اختار عدي وقصي صدام حسين سورية ملجأ، ولكنه كان خياراً فاشلاً. فبعد وقت قصير على نجاح مرافقيهما في حفر نفق عند الحدود مع العراق وادخال سيارة تقلهما الى الأراضي السورية، ومعهما عدد قليل من المرافقين، علمت أجهزة الاستخبارات السورية بالأمر فبدأت بتعقبهما. وفي مكان ما بين حماه وحلب نجحت الاستخبارات في معرفة مكان اقامة الضيفين غير المرغوب فيهما فطلبت منهما مغادرة البلاد على الفور. ... بعد ساعات من السفر وصلت الى المكان، والتقيت ابن احد المرافقين الذين كانوا مع قصي وعدي عند دخولهما الى سورية، وكان ينتظرني مع سائق خاص أقلنا على الفور الى منزل تلك العائلة التي كانت تتمتع بسلطة قوية في العراق، ولكنها تعيش الآن في بيت متواضع في مكان سري. وفتحت سيدة شابة متشحة بالسواد باب البيت. التعب بادٍ في عينيها وعلى وجهها الذي كان يضيء عندما تتحدث عن أيام العز التي عاشتها في العراق، وحرصت خلال حديثها على الإشارة الى ان بيتها هذا متواضع"ولكن المزرعة التي كنت أعيش فيها في العراق كانت مساحتها اكثر من 2500 متر مربع وكان حراسنا من ضباط الجيش. زوجي كان بمثابة ابن صدام الثالث بعد عدي وقصي، فهو كان يحبه الى درجة لا يمكن وصفها كما انه كان يأتمنه على كل اسراره". ومن بين المهمات السرية والصعبة التي أوكلها صدام الى ذلك الرجل مرافقة عدي وقصي اينما ذهبا، وان يكون صلة الوصل بينه وولديه. فهو"لم يفارق عدي وقصي لحظة واحدة لأن عدي كان في حاجة دائمة الى مساعدة في التنقل والاستحمام والقيام بأمور لم يكن يستطيع القيام بها لوحده لأنه كان شبه مشلول بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها". اشتدت عمليات البحث الاميركية عن مكان اختباء صدام وولديه، وبدأت الدائرة تضيق حولهم ما دفع زوج هذه السيدة الى اقتراح فكرة لكسر الطوق الذي كان يشتد اكثر فأكثر، فقال انه يجب على عدي وقصي مغادرة العراق الى سورية. وتوضح السيدة:"بالفعل بدأت عملية التخطيط للهرب الى سورية عبر الانتقال بسيارات مختلفة تعبر الصحراء الى الحدود. هناك قابلنا مجموعة من الفدائيين السوريين ورجال العشائر الذين قدموا كل مساعدة. لكن واجهت القافلة الصغيرة مشكلة، اذ انه كان مخططاً الانتقال مشياً عبر الصحراء، لكن عدي لم يكن يستطيع ذلك... فتم حفر نفق بطرق بدائية سهلت لسيارة عدي وقصي الدخول الى سورية". استقرت المجموعة العراقية التي دخلت سورية ومعها عدي وقصي واقرب مرافقيهما في مكان ما بين حماه وحلب. اعتقدوا ان السلطات السورية، حتى ولو علمت بدخولهم لن تتعرض لهم. ولكن تبين في ما بعد انها لا تستطيع تحمل الدفاع عنهما، فبعد مرور وقت قصير على دخولهما الأراضي السورية تم توقيف كل المجموعة العراقية. وتتابع السيدة العراقية:"كان رجال الاستخبارات السورية واضحين وحازمين. لكن في الوقت ذاته محترمين، اذ طلبوا من المجموعة مغادرة البلاد على الفور. ورافقت عناصر اجهزة الأمن السورية عدي وقصي ومرافقيهما الى الحدود وأشرفت على ابعادهم". ويقول احد المسؤولين البعثيين العراقيين ل"الحياة":"كان بامكان سورية استغلال وجود أولاد صدام عندها وابرام