الحق ان الفن الحقيقي، البعيد عن التميُّع، والخالي من شوائب التقليد الأعمى او الانحطاط الأرعن، بريء من أولئك المشعوذين الدجالين الذين هبطوا بالفن الى الدرك الاسفل، وجعلوا كثيراً من الناس يهبطون معهم، ويرون رأيهم في نتاجٍ، اقل ما يقال فيه انه منافٍ للذوق السليم، ومغاير لأصول الفن وقواعده المتينة الراسخة. مع فيوليت ابو الجلد، في كتابها "حياد النوم"، نرانا امام شعر حر، بل شعر نثري واصيل في آنٍ واحد. شعرها ترجمان عاطفتها المتدفقة، تتوخى فيه الوضوح والانسجام والقوة في التعبير عن خلجات صدرها، ونبضات قلبها، واتجاه افكارها. وعندي ان التخلي عن شعر الذات انتحار. ان نكتب شعراً يعني ان نكتشف ما يجري في اعماق حياتنا النفسية. في شعر فيوليت ترانا بعيدين عن العبارات الرخوة المهلهلة الغامضة، او حتى المندرجة في اطار ما يُحكى من لهجات جد محلية. انه شعر حقيقي، متسم بطابع الجزالة والاشراف، رافل بحلل السلاسة والابداع، ممتاز بمتانة الحبك والسبك وروعة الصور الفكرية. الوزن والقافية شكلان اساسيان من اشكال التعبير. الغليان الداخلي وحده يحدد مسار الشعر. الشعر النثري فيه من الجرأة ما يضمن له النجاح في المستقبل اذا ما قُرنت بشيء من الحكمة، والذائقة الادبية السليمة المبنية على اللغة والموسيقى وزن - قافية وخيال ... ونستلهم ما قاله روحانيو الشرق المسيحي اذ قالوا: ان الخطيئة هي عدم الاحساس. هكذا باتت حالتنا في كل شيء: عدم الاحساس اي اللاشعور واللاشعر وما اليهما. اذكر ان اندره جيد قال منذ خمسين عاماً في سينما روكسي بيروت: "ان الاقلية تخلّص العالم". هذه الأقلية - ومنها الشعراء أمثال فيوليت التي تعدنا بغلالٍ أوفر وأوفر - يختارها الله من أي جهة يشاء. لبنان - د. جهاد نعمان