العنف ضد المرأة آفة مستفحلة في المجتمع البريطاني أيضاً، ما دفع منظمة "العفو" الدولية الى القول ان الوضع "يقف عند حدود الازمة". الاحصاءات البريطانية تفيد التالي: امرأة من بين أربع نساء تتعرض للعنف في مرحلة ما من مراحل حياتها، وامرأة من بين تسع نساء تتعرض الآن للعنف، وامرأة على الاقل تقتل أسبوعياً على يد الزوج او الشريك. كما ان العنف المنزلي يشكل ما نسبته 25 في المئة من الجرائم، وهي نسبة لا تعكس الحجم الحقيقي للعنف لان معظم الحالات لا تصل الى الشرطة. واللافت ان حالات العنف تزداد في فترة أعياد الميلاد، وفي 30 في المئة خلال فترة الحمل. هذه الحقائق مدعاة للصدمة والقلق، أولاً لأن وضع المرأة في بريطانيا والبلدان الاوروبية المتقدمة كان دوماً المثال والمقياس والمرجعية حال اي حديث عن وضع المرأة في العالم الثالث او العالم العربي، واذا كان وضع المرأة في بريطانيا على هذا النحو، فمعنى ذلك ان امام نساء العالم شوطاً طويلاً. وثانياً، لأن هذه الاحصاءات تثبت ان العنف ضد المرأة لا يعرف حدوداً جغرافية، بل هو ظاهرة عالمية عابرة للقارات لا تنتمي الى قومية او ثقافة معينة او اثنية واحدة او دين بعينه او طبقة اجتماعية. وتعريف العنف ضد المرأة كما جاء في اعلان الاممالمتحدة، هو: "أي فعل عنف مبني على اساس جنس الفرد ويؤدي الى، او من المرجح ان يؤدي الى اذى جسدي جنسي او جنسي نفسي او اي معاناة للمرأة، بما في ذلك التهديد او الاكراه او الحرمان الاعتباطي من الحريات، سواء أكان ذلك في الحياة العامة ام الخاصة". وللعنف مستويان، فهو يراوح بين العنف الذي يطاول المرأة في اوقات الحروب والازمات، والعنف العائلي المنزلي والمحلي، وهذا الاخير له اشكاله المتعددة: فهناك العنف الجسدي الذي يشمل الضرب والاذى والتعذيب والتشويه والقتل. وهناك العنف النفسي الذي تخضع له المرأة بسبب التمييز الجنسي ونظرة المجتمع، وهو يؤدي الى هز ثقتها بنفسها من خلال تهديدها واهانتها واذلالها والتحرش بها وعزلها. وهناك ايضاً العنف الجنسي الذي يراوح بين التحرش والاغتصاب. كما ان هناك العنف المادي الذي يشمل كل ما يمكن ان يؤدي الى حرمان الزوجة، جزئياً او كلياً، من راتبها او ميراثها او حرمانها من العمل خارج المنزل، وبالتالي حرمانها من الاستقلال المادي. وهناك العنف الروحي الذي يشمل الاستخفاف بالمعتقدات الدينية او الثقافية للمرأة او حتى معاقبتها بسببها. الطبقة الفقيرة وفي العموم، فان المشكلة في بريطانيا تتعلق أساساً بالعنف المنزلي، اضافة الى حالات محدودة من العنف الذي سببه الاختلاف الثقافي، مثلما حدث عندما قتل أب كردي ابنته في لندن لانها كانت على علاقة مع رجل. ويقول الناشطون في هذا المجال ان العنف يزداد في الفئة الاكثر فقراً والاقل تعليماً من النساء، وقد يسهم في وقوعه التوتر والادمان على الكحول او المخدرات او الاكتئاب والبطالة لدى الرجل. وتقول المنظمات النسوية ان ما يحد من فاعلية مساعدة المرأة عاملين اساسيين، احدهما عدم ابلاغ المرأة عن الاعتداء بسبب اعتبارها المسألة شخصية او الخجل من اعلانها او الاحساس بالذنب او تدهور الثقة بالنفس او الحاجة الاقتصادية للرجل او الخوف على مستقبل الاولاد، او المناخ العام غير المتسامح ازاء المرأة التي تشتكي ضد زوجها او رفيقها. والثاني عدم قدرة الحكومات على توفير حل او حماية للنساء. وهذا لا يعني ان الحكومات الاوروبية عموماً والبريطانية تحديداً لا تهتم بهذه القضية او تتجنب الاعتراف بوجودها، فبعضها عمد فعلاً الى فرض عقوبات لردع الرجال، على رغم ان هذه العقوبات تبقى أقل بكثير من المتوقع او من خطورة الاعتداء نفسه. لكن صعوبة قضية العنف ضد المرأة تنبع من كونها نتيجة حتمية لعناصر متداخلة ومعقدة، منها ما له علاقة بتاريخ طويل من الهيمنة الذكورية في المجتمع وعلى المرأة، تارة باسم العادات والتقاليد، وتارة اخرى بفهم مغلوط للذكورية وما ينجم عن ذلك من سلوك عدواني ازاء المرأة، او من خلال تفسيرات مغلوطة للدين. كما ان الناشطين يعتبرون ان العنف ضد المرأة متجذر في التمييز وحرمانها من ممارسة حقوقها في الحرية على أساس من المساواة مع الرجل. ويقولون ان التمييز يغذي العنف. وتشهد أروقة المنظمات الدولية، مثل الاممالمتحدة والبرلمان الاوروبي ومجلس اوروبا ومنظمة "العفو"، حملة ناشطة لحماية المرأة من العنف، كما ان منظمات نسوية متعددة حول العالم بدأت بالتنسيق في ما بينها من اجل الافادة من خبراتها في مجال سن القوانين وتوفير الرعاية والحماية للنساء اللواتي يتعرضن للعنف. وتسعى هذه المنظمات من خلال الحملة تلو الاخرى الى استصدار قوانين صارمة ضد العنف على المرأة. لا تخرج الاستراتيجية البريطانية عن هذا الاطار في مواجهة مشكلة العنف، فهي تعتمد على شن حملة توعية محلية على اعتبار ان العنف جريمة جنائية يعاقب عليها القانون، اضافة الى توفير صندوق لمشاريع تساعد الضحية وتوفير خطوط اتصال للارشاد والمساعدة، واعتماد الاساليب التي ثبتت فاعليتها في مساعدة المرأة. وترفع المنظمات البريطانية الناشطة في هذا المجال شعارات تعكس ادبياتها، منها: "اكسروا الصمت" و"لا تسامح" و"العنف غير مقبول" و"العيش من دون خوف". وتخصص العشرات من هذه المنظمات مواقع لها على الانترنت وخطوطاً هاتفية لتلقي الاتصالات والشكاوى، من بينها "خط الاتصال القومي لمساعدة المرأة".