ظاهرة خطيرة تدعو للقلق الشديد، راحت تستشري للأسف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وتستوجب وقفة مصارحة وحملة مدروسة للتوعية من خشية أن تضحي سمة ثابتة من سمات النسيج الثقافي للمجتمع أو على الأقل بعض شرائحه. أعني بذلك تلك الظاهرة التي أخذت تتفاقم مع تفاقم ظاهرة العنف والارهاب. أعني بها ذلك "التعاطف" الذي نلمسه مع تصاعد موجة الارهاب والعنف تحت عباءة التدين أو الحماسة اللاشعورية من قبل البعض تلك العمليات الارهابية وحوادث العنف التي أضحت سمة من سمات هذا العصر. ما دعاني الى كتابة هذا المقال هو ما لاحظته من تنامٍ لهذه الظاهرة الشاذة لدى قطاع كبير من أبنائنا بل وآبائهم أيضاً كلما دار الحديث أو التعليق على ما يجري يومياً في المنطقة من عمليات عنف وتفجير وسفك للدماء ودمار ناهيك بجز الرؤوس وذبح الضحايا الأبرياء. نعم... وبكل صراحة هناك من يتعاطف مع هؤلاء الارهابيين من منطلق شعور خاطئ يرتدي عباءة التدين أو نصرة المجاهدين الذين نجحوا في بث هذه الثقافة لتغطية أهدافهم الحقيقية التي لا علاقة لها بالجهاد ودوافعه وشروطه. كنت أتحدث مع بعض هذه النماذج المخدوعة والمتعاطفة ولا أقول المؤيدة وكانت المناسبة حدوث انفجار كبير في بلد عربي أودى بحياة العشرات من الأبرياء... كان منظر الدماء والأشلاء المتناثرة وصرخات المصابين وأقربائهم أكبر من احتمالنا مشاهدتها على شاشة التلفزيون. فماذا كان رد فعل هذه النماذج التي عنيتها بمقالي هذا؟ التعاطف التام مع منفذي تلك العمليات والإشادة ب"بطولتهم" وتبرير ما قاموا به بصفته جهاداً لرفع راية الإسلام أي اسلام هذا؟!. عند مناقشتي لهم كان ردهم أن من الطبيعي أن يسقط ضحايا أبرياء في مثل هذه العمليات "الجهادية؟" وذكر أحدهم مثلاً الجزائر التي قدمت مليون شهيد في حربها ضد الاستعمار. انه تشبيه غير صحيح يتردد كثيراً على ألسنة "المتعاطفين" مع الارهاب لأن الجزائر كانت تحارب المستعمر وتواجه جيش المحتل. لم أدخل في مناقشة مشروعية أو عدم مشروعية تلك العمليات الارهابية بل سألت محدثي عما يكون عليه شعوره لو أن تلك الضحية التي ذبحت أمام عدسات الكامير، كانت ابنه أو أخاه أو والده أو قريبه أو حتى صديقه...؟! اشمأزت قسمات وجهه من مجرد هذا السؤال ولم يجب بشيء... هذا الحديث يتكرر كثيراً في مجتمعاتنا حيث يتباهى البعض بإظهار حماسته وتعاطفه وايراد التبريرات التي تشبع بها ذهنه نتيجة انتشار ثقافة خاطئة في بعض وسائل الإعلام أو مقاعد الدراسة أو حتى تأثير "المندسين" الذين ارتدوا عباءة الدين أو الافتاء لتضليل النشء بل والمجتمع سواء في الفضائيات أو المواقع المشبوهة في "الانترنت". نلاحظ هذا أيضاً وفي شكل واضح عند متابعتنا للمداخلات التي تجرى مع فضيلته الشيخ الجليل عبدالمحسن العبيكان على قناة M.B.C عبر الاتصالات الهاتفية، حول المواضيع التي يطرحها فضيلته بكل اقتدار وموضوعية عن ظاهرة الارهاب والعنف والعمليات الانتحارية والتكفير... هذه المداخلات التي تعكس هذا الانحراف الفكري والتطرف لدى البعض ممن يتصلون بالبرنامج بهدف واحد هو المهاجمة والتجريح لما يرد في اجابات فضيلته على تساؤلات البعض عن تلك المسائل الشائكة والحساسة التي تشغل بال المجتمع. انني ادعو مخلصاً وبكل الحاح المشرفين على مؤتمرات الحوار الوطني والملتقى الثقافي ووسائل الإعلام إيلاء هذه الظاهرة الخطيرة ما تستحقه من اهتمام لتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة واعادة التوازن لشباب "الصحوة الإسلامية" وغسل أدمغة المغرر بهم ومعذرة للتعبير مما تعرضت له تلك المفاهيم الخاطئة التي هي أبعد ما تكون من مبادئ الصحوة الإسلامية المباركة التي هي أملنا في الخروج من هذه المحنة التي لا تعصف بالمجتمعين العربي والإسلامي. ولنمد أيدينا الى هؤلاء الشباب كي يساهموا في بناء الوطن ولنعد لهم الثقة بقدراتهم الخلاقة والمبدعة كي يتسلموا زمام المستقبل الواعد ان شاء الله باعتبارهم هم ذخيرة هذا البناء ودعامته... * السفير السعودي السابق في بيروت.