ساعات قليلة وتظهر النتائج فيكرم الرئيس جورج بوش بالفوز بانتخابات الرئاسة الأميركية مجدداً لولاية ثانية أو يهان فيعود خائباً الى تكساس ليعض أصابع الندم على سياساته الخاطئة ويترك البيت الأبيض لمنافسه الديموقراطي جون كيري فيما يقف العرب"مكانك راوح"على مقاعد الانتظار و"الفرجة"وهم يتجادلون عن الأفضل والأسوأ بالنسبة لقضاياهم وأمورهم العامة والخاصة وحاضرهم ومستقبلهم. ساعات قليلة ويعود الينا الرئيس القديم الجديد ومعه سياسة الهيمنة والقوة المعراة مصحوباً برتل المحافظين الجدد الذين شوهوا صورة الولاياتالمتحدة وعرضوا أمنها للخطر وهددوا مصالحها الحيوية، أو تنقلب المعادلة ويفوز كيري ليحكم الولاياتالمتحدة والعالم على مقاس التعهدات والوعود التي قطعها للوبي الصهيوني الذي لم يعمل يوماً إلا لمصلحة اسرائيل ضارباً عرض الحائط بكل المصالح الحيوية الأميركية. ولو اتعظنا من دروس التاريخ وتجارب الماضي لأدركنا منذ زمن بعيد أننا أمام معادلة السيئ والأسوأ... لا فارق بين رئيس ورئيس وبين حزب وحزب... يذهب رئيس ويأتي رئيس ونحن نحلم ونتمنى ونأمل ونمني النفس بمتغيرات أو بحلول سحرية أو حتى بقليل من الإنصاف والعدالة واحترام الشرعية والعمل من أجل مصالح الولاياتالمتحدة قبل مصالح العرب وقضاياهم. هذه الانتخابات الأميركية هي أكبر مثال على معادلة السيئ والأسوأ بالنسبة للعرب والصراع العربي - الاسرائيلي. فقد تسابق بوش وكيري على كسب ود اسرائيل وارضاء اللوبي الصهيوني واطلاق الوعود بالعطايا والدعم لإسرائيل والتباري في توجيه الاتهامات والتهديدات العدائية للعرب والفلسطينيين تارة بترديد مزاعم الإرهاب وتارة أخرى بالزعم بأن مستقبل أميركا يتوقف على التحرر من الحاجة للنفط العربي. وقد يقول قائل ان الوعود الانتخابية شيء والممارسة السياسية بعد الفوز شيء آخر، فكلام الانتخابات تمحوه نشوة النصر وبعدها يكون لكل حادث حديث حيث تسود العقلانية والتعامل مع الواقع بمرونة وتتكثف الجهود لإيجاد حلول للقضايا العالقة، وبينها فلسطين والعراق، وتتواصل الاستراتيجية القديمة القائمة على التقرب من الدول الصديقة ولا سيما المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية وغيرها بعد أن يدرك سيد البيت الأبيض حاجة الولاياتالمتحدة لها... حتى اشعار آخر. والرد على هذه الفرضية ينطلق من تجارب الماضي مع الرؤساء المتعاقبين، ففي كل انتخابات تتزايد الوعود بتغييرات جذرية ومواقف ايجابية من رئيس جديد يحمل الينا الهدايا والآمال بمبادرات وحلول وضغوط على اسرائيل سرعان ما تتبدد بعد أيام قليلة من استقراره في البيت الأبيض فكلما جاء رئيس ترحمنا على الذي سبقه، وكلما مر يوم بكينا على اليوم الذي مضى. ويذكر القراء كم بنى العرب آمالاً على جورج بوش الابن وكم تحمسوا لفوزه على منافسه آل غور الذي كان يتردد بأنه صهيوني، بل ان كل الدلائل تشير ان هذا الفوز لم يكن ممكناً أبداً لولا تصويت غالبية أبناء الجاليات العربية والإسلامية لمصلحته علماً أنه لم يفز سوى بمئات الأصوات فقط بعد مخاض عسير فإذا به ينقلب على وعوده ويتمادى في دعم اسرائيل ويصف السفاح شارون برجل السلام ويستخدم حق"النقض"الفيتو في مجلس الأمن سبع مرات لحماية اسرائيل من ادانة أكيدة لارتكابها مذابح وحشية ضد الفلسطينيين، من دون أن نغفل غزوه للعراق ودعمه لقانون محاسبة سورية وعشرات الأمثلة الدامغة عن الانحياز الكامل والفاضح لإسرائيل. واليوم تتكرر المهزلة