حسين 12 عاماً طفل شارع يعيش أسفل جسور القاهرة شتاء، وعلى كورنيش المعادي صيفاً. يتعرض حسين لمداهمات الشرطة مرة على الاقل كل شهرين عندما تأتي سيارة الشرطة وتجمعه ومن معه من أطفال. لكنهم يعودون مرة أخرى الى الشارع بعد أيام "سود" يمضونها بعيداً من بيوتهم "الآمنة" في الشارع. ومنى 10 اعوام خادمة في منزل في حي مصر الجديدة الراقي، مهمتها الطهو وتنظيف منزل مخدومتها في الصباح، ورعاية طفليها في النادي في المساء. تنام في المطبخ، وتتناول وجباتها الغذائية بعدما تفرغ الأسرة من الأكل وتناول الحلوى أيضاً، ولا مانع من صفعة على خدها بين الحين والآخر، أو ركلة على ساقها لو نست مهمة من المهمات الموكلة إليها. شقيقتها الكبرى سناء 13 سنة تستعد لتتزوج من العريس الذي نجح سمسار القرية في الحصول عليه في مقابل ثلاثة آلاف جنيه تدفع الى والدهما، اضافة الى تكفل العريس قيمة تزوير شهادة ولادتها لتكون ابنة 16 وليس 13 عاماً. هناك ملايين من زملاء حسين ومنى وسناء يعملون في ورش ومدابغ، أو يتنصل آباؤهم من التكفل بهم مادياً، أو يتعرضون لإيذاء جنسي، أو يتم ضربهم ضرباً مبرحاً بغرض التهذيب والتأديب. كلها حالات تحدث يومياً من دون أن يلتفت اليها احد لسبب بسيط، هو أنها اصبحت - أو كادت - جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، وصيغة مقبولة من صيغ نمو الأطفال. وعلى رغم أن قانون الطفل في مصر الصادر في عام 1996 اطار "جديد جداً" لضمان حقوق الطفل، الا ان هناك حاجة الى المزيد من الضمانات مع سد الثغرات الموجودة في القانون. لكن على مدى تلك الأعوام، اخذت الاصوات تعلو حيناً وتخفت احياناً أخرى، فطبيعة المجتمع المصري تتحفظ كثيراً في شأن الخصوصيات لا سيما خصوصيات الاسرة، وطرحت اسئلة عدة منها: هل يعتبر ختان الإناث عُنفاً، وضرب طفل بالحزام تهذيباً؟ هل يعد عمل طفلة لمساعدة أسرتها الغارقة في الفقر جريمة؟ هل يحتاج الطفل المشرد في الشارع الذي اقترف جرماً الى شرطي أم اختصاصي اجتماعي؟ اسئلة شائكة دارت خلال السنوات القليلة الماضية على استحياء في اكثر الأوقات. لكن روح العصر والاتجاه نحو انتشال الرؤوس المدفونة في الرمال كانت لهما الغلبة، والدليل ما يجري في اروقة وزارة العدل والمجلس القومي للطفولة والامومة هذه الايام من مناقشات حامية بغرض ادخال تعديلات على قانون الطفل، جميعها يتطرق الى اكثر المناطق سخونة وحساسية. الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة والامومة السفيرة مشيرة خطاب قالت إنه تجرى حالياً مناقشة لرفع الحد الادنى لسن زواج الفتاة من 16 الى 18 عاماً، خصوصاً ان القانون يعرف الطفل بأنه كل من يقل سنه عن 18 عاماً. وكانت جهات حقوقية عدة في مصر نبهت كذلك الى ضرورة تحديد سن الزواج للجنسين ب 18 عاماً، وذلك أن النمو العقلي والبدني والنفسي للطفل والطفلة لا يكتمل قبل سن 18 عاماً، ومعروف أن الزواج المبكر، لا سيما للاناث، ما زال علامة خطر في الريف المصري. ويشير تقرير صادر عن مركز حقوق الطفل المصري إلى ان الريف المصري اصبح سوقاً لزواج الاثرياء العرب بالفتيات. ليس هذا فقط، بل ان الزواج لن يتم من دون قيود حتى لو كان الزوج والزوجة في السن القانونية. تقول خطاب إن التعديلات المقترحة ستتضمن اجراء الكشف الطبي على الراغبين بالزواج كشرط لإتمام العقد، وفي ذلك نوع من الحماية لطفل المستقبل. وتشير خطاب إلى أنه "لا ذنب للطفل ان يأتي الى الحياة وهو معوق او يحمل مرضاً ما لمجرد أن اباه وأمه صمما على الزواج على رغم علمهما بأن ابنهما قد يصاب بمرض او اعاقة وراثية". تعنيف الطفل تقرير صدر عن مركز الأرض لحقوق الانسان في القاهرة أخيراً أكد ان العنف ضد الاطفال اصبح اكثر من مجرد "شوية جرائم" زادت هنا أو هناك ضد اطفال مصر، بل اصبح ظاهرة في المجتمع. وحمّل التقرير وعنوانه "دراسة حالة فراشات المستقبل" الدولة لتقاعسها