كشف المرشح الديموقراطي للرئاسة الاميركية جون كيري، في 6 آب اغسطس الماضي، خطته للطاقة التي ترتكز على خفض اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط المستورد وتطوير بدائله واتخاذ اجراءات لخفض السعر النفطي. وانتقد كيري منافسه الجمهوري الرئيس جورج بوش بقوله ان الادارة الاميركية لم تفعل شيئاً لخفض الأسعار بل ان سياستها الخارجية ساهمت في ارتفاعها بما يراوح بين 8 و15 دولار، وان الرئيس الاميركي لم يخفض اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط الأجنبي. وبرنامج كيري مماثل للتصريحات التي صدرت عن بوش في الماضي القريب متعهداً العمل للاعتماد على نفوط مناطق خارج الشرق الأوسط، وتندرج في خانة الوعود غير الواقعية. فنفط الشرق الأوسط سيبقى لعقود مقبلة مصدراً أساسياً لاستهلاك دول منظمة التعاون الاقتصادي أي الدول الغربية الأساسية. ومنذ سنة 2003 شهدت أسواق النفط العالمية تحولاً كبيراً في نمو الطلب في آسيا وخصوصاً في الصين، وقد فاجأت وتيرة هذا النمو الجميع وفي مقدمهم"اوبك"وخبراؤها الذين كانوا يتخوفون من تراجع الطلب وتعمدوا الحذر في سياستهم خوفاً من هبوط الأسعار. والآن، بعدما فاقت أسعار النفط 50 دولاراً للبرميل، وقد تصل الى 58 دولاراً للبرميل، حسب خبير نفطي متعامل في الأسواق، هناك تخوف لدى منتجي النفط المتعقلين من تأثير ارتفاع الأسعار على الطلب. ويقول أحد الخبراء على سبيل المثال انه يستبعد ان يغيّر المواطن في اميركا وهي السوق النفطية القياسية للمصدرين نمط حياته وعمله ليقتصد في استهلاك البنزين، لكنه قد يحاول التوفير في مجال التدفئة، اذ انه يحتاج دفعة واحدة لشراء 2000 ليتر من زيوت التدفئة لملء خزانه. وعندما ترتفع كلفة ملء الخزان أكثر من ثلاثة أضعاف لما كانت عليه فإنه سيلجأ الى الاقتصاد. تشكل عائدات النفط المرتفعة مكسباً للدول المنتجة الفقيرة منها والغنية. فدولة مثل الجزائر ستحصل هذه السنة على نحو 30 بليون دولار، قد تتمكن من استخدامها في مشاريع تنمية وتطوير يحتاجها الشعب الجزائري، والمرجو ان يتم ذلك، وايضاً دولة نفطية مثل ايران. كل الدول النفطية، على تفاوت احتياجاتها، ستستفيد بشكل كبير من هذه العائدات اذا استثمرت بالفعل لخدمة شعوبها. لكن ينبغي ألا يغيب عن أذهان المنتجين ان السعر المرتفع يشجع على تطوير بدائل على المدى الطويل، وعلى خفض الطلب على النفط. لذا ينبغي ان تخصص الدول النفطية جزءاً من عائداتها لاستثمارات سريعة هدفها تطوير وزيادة القدرات الانتاجية لخفض مستوى السعر. فالارتفاع غير الطبيعي لسعر النفط اليوم، يجعل أي انقطاع سريع في أي مصدر نفطي سرعان ما ينعكس على مستوى الاسعار، ويدفعها للارتفاع. فما ان اعلن عمال بحر الشمال في النروج اضرابهم حتى قفز السعر الى 54 دولاراً للبرميل. كذلك الاضرابات في نيجيريا والتدهور الأمني والتخريب في القطاع النفطي العراقي وأعمال الارهاب التي تستهدف الدول النفطية، كلها عناصر تعزز التخوف من حدوث انقطاع في الامدادات. اضافة الى ذلك، هناك سوق المضاربة النشطة في تداول الأوراق المالية، التي تساهم في تصعيد المخاوف، علماً بأن المضاربين ما كانوا لينجحوا بذلك، لو ان القدرات الانتاجية متوافرة بالمستوى المطلوب. ولهذا لا بد للدول المنتجة من ان تخصص جزءاً من عائداتها لتطوير طاقاتها وتغطية عجز موازناتها. وتدرك ذلك دول عدة في"اوبك"، لذا فهي تعمل بعيداً عن الضغوط لتطوير طاقاتها. فالمملكة العربية السعودية، مثلاً، وهي أكبر المنتجين في"أوبك"طورت حقولاً نفطية جديدة بشكل سريع وبفعل خبرة شركتها"ارامكو"والعاملين فيها. والمسؤولون السعوديون السياسيون والنفطيون مدركون للتحديات المستقبلية وواعين لضرر سعر النفط المرتفع. ولا شك ان المملكة تعمل على تطوير قدراتها الانتاجية تمشياً مع نهجها المستمر في تأمين استقرار السوق العالمية. وأياً كانت نتائج انتخابات الرئاسة الاميركية سيبقى نفط الشرق الأوسط أساسياً.