وينحاز العرب لمنافس بوش الديموقراطي كيري ويصلون لفوزه نكاية ببوش، إذ تشير المعلومات الى ان الجاليات العربية والإسلامية ستصوت لصالحه بعد أن خيب بوش أملها، وكأن كيري سيحمل اليها الترياق ويحل لها قضاياها ويجلب معه السلام والازدهار ويقف في وجه شارون وعتاة الارهاب الصهيوني. وعبثاً يفعل العرب، فلا وزن لتمنياتهم وآمالهم ولا أخذ في الاعتبار لأصواتهم ودورهم الحيوي المتزايد في أية انتخابات أميركية، ولا شكر ولا امتنان من الرئيس الفائز لهم حتى ولو تأكد بأن أصواتهم هي التي رجحت كفة ميزان النتائج. والعكس هو الصحيح فسيكتشف العرب في حال فوز كيري أنه سيكون أسوأ من سلفه على رغم كل المآخذ على بوش ومحافظيه والمتطرفين الذين أخذوا الولاياتالمتحدة رهينة لخدمة أهداف اسرائيل والصهيونية العالمية وبينها هدف اقامة اسرائيل الكبرى وهدم المسجد الأقصى بزعم أنه سيمهد لعودة المسيح المنتظر. فقد تمادى كيري في الرضوخ لإملاءات اللوبي الصهيوني واعطاء تعهدات كثيرة لهم لقاء مواصلة مواقف الدعم التقليدية للحزب الديموقراطي. فالخلاف بين بوش وكيري قد يطاول كل القضايا الداخلية والاقتصادية والدولية ولكن مواقفهما شبه متطابقة بالنسبة للشرق الأوسط والانحياز لإسرائيل والعراق وقضايا المنطقة الأخرى. خلاف في الأسلوب والتكتيك والتفاصيل وليس في الاستراتيجية والمضمون، وفي الأشخاص وليس في المبادئ، وفي المصالح الشخصية والسياسية وليس في المصالح العامة للولايات المتحدة، ويكمن الفارق الوحيد بينهما في أن بوش لم يعد بحاجة لدعم اللوبي الصهيوني، الذي لم يصوت له أصلاً في ولايته الثانية لأنه لا يحق له الترشح لولاية ثالثة بينما يدخل كيري البيت الأبيض وعينه على الولاية الثانية وبالتالي حاجته للوبي الصهيوني المتحكم بكل مفاصل الدولة والمؤسسات والاقتصاد والمال والكونغرس والإعلام. كما أن بوش الذي أعلن"رؤية للسلام"تعهد بدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة واعترف بأهمية اقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية"الصديقة"وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مما يعطي بارقة أمل خافتة بإجراء تغيير ما لتصحيح مساره الخاطئ. وما دام الحديث عن المصالح فإن من المجدي وضع بعض الحقائق والشهادات برسم الرئيس الفائز كائناً من كان وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً من العرب على كافة المستويات السياسية والإعلامية والمالية والاقتصادية لنشر الاحصاءات والدراسات والوقائع التي تثبت أن مصالح الولاياتالمتحدة الحيوية هي مع العرب وليس مع اسرائيل، بل أن تأمينها وضمان أمنها مرهوناً بإقامة علاقات متوازنة وودية مع العرب وتصحيح الصورة المشوهة والعدائية الناجمة عن الانحياز لاسرائيل. وقبل أيام قرأت في"الحياة"أرقاماً مهمة يمكن استخدامها في هذه الدراسات تشير الى أن قيمة الصادرات الأميركية الى المنطقة بلغت 062 بليون دولار العام لماضي. كما تتحدث احصاءات شبه رسمية عن استثمارات عربية في الولاياتالمتحدة بأكثر من 005 بليون دولار كانت مرشحة للزيادة بإضطراد لولا ذيول تفجيرات نيويوركوواشنطن والقيود الأميركية والمخاوف العربية، هذا عدا عن الاعتماد الأميركي الكبير على النفط العربي على رغم حملات كيري المستندة على معلومات مضللة ومغلوطة. وفي انتظار حملة الإيضاح العربية المدعمة بالوثائق والأرقام والوقائع وهي سهلة ومتاحة لو تعامل العرب بجدية واهتمام بخطورة