لا ينتهك قانون حقوق الملكية في أي مكان آخر من سورية، قدر انتهاكه في سوق السويقة أو "سوق تشفير الفضائيات"، كما تعرف على نطاق واسع في دمشق. يعود تاريخ السوق إلى عام 1993، مع العلم أن تشفير القنوات التلفزيونية الفضائية لم يكن موجوداً قبل 6سنوات. ففي ذلك المكان الشعبي، الذي لا يتجاوز طوله 350 متراً، يتجمع أكثر من 250 محلاً. ويبدو اصحابها مستنفرين باستمرار،لاصطياد إي زبون جديد. ومع تراخي اجراءات حماية حقوق الملكية يصبح السوق أكثر غرابة و غموضاً... فتش عن المال و...الجنس يعمل أبو نارت مالك في هذه المهنة منذ 13 عاماً. ويرى أن البضاعة تتوافر في "السويقة" باسعار مغرية. ومثلاً "جهاز استقبال بث المحطات المتلفزة الفضائية، الذي لا توجد فيه "فتحات" للاتصال مع الكومبيوتر والانترنت، يراوح سعره بين 3700 و 4500 ليرة سورية، اي بين 74 و90 دولاراً... وتتوافر البرامج لكي تنقل لاحقاً الى ذلك الجهاز، من خلال بعض المواقع على الانترنت، او من طريق بعض وكلاء الاقنية الفضائية... ويُعرض جهاز استقبال مع تلك ال"فتحات" بسعر يزيد 1500 ليرة سورية 30 دولاراً عن الجهاز السابق. ويصل سعر الحاضنة الكوم الى 3500 ليرة 70 دولاراً، ويُشحن "كرت" جهاز استقبال البث الفضائي، بواسطة الكومبيوتر، بخمسين ليرة 1 دولار، علماً ان سعره في السوق العادية 300 ليرة 6 دولارات. ومنذ سنة تقريباً اطلق نوع جديد، يُتعارف عليه باعة "السويقة" باسم "الجيل الجديد"، وهو جهاز استقبال للفضائيات مع شيفرة كود. ويمكن تجديد الشيفرة اوتوماتيكياً او يدوياً، بحسب المحطات التلفزيونية المطلوبة". ويتحدث مجد دحام 20 عاماً عن نوعية زبائنه، مشيراً إلى أن تسعين في المئة منهم يطلبون فتح المحطات التلفزيونية المُشَفَّرة. وتطلب أقلية منهم فتح القنوات المُشَفَّرة مع الحفاظ على كلمة المرور. وفي المقابل، يرى هذا الشاب النشيط "أن تدني مستوى الدخل وغلاء أسعار الفضائيات العربية المُشَفَّرة لا يبرر لجوء غالبية الناس لفك التشفير". واشار الى أن أكثر من نصف الزبائن يطلبون فك تشفير اقنية التلفزة التي تبث افلاماً اباحية. "المافيا السوداء" الروسية في سوق السويقة، هناك شيء جديد دائماً، يحث السوق على النشاط، مما يجعل الامور وكأنها في حركة دائمة لا تتوقف. ومثلاً، تضج هذه السوق راهناً بالحديث عن فك تشفير مجموعة "بولسات"، التي تضم عشرين محطة تلفزيونية. وسبب الاهتمام ان محترفي السويقة احتاجوا عشرين يوماً لتوصل الى فك شيفرة هذه المجموعة. وفي العادة، لا يستغرقهم مثل هذا العمل اكثر من ثلاثة ايام. وبعد الاعلان عن توافر "بولسات"، غرقت السويقة في سيل من نشاط محموم، اذ تقاطر الزبائن على شراء هذه المجموعة التلفزيونية الجديدة. ماذا عن المنافسة في سوق السويقة؟ يعمل أنس سليمان في هذه السوق منذ العام 1999 ويؤكد أنه "لا يوجد منافسة في السوق...كل واحد وشطارته... عندما كانت البضائع تأتينا تهريباً من لبنان، كان العائد المالي جيد...وراهناً أصبحت كل البضائع تستورد من الخارج، وبالتالي انخفضت نسبة الأرباح". وأوضح انه "إذا ربح البائع ب"الريسيفر" 50 ليرة، يعتبر انه نال ربحاً جيداً... لكن التعويض يأتي من الحواضن و"الكروت" التي لا تزال موضع تهريب". في هذا السياق، يرى المهندس فراس الحلبي أن التنافس الوحيد في السوق يجري من طريق الصيانة، وليس من طريق المبيع. "لا يتجاوز عدد البرمجيين في السوق العشرة أشخاص... ومثلاً، يتركز عمل هؤلاء راهناً على تطوير آلية فك شيفرات "الجيل الجديد" من اجهزة استقبال بث المحطات الفضائية. ففي هذا الجيل، وضعت الشركات شيفرة كود موحدة على الجهاز و"الكارت"، مما يوجب فك نظام التشفير عند شحن "كروت" الاشتراك وتجديدها... ويجب ادخال "الكود" يدوياً من الكارت الى الجهاز... يذكر الامر بما يحصل في روسيا وهنغاريا، حيث يسمى مثل هؤلاء المحترفون باسم "المافيا السوداء"... بعض مبرمجي سوق السويقة يكرر افعال "المافيا السوداء"، بعد ان يطورها بما يتناسب مع المنطقة العربية"! لا يرى معظم الباعة إمكاناً لإصلاح وضع السوق، إلا في حال التشدد في تنفيذ قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، لأن جو المنافسة يحسن الأسعار! وكذلك يطالبون بإيجاد هيئة تنظم حركة البيع والشراء. وفي المقابل، هناك الكثير من مظاهر الانفتاح الاجتماعي بين أوساط باعة "السويقة" وجمهوره، مع إصرار اقلية منهم على أن انفتاح القنوات الفضائية لن يكون لمصلحة عادات مجتمعهم وتقاليده. سؤال المعرفة الجنسية ولاحظت ليلى ربة منزل وأم لثلاثة شبان ان "كل شيء في الألفية الجديدة أصبح مختلفاً، حتى المناهج المدرسية التي أصبحت تتناول موضوع التربية الجنسية... وفي رأيي أن الحل لا يأتي من طريق منع المعرفة، حتى لو كانت معرفة جنسية". وترى سارة أيوب "نحن غير مهيئين لهذا النوع من الانفتاح، بحكم تقاليد مجتمعنا... تحتوي جميع باقات القنوات المشفرة الكثير من القنوات الإباحية". وتذهب ندى أحمد الى رأي آخر. وتشير الى وجود "الكثير من القنوات المشفرة التي لا نستطيع مشاهدتها إلا من طريق فك تشفيرها... كما أن عدد القنوات الإباحية يمثل جزءاً من مجمل القنوات المشفرة، التي تضم الكثير من قنوات الموسيقى والثقافة... لا تحتاج الأفلام الجنسية بالضرورة للقنوات التلفزيونية المشفرة فهناك الإنترنت مثلاً". ويقول علي، المدرس في إحدى الثانويات، انه "يجب أن تكون هناك حماية حقوق الملكية لأن جميع الدول تتطور بالنظام إلا نحن نتطور بفضل... الفوضى".