يستطيع الجيش الأميركي سحق المقاتلين الجوالين المتحصنين في الفلوجة. يستطيع أيضاً كسر إرادة أبنائها الذين احتضنوا المقاتلين الوافدين لتشابه في المنطلقات والموقف أو لمجرد الشراكة في القتال ضد عدو واحد. يستطيع الجيش الأميركي منع الفلوجة من الاستمرار معقلاً للمقاومين من أبنائها أو للمقاومين الوافدين الذين يبحثون عن فرصة للاشتباك مع الأميركيين. ويستطيع الجيش الأميركي أن يعلن مقتل مئات المسلحين وعزمه على استكمال عمليات"التطهير". لكن ما يحدث في الموصل وأنحاء أخرى في"المثلث"يوحي أن الفلوجة مجرد معركة على رغم أهميتها ورمزية نتائج المعركة فيها. مجرد معركة في حرب يصعب التكهن بموعد نهايتها. ثم أن ما تكشفه المشاعر السائدة في"المثلث"يوحي بإمكان قيام فلوجة أخرى خارج الفلوجة. وهذا يعني أن على الجيش الأميركي أن يخوض سلسلة من المعارك أخطر ما فيها اضطراره إلى انزال خسائر فادحة بالعراقيين قبل المقاتلين الجوالين. يصعب الاعتقاد أن أبا مصعب الزرقاوي مكث في المدينة إلى موعد اكتمال الحصار حولها. أغلب الظن أنه غادرها لتأسيس فلوجة أخرى. الهجمات الجوالة و"الانتفاضات"التي وقعت خارج الفلوجة توحي بانتشار المقاتلين الجوالين لتوسيع دائرة المعركة ولإرغام الجيش الأميركي على الاصطدام بمجموعات أوسع من العراقيين. ما لا يستطيعه الجيش الأميركي هو اجتذاب أهل الفلوجة إلى جانبه. يصعب الاعتقاد أنهم سيشعرون أنه حررهم من المقاتلين الجوالين الذين جعلوا معركة الفلوجة لا تدور فقط في سياق المقاومة للاحتلال، بل أيضاً في سياق الحرب على أميركا و"الحرب على الإرهاب". لا غموض حول نتائج معركة الفلوجة. يملك الجيش الأميركي تفوقاً كافياً لحسمها. والسؤال هنا عن الثمن الباهظ للانتصار سواء بالنسبة إلى المنتصر أو بالنسبة إلى العراق نفسه. وهنا لا بد من التوقف عند علامات الخطر على المستقبل العراقي نفسه. فمنذ توقف المواجهات بين"جيش المهدي"والجيش الأميركي ودعم الكتلة الشيعية ومرجعيتها الأساسية برنامج اجراء الانتخابات، ظهر الشرخ واضحاً في الجسد العراقي. يمكن القول هنا ان الحسابات المذهبية تقدمت على الحسابات الوطنية. ويمكن القول أيضاً ان رفض الانتخابات في"المثلث"ينطلق من حسابات تنتمي إلى القماشة نفسها. ويمكن أن ندرج في هذا السياق بعض عمليات الخطف والاغتيال وردود الفعل عليها. يستطيع المتابع لمعركة الفلوجة استنتاج خلاصات مقلقة. الأولى أن الجيش الأميركي يغرق فعلاً في حرب طويلة يتعذر حسمها بالضربة القاضية. الثانية ان الانتخابات ستجرى في أجواء مقاطعة أو شبه مقاطعة سنية ستتيح لاحقاً التشكيك بنتائجها أو رفض الاعتراف بها. الثالثة ان وحدة المشاعر بين العراقيين ليست في أفضل أيامها وأن المزيد من المعارك قد يزيد الرغبة في طلاق انتحاري أو في نزاعات عراقية - عراقية. هذا من دون أن ننسى ألغام الموصل ومتفجرات كركوك. يبقى أن مشاهد ما يجري في الفلوجة تنذر بأيام قاتمة للعراق وربما للمنطقة أيضاً.