والمجتمع لسكوته المسؤولية. وحدّد صور العنف واستغلال الاطفال في مصر ب"العنف الرسمي، وغير الرسمي" ويتمثل العنف الرسمي في سوء معاملة الاطفال من موظفي مؤسسات الشرطة، اضافة الى صورة من العنف الواقع على الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. أما العنف غير الرسمي، فيحدث للأطفال العاملين في قطاعي الزراعة والصناعة، والمحاجر والكسارات، وأماكن العمل الخطرة. بعد سنوات طويلة من الأصوات المطالبة بالتعامل مع اطفال الشوارع باعتبارهم ضحايا في حاجة الى رعاية وعلاج وتأهيل نفسي، يبدو أن بادرة امل تلوح في الافق. اذ تقول خطاب: "طفل الشارع هو طفل غير جانح، هو ضحية لظروف اسرية ادت به إلى الشارع. وطالما لا يخالف قانوناً، يجب الا يكون عرضة للمساءلة أو المعاقبة القانونية". وتشير الى أنه في حال الاضطرار الى التعامل معه، يجب أن يكون ذلك من خلال اختصاصيين اجتماعيين في مراكز استقبال مؤهلة لذلك، وليس من خلال رجال الشرطة في الاقسام. وهي تؤكد العمل من أجل إنشاء مركز نهاري واحد على الاقل في كل محافظة لاستقبال اولئك الاطفال، وإما إعادتهم الى اسرهم أو تحويلهم الى اسر بديلة. وفي الإطار نفسه، تشمل المقترحات التي يناقشها حالياً خبراء القانون والطفل تشديد العقوبة على اولياء الامور الذين يهملون الطفل، او يتقاعسون عن اداء واجباتهم تجاهه من دون عذر مقبول بطريقة تدفع الصغار الى الشارع. واتقاء لجدلية ان الاهل يضطرون احياناً الى دفع اولادهم الى العمل، فإن خطاب تؤكد أن تشديد العقوبة على اولياء الأمور في حالات كتلك ستصاحبها برامج مكافحة الفقر ومراكز مجهزة لاستقبال الاطفال، وتوفير خدمات الاستشارات الاجتماعية والنفسية للاطفال. واذا كان الفقر احياناً يؤدي الى استقرار الطفل في الشارع، فإنه يؤدي أحياناً أخرى الى الزج به في العمل، سواء كان سوق العمل الظاهر أم في شكل غير مباشر. ويحظر القانون المصري عمالة الاطفال دون سنة 14 عاماً او لحين انتهاء مرحلة التعليم الاساسي، والذي زاد عاماً بعد عودة الصف السادس الابتدائي. وتوضح خطاب ان هذا الحظر ينطبق على كل اشكال العمالة، بما في ذلك العمل الاسري. فمثلاً هناك الأب الذي يعمل نجاراً ويبدأ في تعليم ابنه "سر الصنعة" منذ نعومة اظافره، ويجب أن يكون هذا العمل غير مؤلم، ولا يرهقه ذهنياً أو عصبياً أو يمنعه من فرص التعليم والترفيه وتنمية المواهب التي ينبغي ان تكون متاحة للطفال العادي. وتشير خطاب الى احدى اكبر الثغرات في نص القانون الخاص بعمالة الاطفال وهي ارتباط سن التدريب ب 12 سنة، ويشجع ذلك البعض على الادعاء بأن الاطفال العاملين في الورش والمصانع متدربون وليسوا عاملين، وتأمل خطاب في ان يتم رفع هذه السن الى 13 عاماً. ومن المآسي المتكررة في بيوت مصرية عدة خادمات المنازل، وبعضهن لا يزيد عمرهن عن سبعة اعوام. تقول خطاب: "يجب أن يكون اطراف المشكلة جميعهم على وعي بها وهم في هذه الحال: اسرة الخادمة، واهل البيت حيث تعمل الخادمة، والوسيط وهو همزة الوصل بين الخادم والمخدوم". ويتوقع ان تشمل التعديلات هذه الجزئية تحديداً لتندرج بوضوح ضمن بند عمالة الطفل. ومن اكثر القضايا سخونة في المناقشات الجارية "العنف ضد الاطفال"، لا سيما انه سيشمل العنف الاسري، وما يحويه ذلك من "التابوات" التي يأبى كثيرون الحديث عنها، ناهيك بالاعتراف بوجودها. وتأمل خطاب في الخروج بتشريع جامع مانع يشمل حماية الاطفال ووقايتهم من العنف التقليدي وغير التقليدي. ومن أشكال العنف غير التقليدي التي تذكرها خطاب المنافسة في المجال الرياضي الذي يجبر الاهل على الضغط على الابناء الى درجة تصل الى العنف. وهناك العنف داخل المدرسة والأسرة. وتنفي خطاب تماماً وجود أي ضغوط خارجية في شأن التعديلات المقترحة، وتلفت النظر الى أن هذا "الاتهام" بالخضوع لضغوط خارجية، بات متوقعاً في مجتمعاتنا مع كل خطوة إصلاح.