القرار - الانذار الذي وجهه مجلس ادارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لايران حتى 25 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، حبس الانفاس في طهران وجعل ايران الرسمية والشعبية تعيش حالاً من العد العكسي. فهذا القرار هدد ايران بنقل ملفها النووي الى مجلس الأمن ما لم توقف كل انشطتها النووية ومما يعني بالنسبة الى ايران ان الولاياتالمتحدة ستحاول استخدام المنظمة الدولية لتصعيد لهجة التهديد بضربة عسكرية تحت غطاء دولي بعد خطوات متسارعة اقلها فرض عقوبات اقتصادية تضاف الى العقوبات التي تفرضها واشنطن حالياً في شكل أحادي، وهذا في حد ذاته يشكل استعادة للسيناريو الذي اتبعته الادارة الاميركية قبل حربها على العراق العام الماضي. غير ان خطورة قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو انه اتخذ بمشاركة دول سبق ان رفضت الحرب على العراق على غرار روسيا وفرنسا وألمانيا ونجحت في منع الولاياتالمتحدة من الحصول على غطاء دولي لهذه الحرب. لذا فإن مشاركة هذه الدول الآن في قرار منظمة الطاقة يجعل النسخة الايرانية للسيناريو الأميركي اقرب الى الاجماع الدولي من ذلك الذي حصل قبل ضرب العراق. وقد تلمست الادارة السياسية في طهران خطورة الموقف وعملت على خطين لمواجهته، الاول ديبلوماسي والثاني عسكري. ففي الخط الاول، اطلقت ايران حملة ديبلوماسية واسعة مستفيدة من عقد الدورة ال59 للجمعية العامة للامم المتحدة من اجل توضيح موقفها، وهو يتمثل بأن الجمهورية الاسلامية لا تريد، ولا تسعى الى امتلاك اسلحة نووية وذرية بل انها تحاول استخدام الطاقة الذرية لاهداف سلمية وهي ذريعة ترفضها واشنطن وتنظر اليها على انها تضليل للرأي العام، علماً ان طهران اعطت كل التطمينات لذلك، اذ سمحت العام الماضي لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها النووية والعسكرية من دون انذار مسبق. كما وصل الأمر هذا العام الى اصدار مرشد الجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي فتوى تحرم امتلاك بلاده أسلحة نووية، ناهيك عن تصريحات المسؤولين الايرانيين على مختلف المستويات والتي تؤكد ان طهران تسعى فقط الى امتلاك التكنولوجيا النووية لأهداف سلمية ومدنية هي توليد الطاقة. اما في الخط الثاني فقد استعرضت ايران صواريخ شهاب-3 التي يقال ان مداها يصل الى اكثر من 1800 كيلومتر، وأعلنت انها سلمت قواتها العسكرية هذه الصواريخ بعدما انهت بنجاح التجارب عليها في العام الماضي. كما كثفت اتصالاتها بالهند من اجل شراء منظومة رادارات "فليدرماوس" المتطورة لحماية منشآتها النووية. وقد يبلغ حجم الصفقة نحو 70 مليون دولار. وفي هذا الاطار ايضاً كررت ايران تهديدها لاسرائيل اذا ما شاركت باي عمل عسكري ضدها فإن عليها ان تنسى وجود مفاعل ديمونة النووي في جنوب صحراء النقب، كما لم تتوان عن تهديد القوات الاميركية في كل اماكن وجودها المجاور لايران في منطقة الخليج. ان كل اجواء المواجهة الديبلوماسية التي تقوم بها ايران في اروقة الاممالمتحدة وكل التصريحات والتصريحات المضادة من هنا وهناك ليست بعيدة من الشارع الايراني. فنادراً ما يلتقي ايراني بزائر غريب الا ويكون سؤاله الاول: هل تعتقد بأن ايران ستتلقى ضربة عسكرية من الولاياتالمتحدة او من اسرائيل؟ وهل في امكانها تفادي الضربة او الرد عليها إذا ما حصلت؟ وبطبيعة الحال فإن هذه الاسئلة هي اول ما يمكن لصحافي ان يسأله لمسؤول ايراني، وهنا يجيب احد المسؤولين: "ان طهران لا تستخف بالتهديدات الاميركية لكننا نعتقد بأن ضربة كهذه تتطلب خطوات كثيرة قبل ان تحصل، اولها فرض عقوبات اقتصادية دولية بقرار من مجلس الأمن، وهي عقوبات تتضرر منها الدول الاوروبية اكثر مما تتضرر ايران لأن ايران سوق استهلاكية واستثمارية كبيرة للكثير من الدول الاوروبية، خصوصاً ألمانياوروسيا وفرنسا. واذا كانت هذه الدول قد وافقت على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية فهذا لا يعني انها ستوافق بالضرورة على قرارات صارمة على ايران تحرمها هي من مداخيل تقدر ببلايين الدولارات". ويعتبر المسؤول الايراني "ان مشاركة هذه الدول في قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان له بعده الايجابي لجهة امتصاص الهجمة الأميركية الشرسة على ايران، وأعطى طهران فترة زمنية تقارب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية ستجرى في الثاني من