ربما أقر كثر بأن السينما غائبة في منطقة الخليج، على رغم حضور خجول لأفلام خليجية واعتبار دولها الممول الرئيس لمعظم الفضائيات العربية، في حين يغيب ممولو السينما المحلية في الخليج. لكن ظاهرة التحديات أمام المنشغلين في السينما من هذه الدول، صحية، طالما أن الجمهور لم يعتد على سينما محلية وبالتالي عدم اسهام الممولين والشركات الخاصة الذين اتجهوا الى الدراما التلفزيونية رغبة في ربح مضمون. إضافة الى مشكلات خصوصية هذه المجتمعات وانغلاقها على نفسها لفترة طويلة. غداً يعرض الفيلم السعودي "أنا والآخر" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، في مهرجان قرطاج السينمائي، بعد أن عرض يوم الثلثاء الماضي فيلم "زائر" للمخرج البحريني بسام الذوادي الذي يشغل منصب رئيس الدراما والأفلام التسجيلية في هيئة الإذاعة والتلفزيون في البحرين. وما يجمع بين هذين الفيلمين، ليس أن كليهما شُغلا على منظمومة الديجيتال فقط، بل ان صانعيهما من رواد صناعة السينما في بلديهما، بغض النظر عن قيمة الفيلمين الفنية، مع انهم حظيا بشهادات نقدية مشجعة. وفي الخليج عموماً، إذا استثنينا تجارب سينمائية لعبدالله المحيسن في السعودية وخليفة شاهين في البحرين وبخاصة تجربة خالد الصديق في الكويت وغيرهم، فإن مشاركتهما المكثفة في مهرجانات عربية وعالمية بدت واضحة للقاصي والداني ما سيساعد على لفت الأنظار اليهما أكثر وبالتالي توفير الدعم مستقبلاً. لا يرغمهم أحد ربما كان الذوادي أكثر حظاً حينما حظي بعرض فيلمه جماهيرياً في دور العرض في البحرين، قطر، الإمارات حالياً ومن ثم الكويت. لكن ما ساعده على ذلك، اسهام شركة "البحرين للسينما" في انتاج الفيلم ولعبها الدور الرئيس في تسويقه. في الوقت الذي لا تزال هيفاء تنتج افلامها من حسابها الخاص. ف"لا يستطيع أحد ارغام المنتجين والشركات التي تبحث عن الربح الدخول في مغامرة ترتفع فيها نسبة المخاطرة"، يقول الذوادي، ويضيف: "ربما ستكون فكرة عرض الأفلام المحلية في أوقات الذروة كموسم الصيف مثلاً، وإرجاء الأفلام الأجنبية الى أوقات اخرى كرمضان، الحل المناسب، كي يتأقلم المتلقي مع الأفلام المحلية ويستوعبها ويساعد باهتمامه في عملية نقدها وتطويرها". وإذا ما كان الأمر في البحرين أو سواها من دول الخليج يقف عند حد التمويل وأوقات العرض، ف"الأمر يختلف بالنسبة الى السعودية التي تنعدم فيها دور العرض"، تقول هيفاء المنصور، وتؤكد "حاجة المملكة الى انشاء بنية تحتية وأكاديميات قد تفتح أفقاً أوسع لهذا المجال". "الحاجز" الذي أنتجه الذوادي وأخرجه 1990 من تأليف أمين صالح وحوار علي الشرقاوي، يعتبر أول فيلم روائي بحريني. ويأتي فيلمه "زائر" ليشارك في قرطاج بعد 14 عاماً من عرض "الحاجز" في المهرجان نفسه. وتتلخص أحداث الفيلم في شخصية فاطمة، التي يتراءى لها شخص غامض قتل في 1981، ما سبب لها حال نفسية، وحثها على البحث عن سر هذه الشخصية. وفي الوقت الذي كانت اطروحة فيلمي الذوادي فكرية وفلسفية بعض الشيء مقارنة بما تقدم الأعمال الخليجية عموماً، جاءت أفلام هيفاء الثلاثة "من" و"الرحيل" و"أنا والآخر" أقرب الى الطرح الجريء الذي يلامس خصوصية المجتمع السعودي، فالمرأة هي "من" لعبت الدور الرئيس، في حين كان الحوار ومشكلة قبول الآخر أو إقصائه، المحركين الأهم في فيلمها "أنا والآخر". أسماء مهمة من دول الخليج الأخرى، تستحق الإشادة، المخرج الإماراتي نواف الجناحي، خالد الزدجالي من عمان، وسواهما كثر. وربما كانت الكويت أكثر دول الخليج حركة خصوصاً في الفترة المقبلة إذ يتردد انشغال بعض الشباب في انتاج أكثر من فيلم روائي وتسجيلي، تضاف الى أفلام أخرى. على أي حال، لعل خبر إقامة مهرجان دبي السينمائي في كانون الأول ديسمبر المقبل، وظهور مطالبات ملحة في مدن خليجية أخرى بإقامة مثل هذه المهرجانات، دليل الى ما تقدمه لجهود الفردية في صناعة مستقبل سينمائي خليجي.