أعلن الأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبدالرحيم مساء أمس، في مؤتمر صحافي في مدينة رام الله بالضفة الغربية، ان الرئيس ياسر عرفات سيدفن في مقره المعروف باسم "المقاطعة" في المدينة، وقال والدموع في عينيه: "إذا حل قدر الله وقضاؤه فنحن مسلّمون بذلك وستكون كل الترتيبات هنا في المقاطعة باعتبارها أحد معالم الصمود التي جسدها الرئيس". وأكد عبدالرحيم أن الرئيس ياسر عرفات ما زال حياً و"الأطباء الفرنسيون يبذلون ما في وسعهم لايقاف نزيف في دماغه". وقال: "ندعو أبناء شعبنا العربي الفلسطيني إلى رباطة الجأش وإلى الثبات والتكاتف والوحدة ورص الصفوف في هذه الظروف الصعبة". وكان مدير الاتصالات في مستشفى بيرسي العسكري الجنرال كريستيان استر تيبو أعلن أمس أن الرئيس عرفات دخل الليلة قبل الماضية في غيبوبة عميقة، وأن حالته الصحية ازدادت خطورة، وتلا بياناً قال فيه: "إن حالة الرئيس ياسر عرفات الصحية ازدادت خطورة ليل الثامن إلى التاسع من تشرين الثاني نوفمبر 2004. والغيبوبة التي استدعت ادخاله إلى قسم الانعاش أصبحت أعمق هذا الصباح. إن هذا يشكل مرحلة ذات مغزى في اتجاه تطور نتحفظ عن التكهن به". ومساء أمس وصف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس أبو مازن الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني بأنه "حالة صعبة جداً". وقال: "نتمنى له الشفاء". وأدلى "أبو مازن" بتصريحه هذا بعد لقاء في قصر الرئاسة الفرنسي بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك والوفد الفلسطيني المؤلف، إضافة إلى "أبو مازن"، من رئيس الوزراء أحمد قريع أبو علاء ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني روحي فتوح ووزير الشؤون الخارجية الدكتور نبيل شعث وممثل فلسطين لدى الأممالمتحدة ناصر القدوة ومفوضة فلسطين في فرنسا ليلى شهيد. وكان الوفد زار قبل وصوله إلى مقر الاليزيه مستشفى بيرسي العسكري في كلامار حيث يرقد عرفات، وقضى هناك ساعتين ونصف ساعة والتقى الأطباء الفرنسيين وسهى عرفات قرينة الرئيس الفلسطيني. وغادر الوفد باريس مساء أمس ويتوقع وصوله فجر اليوم إلى رام الله. وقالت أوساط الرئاسة الفرنسية إن الرئيس شيراك سأل أعضاء الوفد الفلسطيني خلال لقائه معهم عن زيارتهم للمستشفى، وأكد دعم فرنسا للسلطة الفلسطينية، وأشاد بحسن عمل المؤسسات الفلسطينية، وقال إن فرنسا مستعدة باستمرار مع الأسرة الدولية لتساعد وتسهل استمرار عمل المؤسسات الفلسطينية في هذه المرحلة وأيضاً لدفع تنفيذ "خريطة الطريق" بحذافيرها. وقال الناطق باسم قصر الاليزيه جيروم بونافونت إن الرئيس الفرنسي اتصل ظهر أمس بنظيره الأميركي لحوالي عشرين دقيقة، وان جورج بوش "استفسر عن صحة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية". ومن المتوقع، إذا تدهورت الحالة الصحية للرئيس عرفات، أن يتم إعلان ذلك بالتوافق بين أطباء المستشفى العسكري وزوجة الرئيس سهى عرفات والسلطة الممثلة في باريس، على أن ينقل على متن طائرة فرنسية إلى عمّان ثم تتم مراسم الدفن في المقر الرئاسي، "المقاطعة" في رام الله. وكانت الأخبار قد تضاربت طوال يوم أمس بشأن وضع الرئيس الفلسطيني وراجت أنباء عن وفاته، لكن مفوضة فلسطين والسلطات الرسمية في باريس