تشرين الثاني ما يشل ادارة واشنطن عن اتخاذ قرارات قد تحمل مخاطر التأثير في نتائج الانتخابات. ويرى المسؤول الايراني "ان الوضع المعقد الذي يواجهه الرئيس جورج بوش في العراق والفوضى العارمة التي تعيشها المنطقة بسبب الحرب هناك تحول دون خوضه مغامرة عسكرية عشية الانتخابات الرئاسية في بلاده التي يواجه فيها مأزق دفاعه المهتز عن مغامرته في العراق". ويضيف: "ان نجاح جورج بوش بولاية رئاسية ثانية سيرجح بنسبة كبيرة حصول الضربة العسكرية لايران. اما وصول جون كيري فإنه يلغي احتمالات هذه الضربة او على الأقل يؤجل حصولها لفترة زمنية اكبر كي يتمكن الرئيس الجديد من الامساك بكامل الملفات الحساسة". وهنا يبرز السؤال الآخر عن قدرة ايران على الرد وما هي الاهداف المحتملة للرد؟ فيجيب المسؤول الايراني: "ان الرد يعتمد على من يقوم بالضربة: اسرائيل ام الولاياتالمتحدة، وعلى حجم هذه الضربة، ولنا لكل احتمال الرد المناسب. فالقوات الاميركية موجودة في كل محيط ايران البحري والبري وكل مركز لهذه القوات هو هدف محتمل لنا اذا ما بادروا بضرب سيادتنا، كما ان لنا ردنا المناسب على اسرائيل الذي سيفاجئها وسيفاجئ العالم". ويتوقف المسؤول الايراني عن الاجابة عندما يسأل عما اذا كانت القاعدة الاميركية في منطقة السيلية في قطر هدفاً محتملاً، قائلاً: "ان شعبنا لن يسمح بانتهاك حرمة ارضه واجوائه من اي كان، وله مشروعية الرد على كل مكان فيه وجود عسكري اميركي وتطاوله ايدينا". ويضيف: "ان المعركة التي نشهدها الآن ليست معركة انشاء مفاعل نووي او عدم انشائه، إنها معركة ضد نظام الجمهورية الاسلامية برمته، فهناك ملفات مطالبة ايران بغض النظر عنها واذا فعلت فسيكون مرحباً بها في نادي الدول النووية، ومن هذه الملفات: العراقي والفلسطيني واللبناني، اضافة الى محاربة الارهاب. ودليلنا على ذلك لماذا سمحت الولاياتالمتحدةلباكستان بأن تصبح دولة نووية مثلاً؟ كلنا يعرف الجواب. ببساطة لأن باكستان تجاوبت مع كل المطالب الاميركية، اما نحن فإننا لن نفعل الا ما يمليه علينا ديننا ومواقفنا المبدئية من كل الامور والقضايا المطروحة في المنطقة وسندافع عن حقنا بامتلاك التكنولوجيا النووية". ويرى المسؤول الايراني "ان الاجماع الدولي ضد ايران الآن له مسبباته وفقاً لكل دولة، فروسيا ستكون فائدتها اكثر لو اشترينا منها اليورانيوم المخصب واعدنا اليها النفايات الناجمة عن استخدامه على حسابنا، وكندا تريد ان تنتقم لوفاة الصحافية الكندية من اصل ايراني زهرة كاظمي التي قتلت تحت التعذيب في سجن ايفين في العام الماضي، واذا نظرت الى الامر بدقة فإنك سترى ان المطلوب هو ان تكون ايران ضيفاً في نادي الدول النووية وليست عضواً اصيلاً". وتنعكس اجواء هذه المواجهة الديبلوماسية حتى الآن في الشارع الايراني بحال من القلق والخوف على المستقبل يعبر عنه في النقاشات من دون ان تكون له اي مفاعيل على الارض حتى الآن، اذ تقول صاحبة صيدلية اول ما تعرف ان محدثها ليس ايرانياً "ما رأيك؟ هل احوّل اموالي الى دولار قبل ان تنهار قيمة الريال ومتى تتوقع الضربة العسكرية لنا؟". فيما يقول احد المثقفين: "ان ضربة عسكرية لايران قد تشعل منطقة الخليج. فباستطاعة الولاياتالمتحدة ان تشعل الحرب لكن اطفاءها لن يكون في يد واشنطن. وأكبر دليل الى ذلك ان العراق الذي تبلغ مساحته ربع مساحة ايران وعدد سكانه يقارب ثلث عدد سكان ايران وقدراته العسكرية لا تقارن بقدرات ايران لا يزال يقاوم الاحتلال الاميركي بعد مرور اكثر من عام على سيطرة القوات الاميركية عليه، فكيف سيكون وضع الأميركيين في وضع عراقي متفجر ووضع ايراني متفجر؟ من يستطيع في الادارة الاميركية ان يتحمل قرار الحرب في هكذا اوضاع ومن من دول العالم سيشارك في هكذا قرار؟". لا شك في ان ضربة عسكرية لايران كائناً ما يكون مصدرها لن تنتهي بمجرد غارة صاروخية او جوّية على عدد من المنشآت العسكرية والحيوية والنووية، بل ان الرد الايراني سيحول هذه الضربة الى حرب استنزاف ضد القوات الاميركية في الكثير من الاماكن الساخنة، وليس العراق سوى احد هذه الميادين. لكن على رغم معرفة الادارة الاميركية بذلك فإن المحافظين الجدد في الادارة الاميركية عودوا الرأي العام على القرارات الاحادية التي تتناسب وقراءتهم لمصلحة بلادهم بمعزل عن الاثمان والضحايا والنتائج، وهذه حرب العراق شاهد على ذلك. فهل تكون ايران ثاني دول "محور الشر" التي ستضربها واشنطن؟