صفقة كبيرة مع اميركا، لكن بابعادهما الى العراق اكدت انها ثابتة على موقفها العروبي وعدم مساعدة المحتل. وفي الوقت ذاته، لم تكن تريد تحمل عبء أولاد صدام". عاد الحارس الوفي معهما الى العراق واستمر في عمله صلة الوصل الوحيدة بين صدام وولديه. فهو كان يتنقل في انحاء العراق من دون اثارة انتباه احد، وتقول زوجته:"في أحد الأيام كان في زيارة لمنطقة تكريت حيث كان الرئيس صدام يختبئ، فاستقل معه سيارة أجرة قديمة للانتقال الى مكان آخر. وعلى الطريق ظهر فجأة حاجز اميركي فأوقف زوجي السيارة كي يعود قبل الوصول الى الحاجز فعارضه الرئيس وقال له استمر ولا تظهر انك مرتبك. تمكنا من اجتياز الحاجز من دون ان تتمكن القوات الأميركية من التعرف عليهما". في ذلك الوقت، كثر المتعاونون مع الجيش الاميركي فاتصل زوج السيدة العراقية بالاستخبارات الروسية وأوصل اليها رسالة من صدام وولديه بطلب تأمين تأشيرات روسية لعدي وقصي للخروج من العراق وطلب اللجوء السياسي في موسكو. وتزيد:"الروس اصدقاء، اذ فور الاتصال بهم وافقوا على تأمين تأشيرات لعدي وقصي... وقبل مغادرة العراق تمكنا من الحصول على جوازي سفر مزورين". أرسلت الاستخبارات الروسية اثنين من عملائها الى بغداد لمساعدة عدي وقصي على الخروج، فلم يتمكنا من مقابلة ولدي صدام، وبقي الاتصال عبر ابن السيدة العراقية الذي التقى العميلين الروسيين مرات في بغداد. وتتابع:"كانت الاستخبارات الروسية متجاوبة الى درجة كبيرة معنا خصوصاً ان مطلبنا الوحيد اخراج عدي وقصي الى خارج العراق لمساعدتهما على الهرب الى روسيا. كان المخطط الأول تهريبهما الى شمال العراق ومن هناك الى تركيا ومن ثم روسيا، أو تهريبهما الى الأردن أو سورية ومن ثم الى روسيا". لكن الظروف لم تساعدهما على الهرب لأن"الحارس الأمين"اعتقل بعد يوم من عودته من زيارة سرية لسورية. تقول زوجته:"هناك من اعطى معلومات عنه للأميركيين، اعتقد بأننا نعرف من هو ذلك الشخص". وبعد يوم واحد من اعتقاله حاولت زوجته وأولاده الدخول بسيارة أجرة عبر نقطة الحدود السورية - العراقية"لكن الاميركيين اوقفوا سيارتنا واعتقلونا جميعاً". عثرت القوات الأميركية على جوازي السفر المزورين اللذين كان عدي وقصي يريدان استخدامهما للهرب، في حوزة السيدة العراقية، فعلمت القوات الاميركية بمخطط الهروب الذي كان في ذلك الوقت قد فشل بسبب اعتقال الحارس الشخصي لعدي وقصي. بعد اقل من شهر على اعتقاله تمكن الاميركيون من العثور على مخبأ عدي وقصي وقتلهما، وبعد ثمانية اشهر من اعتقاله تم اعتقال صدام حسين. "اتهم بعضهم زوجي بأنه قد يكون هو الذي اعطى معلومات عن عدي وقصي أو عن مكان اختباء الرئيس، ولكن زوجي لا يخون والإثبات على ذلك ان صدام اعتقل بعد 8 اشهر من اعتقال زوجي". تعيش هذه السيدة العراقية في احدى المدن العربية في شقة متواضعة مع أولادها وتتوقع ان يتم الافراج عن زوجها"عما قريب لأنه لا دخل له بأي عمليات قتل أو جرائم حرب أو ممارسات مخالفة للقوانين الدولية. كل الناس تعرف ان زوجي كان من الذين لم يعتدوا على احد في العراق وانا مؤمنة انه سيخرج من سجنه عما قريب".