المرحلة أترك الحديث عن الخطر الحقيقي الداهم على المصالح الأميركية لشهادات قيادات أميركية أسهمت في تأسيس الولاياتالمتحدة ووضع دستورها من دون أن نتغاضى عن الصحوة الجديدة التي نشهد بعض صورها في مقالات ودراسات لسياسيين وديبلوماسيين أميركيين وفي مواقف علنية صارخة عبر عنها بعض أعضاء الكونغرس ورجال الإعلام. فأول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن، اتهم اليهود بأنهم"يعملون ضدنا على نحو يلحق بنا ضرراً يفوق ضرر جيوش الأعداء، انهم أكثر خطورة على حرياتنا من الأعداء بمئة مرة، وعلى القضية العظمى التي نعمل في سبيلها... انهم العدو الأكبر الذي يهدد رفاه أميركا وسعادة شعبها". أما الرئيس الثالث توماس جيفرسون فقد تحدث عن استحالة انخراطهم في المجتمع الأميركي وعملهم لمصلحته لأنهم"لا يزالون يشكلون أمة واحدة غريبة عن الأرض التي يسكنون فيها". وهناك شهادات أخرى لرؤساء وشخصيات ووزراء على امتداد تاريخ الولاياتالمتحدة منذ اعلان استقلالها عام 6671 حتى يومنا هذا إلا أن أهمها وأكثرها وضوحاً في الرؤية المستقبلية أعلنها أحد مؤسسي الاستقلال السياسي الشهير بنيامين فرانكين في المؤتمر الدستوري الذي عقد في فيلادلفيا في عام 9871 وقال فيها بالحرف الواحد بعد أن وصفهم"بمصاصي الدماء"والخطر الذي يهدد الأمة: إذا لم يمنعوا يقصد الصهاينة من الدخول الى الولاياتالمتحدة بموجب الدستور خلال مدة تقل عن مئة عام فإنهم سيتدفقون بأعداد كبيرة على هذه البلاد ليتمكنوا من حكمنا وتدميرنا وتغيير النظام في بلادنا... فإذا لم يمنعوا خلال المئتي سنة المقبلة فإن أطفالنا وأولادنا سيصبحون أجراء في الحقول يقومون بإطعامهم بينما هم يقضون أوقاتهم يراجعون الحسابات ويفركون أيديهم سروراً... إنني أحذركم أيها السادة ان لم تفعلوا ذلك فإن أطفاكم وأحفادكم سيلعنونكم في قبوركم...". هذه بعض الشهادات المعبرة أضم اليها كتاب بول فندلي النائب الأميركي السابق"من يجرؤ على الكلام"الذي فضح فيه أساليب اللوبي الصهيوني وسيطرته المتعاظمة على مرافق الولاياتالمتحدة ومؤسساتها أتركها برسم الرئيس الفائز وبيد دافع الضرائب الأميركي الذي أرهقت جيوبه وهددت رفاهيته نتيجة لتقديم مئات المليارات من الدولارات كهبات ومساعدات لإسرائيل منذ قيامها عام 8491. ولو أضفنا الى كل هذا ما تكبدته الولاياتالمتحدة من خسائر وأعباء مالية وبشرية نتيجة سياساتها الخاطئة في المنطقة وانحيازها لإسرائيل لتأكدنا ان مصدر التهديد الحقيقي لمصالح الولاياتالمتحدة هو اسرائيل وليس العرب، ولكن المهم هو أن يدرك الشعب الأميركي ورئيسه العتيد هذه الحقائق ويتراجع عن هذا الخطأ الجسيم وينتهج سياسة متوازنة نعرف انها لن تكون يوماً الى جانب العرب والفلسطينيين. فكل ما نطالب به هو العدالة وتطبيق قوانين الشرعية الدولية والكف عن سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير. ومع تضاؤل الأمل بهذا التغيير لأننا نعرف أن أهل الحل والربط في الولاياتالمتحدة يعرفون هذه الحقائق ولكنهم لا يجرأون على الاعتراف بها فإننا نتمنى على القيادات العربية أن تبدأ تحركاً جدياً لجس نبض سيد البيت الأبيض للسنوات المقبلة ومحاولة اعادة القضايا العربية الى المكتب البيضاوي... ومنه الى مكاتب أهل القرار في العالم... وسلفاً نقول: علينا أن لا ننتظر المعجزات أو حتى المتغيرات ما دام العرب يغطون في نوم عميق... وهم قانعون بالمهانة والإهمال والتهميش. * كاتب وصحافي عربي.