نفت ذلك كلياً، معترفة بأن الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني قد تدهورت ليل الاثنين - الثلثاء. وقال وزير الشؤون الخارجية الفلسطيني الدكتور شعث في مؤتمر صحافي مساء أمس في باريس إن "قلب عرفات ودماغه ورئتيه تعمل وهو على قيد الحياة ولا أرى سبباً يدفع إلى القول إنه مات. هذا أمر بيد الله والأطباء الذين يهتمون به". واستبعد شعث فرضية التسمم، وقال: "ربما تدهور وضعه بسبب سنه وظروف عيشته الصعبة ما ساهم في تعزيز أمراض معوية أدت إلى تدهور تركيبة دمه". واستبعد إمكان فصل أجهزة الانعاش قائلاً: "نحن مسلمون لا نأخذ بهذه الحالات". وقال شعث إنه بسبب الوضع الصحي الصعب لعرفات تم انتداب "أبو علاء" للدخول إلى غرفة العناية الفائقة، ونفى أن تكون هناك وصية سياسية نقلها الوزير السابق محمد دحلان إلى القيادة الفلسطينية، وقال إن "دحلان جاء إلى رام الله ليبلغنا بالوضع الصحي لعرفات ولم يناقش أي شيء آخر". وتابع ان سهى عرفات "نظراً للاشاعات حول صحة زوجها، ارادت وقف كل المعلومات، وهذا اعطى مفعولاً عكسياً، والآن ادركت عدم جدوى هذا الأسلوب وعدلت عنه، وقد تحدثنا معها حول الموضوع، ولم نتحدث بأي قصة أخرى، وليس هناك قصة أموال أو غير أموال. المهم اليوم صحة عرفات". وذكر شعث أن سهى عرفات "كانت تبكي عندما قابلتنا وقبلتنا جميعاً، وهي منهكة بالفعل ونحن أكدنا لها تعاطفنا فهي زوجة رجل كبير وقائدنا وأم ابنته الوحيدة". وأكد شعث أن عرفات لن يعود قبل شفائه "فهو يعالج بشكل جيد جداً هنا". وكانت مصادر قريبة من الرئيس الفلسطيني أكدت ل"الحياة" من داخل مستشفى بيرسي العسكري أن الرئيس عرفات أوصى زوجته ومعاونيه بدفنه في القدس في حال وفاته، كما أوصى باجراء مراسم الجنازة في القاهرة حيث نشأ. وتضيف هذه المصادر أن سهى عرفات بحثت في وصية الرئيس عرفات مع وفد القيادة الفلسطينية الذي زار المستشفى البارحة وكان لقاؤها معه ودياً، غير أن أعضاء الوفد أصروا على نقل جثمان الرئيس إلى عمّان بالطائرة ومن ثم نقله بالهليكوبتر إلى رام الله حيث سيدفن في مقره "المقاطعة" في رام الله، مبررين ذلك بعدم قبول إسرائيل بإقامة الجنازة في القاهرة. وأكدت هذه المصادر أن عائلة الرئيس عرفات اتصلت بالرئيس المصري حسني مبارك للبحث في تنفيذ وصية عرفات ورفض الشروط الإسرائيلية، وأن رئيس الاستخبارات المصرية الوزير عمر سليمان اتصل هاتفياً نيابة عن القيادة المصرية مع سهى عرفات، معرباً عن استعداد مصر لترتيب مراسم عزاء بالرئيس الفلسطيني على أرفع مستوى ممكن. وأكدت هذه المصادر ل"الحياة" أن وزير الخارجية الفرنسي ميشيل بارنييه كان اتصل مع سهى عرفات للبحث معها في زيارة الوفد القيادي الفلسطيني، وتم الاتفاق على استقبالهم ودخول رئيس الوزراء "ابو علاء" لزيارة الرئيس. وتضيف هذه المصادر أن قريع أجهش بالبكاء وانهار عند رؤية الرئيس الفلسطيني. من جهة ثانية، تؤكد هذه المصادر أن تقارير مفصلة ستصدر حول أيام الرئيس عرفات الأخيرة وحالته الصحية في مستشفى بيرسي، وحول الخلاف بين قرينة الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية، مضيفة ان فريقاً يعمل على توثيق هذه الحقائق لنشرها في الوقت المناسب. ووصفت هذه المصادر وضع الرئيس الفلسطيني ب"المقلق والحرج جداً".