لا زال الجدل قائماً في مصر حول ما سُمِّي ب «المال السياسي» أو تمويل المنظمات والجمعيات الأهلية وأحياناً الأحزاب السياسية لا سيما الناشئة بعد الثورة، وسط قلق من أن يؤثر الإنفاق المتزايد للأموال الخارجية على المشهد السياسي في هذا البلد الذي يستعد لأول انتخابات اشتراعية بعد الإطاحة بالنظام السابق. وكانت الحكومة المصرية تعهدت في وقت سابق باستصدار قانون ينظم تمويل المنظمات الأهلية. كما وعدت بكشف أسماء المنظمات التي تتلقى تمويلاً خارجياً بغير الطرق المشروعة، لكنها لم تفِ بتعهداتها حتى الآن. وقالت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي السيدة فايزة أبو النجا إن تمويل الجمعيات الأهلية غير المسجلة يثير علامة استفهام كبيرة بخاصة أنه خلال الأشهر الستة الأخيرة تم إنفاق قدر من الأموال يفوق ما تم إنفاقه على مدى السنوات الست الأخيرة، مشيرة إلى أنه لا بد لكل صاحب عقل أن يميز ما هو الغرض من ذلك. وشددت على أن توجيه التمويل السياسي للجمعيات الأهلية غير المسجلة، خصوصاً في المرحلة الحالية تحت ستار النشاط المدني ومتابعة الانتخابات أو ما شابه، لا يمكن قبوله، لأنه يضرب بعرض الحائط كل القوانين وكل سيادة الدولة، ولذلك فإن مصر لن تسمح بأي مساس بالسيادة المصرية أو الأمن القومي المصري أياً كان الطرف الذي تتعامل معه. وجاءت تصريحات أبو النجا على هامش مشاركتها أول من أمس في الاجتماع المشترك للبنك الدولي وصندوق النقد الدوليين في واشنطن، أشارت فيه إلى أن من يريد أن يعمل في مجال الجمعيات الأهلية فعليه أن يعمل وفقاً لقانون الجمعيات الأهلية الذي يحظر على الجمعيات المسجلة أن تمارس أي نشاط حزبي أو سياسي، وكل من يعمل في هذا المجال مخالف للقانون. وقالت الوزيرة إنه على ضوء عدم توقف مثل هذه الجمعيات عن هذا النشاط المخالف، فقد تم عرض الأمر على مجلس الوزراء، مضيفة أن لجنة تقصي حقائق شكلها وزير العدل قدمت تقريرها منذ أسبوعين وتمت إحالته إلى جهات التحقيق المصرية. وأوضحت أن هذا تقرير موثق بالكامل بأسماء من حصلوا على تمويل أجنبي من دون علم الحكومة المصرية بما يخالف القانون وينطوي على مساس بالأمن القومي المصري. وأوضحت الوزيرة إن المجتمع الأهلي في مصر نشط وعمره أكثر من 250 عاماً، ولديه رموز لنتاج العمل الأهلي مثل جامعة القاهرة ومستشفى المواساة الخيري في العجوزة. كما لفتت إلى أن وزارة التعاون الدولي لديها برامج رسمية مع الكثير من دول العالم لتمويل نحو 30 ألف منظمة غير حكومية تعمل في الكثير من المجالات بحرفية عالية وتصل إلى أعماق المجتمع في الريف والقرى. وشددت أبو النجا على أن من يؤمن بقضايا المجتمع الأهلي يدرك أن التمويل لا بد أن يكون أهلياً، مؤكدة إيمان مصر بقضية العمل الأهلي والتمويل الأجنبي الذي يستهدف تحقيق أهداف تنموية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتمكين المرأة والتعليم. وأكدت الوزيرة اعتراضها الشديد على التمويل الأجنبي السياسي الذي تمنعه جميع دول العالم، لأنه يخلق بلبلة لا داعي لها ويضع الإمكانات في يد قلة ربما لا تمثل المصريين. وأشارت إلى أن قانون الجمعيات الأهلية يتيح لها أن تتلقى تمويلاً أجنبياً شرط أن تعلن عنه وتبلغ عنه وزارة التضامن والعدالة الاجتماعية وتحدد أهدافه بحيث تكون هناك متابعة، لافتة إلى أنه لا يمكن أن تسير الأمور من دون ضوابط. وأوضحت الوزيرة أن مصر لا تقبل أن يكون بها تمويل لجمعيات غير مسجلة سواء كانت مصرية أو غير مصرية، لافتة إلى أنه لا يوجد أحد يقدم تمويلاً سياسياً من دون هدف، ومن يصر على تقديم التمويل السياسي في الخفاء في المرحلة الحالية فإنه يثير علامات استفهام، ومن يتلقى في مصر تمويلاً من دون علم الحكومة لا بد أن يسأل نفسه وضميره سبب تقديم الجهة الأجنبية هذا التمويل له، خصوصاً أن كل هذه الأطراف تمنع منعاً باتاً في بلادها أن تحصل أي جهة محلية على تمويل أجنبي سياسي، سواء لانتخابات أو لأحزاب بعينها.