مراقبين دوليين للإشراف على الانتخابات، فإن رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط كان السباق عندما التقاه في رفضه الاستعانة بمراقبين لقطع الطريق امام تدويل العملية الانتخابية. وعليه، رغب لارسن في ان يرصد مهمته في بيروت في إبداء وجهة نظره من الانتخابات النيابية بغية تجنيب لبنان اي شكل من اشكال المواجهة مع المجتمع الدولي... بينما بادر "حزب الله" - الذي كان امينه العام السيد حسن نصر الله اطلع من النائب غازي العريضي على نتائج اجتماع لارسن مع جنبلاط مؤكداً له ان الأخير كان صريحاً للغاية ليس في رفض القرار 1559 فحسب وإنما في معارضته الشديدة للمشروع الأميركي في المنطقة. فالحزب الذي يدرك انه سيكون القوة الأساسية في التظاهرة الى جانب الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية وحشد من الشخصيات النيابية والوزارية والسياسية والنقابية، يرى في المقابل انه آن الأوان لتصحيح المسار السياسي للتظاهرة التي ستغيب عنها الأعلام، بعدما تداخلت فيها جملة من الاعتبارات والمعطيات التي يعتقد انه في غنى عنها، وأن لا مبرر للمنافسة على طرحها من مشاركين في الحشد الشعبي. وفي هذا السياق حرصت قيادة الحزب على التواصل مع عدد من المرجعيات الروحية المسيحية من اجل توضيح موقفها على قاعدة انه يتعاطى معها انطلاقاً من مجموعة من الثوابت السياسية تأتي في طليعتها: - ان التظاهرة موجّهة أولاً وأخيراً الى الخارج لتمرير رسالة مفادها انه ضد التدخل الأجنبي وخصوصاً الأميركي في الشؤون الداخلية، وأن للمتظاهرين وجهة نظر يرفضون من خلالها القرار 1559 . - ان قيادة الحزب ليست مع بعض الأطروحات الداخلية التي تحاول ان تحدث انشقاقاً بين شرائح المجتمع اللبناني، خصوصاً تلك التي يراد منها تخوين فئة او التأليب ضدها. - الإصرار على ألا تشكل التظاهرة مادة لإحداث فرز بين اللبنانيين او انشقاق في ظل تقديره للحماية الشعبية والسياسية التي تحظى بها المقاومة ضد اسرائيل والتي لم تكن في يوم من الأيام مادة للاستهلاك المحلي او للخلاف بين اللبنانيين. لذلك، فالحزب لا يرى اي فائدة للتأثير سلباً في الحصانة الشعبية التي تتمتع بها المقاومة. - ان الحزب وإن كان يحترم آراء الأطراف اللبنانية ويرى في الحوار الطريق الوحيد لتأمين حد ادنى من التوافق حول القضايا الأساسية المطروحة وشرطها الأساس صون التماسك الداخلي، فإنه يستغرب إقحام الانتخابات النيابية في القرار 1559 وبالتالي لا يحبذ اختيار شعارات لها ليست في محلها. - إن مشاركة الحزب في التظاهرة، لن تكون في اطار حقن الأجواء المحلية او في سياق استحضار النزاعات الداخلية، بل ان الرسالة التي يتوخاها تكمن في رفض تدويل الوضع اللبناني وفي التصدي لأي تدخل دولي عنوانه تطبيق القرار 1559 لا يجد من ضرورة لتصنيف من يعارض الحكومة على انه من مؤيدي القرار". - ان تمتين العلاقات اللبنانية - السورية "التي نحرص عليها ونتعاطى معها كأساس لاستمرار الاستقرار في لبنان، تستدعي منا تعميق التحالف وعدم الانجرار الى ردود فعل غير مدروسة، على غرار ما نسمعه من حين الى آخر عن احتمال حصول انسحاب مفاجئ للجيش السوري من لبنان. في ضوء ذلك، يستمر "حزب الله" في طمأنة اللبنانيين رافضاً - بحسب مصادره - التهويل على هذا الفريق او ذاك، وآخذاً على بعض الوزراء والنواب انهم ارتكبوا "هفوات" من خلال الترويج السياسي في دعوتهم للتظاهرة آملاً من الإدارة المحلية عدم تكرارها لما ألحقته من ضرر ترتب على البلد من الطريقة الاستعراضية التي اتبعها عدد من "المتحمسين" الذين لم يحسنوا اختيار الشعارات في حث اللبنانيين على الاشتراك في التظاهرة... لذلك انبرت قيادة الحزب وأخذت تتصرف منذ ايام على انها "صمام الأمان" الذي يحول دون ان تترك التظاهرة تداعيات سياسية لا جدوى من استحضارها.