مرة أخرى أكتب عن العنصرية واللاسامية، على رغم شعوري بأنني كتبت مثل هذا المقال من قبل، وعذري ان الموضوع قائم ومستمر وبحاجة الى معالجة. اللاسامية ضد اليهود، والعنصرية ضد كل شعب آخر، والتعريف العام واحد، فاللاسامي أو العنصري يكره اليهود أو أي شعب آخر، دونما سبب غير انهم يهود أو من ذلك الشعب. لا أحتاج هنا أن أدين العنصرية أو اللاسامية، فهذا "تحصيل حاصل"، وأهم من ذلك عرض الموضوع، والتفكير في وسائل ناجعة للرد على العنصريين واللاساميين، ومنع أفكارهم من الانتشار. الفرنسي جان كريستوف روفان، وهو انساني معروف كان نائب رئيس أطباء بلا حدود، يقترح تأسيس لجنة رسمية لمراقبة العنصرية واللاسامية في فرنسا، كما يقترح سن قوانين لمعاقبة العنصريين واللاساميين، لأن القوانين الموجودة لا تكفي، وقانون الصحافة وضع أصلاً سنة 1881 لحماية حرية الكلام، وهو لا يصلح لمجابهة الذين يخرجون على حدوده العامة. هذا جميل ومطلوب، وروفان يلاحظ أن "العداء للصهيونية يكسب الكفاح المسلح الفلسطيني شرعية حتى عندما يستهدف مدنيين أبرياء. وهكذا فهو يعطي شرعية بالتالي لأعمال العنف التي ترتكب في فرنسا". لا اعتراض لي على هذا الكلام، ولكن مجرد ملاحظتين، الأولى ان نصف اعمال العنف العنصرية في فرنسا كان مسرحه كورسيكا الصغيرة، وكان ضد مهاجرين من شمال افريقيا، والثانية ان اعمال العنف العنصري واللاسامي في فرنسا وغيرها لا يمكن أن تعزل عن ممارسات حكومة شارون ضد الفلسطينيين، فوحشية الاحتلال تزيد اللاسامية، وكل حديث غير ذلك خرافة مؤذية، لأن تجاوز الأسباب أو تجاهلها يعني استمرار المشكلة وربما تفاقمها. أشدد على أن ربطي مظاهر اللاسامية بالعنف ضد الفلسطينيين الذي نرى مشاهد منه على التلفزيون صباح مساء، ونقرأ عنه في الصحف، لا يعني أبداً موافقة أو تبريراً لأي لا سامية من أي نوع وفي أي مكان. وفي فرنسا بالذات حيث يوجد 600 ألف يهودي، هم أكبر مجموعة يهودية في غرب أوروبا، وخمسة ملايين مسلم، هناك مشكلة حقيقية يجب أن تعالج. وتقارير الشرطة الفرنسية تقول انه في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة شهدت فرنسا 123 حادثاً عنصرياً و294 تهديداً عنصرياً، و166 حادثاً لا سامياً و584 تهديداً لا سامياً. وكان الرئيس شيراك ناشد المواطنين الفرنسيين الشهر الماضي ابداء تسامح عرقي وديني، وحذر من ان العنصرية واللاسامية تنتشران في فرنسا في شكل بشع مخيف. روفان يحذر في تقرير وقع في 50 صفحة من أن اتهامات العنصرية والفصل العنصري Apartheid والنازية ضد اسرائيل قد تؤدي الى وضع يهود فرنسا في خطر. آرييل شارون هو الذي وضع يهود فرنسا في خطر ليهاجروا الى اسرائيل كما دعاهم. غير ان الاعتراض على التهم الموجهة الى اسرائيل أثاره أيضاً بنجامين بوغروند، وهو اسرائيلي من أصل جنوب أفريقي يترأس مركز ياكار للاهتمامات الاجتماعية في القدس. بوغروند رفض في مقال اتهام اسرائيل بالفصل العنصري، وكنت سأمضي معه لو انه قال ان التهمة قامت واشتدت وانتشرت نتيجة لسياسات حكومة شارون ضد الفلسطينيين، وأنا أدعوه ان يعود الى مراجعه بعد 1993، وسيجد ان هذه التهمة لم تسمع، أو هي ترددت على لسان لا ساميين محترفين ضمن نطاق ضيق. بل انها بقيت محصورة عندما تسلم إيهود باراك الحكومة سنة 1999، ولم تنتشر بالشكل الذي يعترض عليه أنصار اسرائيل الا بعد تسلم آرييل شارون الحكم، والتصعيد في جرائم حكومته ضد الفلسطينيين. والواقع ان الاعتداءات على اليهود في فرنسا، من تدنيس مقابر أو اتلاف ممتلكات، أو رمي قنابل حارقة على كنس، زادت بالتوازي حتى التماثل مع زيادة الاجراءات العسكرية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين. مع ذلك كل جرائم حكومة شارون لا تبرر عنصرية أو لا سامية، وأنا أحاول هنا الفهم أو التفسير، لا التبرير، فليس من المنطق أن نقف عند الاعتداءات اللاسامية، ولا نربطها بشارون ولا نحمله مسؤوليتها، فإدانة الاعتداءات وحدها لا تمنع تكرارها. العربي، أو المسلم، في فرنسا أو غيرها يرى قتل 140 فلسطينياً في اسبوعين، غالبيتهم مدنيون، وبينهم ثلاثون طفلاً أو أربعون، ويفقد أعصابه، ويعتبر ان كل يهودي حوله شريك لشارون في جرائمه، مع ان هذا غير صحيح البتة، فغالبية الاسرائيليين واليهود تريد السلام، وبعض أفضل المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في اسرائيل وحول العالم هم من اليهود. ولكن هذا يتجاوز فهم شاب نصف متعلم، من فئات اجتماعية فقيرة ومحاصرة، ويرتكب الخطأ. لجنة مراقبة حقوق الانسان في نيويورك دانت هدم البيوت في رفح، وقالت انه انتهاك لحقوق الانسان الفلسطيني بغض النظر عن الأسباب. وهي أصدرت أخيراً تقريراً في 135 صفحة يفصل الاعتداءات الاسرائيلية في القطاع كله، خصوصاً حول رفح حيث تريد سلطات الاحتلال ايجاد منطقة عازلة عريضة بحجة منع تهريب السلاح من مصر. هناك تهريب ولا جدال، غير ان علاجه لا يكون بتدمير البيوت وترك ألوف السكان في العراء، وإنما بانهاء الاحتلال، فهو سبب المقاومة، سببها الوحيد، وهو عار على كل اسرائيلي يؤيده. وشارون يريد الانسحاب من قطاع غزة، ولكن مساعده دوف فايسغلاس قال ان الهدف احباط "خريطة الطريق" وما تضم من قيام دولة فلسطينية، وليس ان مجرم الحرب شارون قرر طلب السلام. مهما يكن السبب فمشروع شارون اطلق بعض أكثر المواقف تطرفاً وعنصرية من حاخامات المستوطنين، مع تهديد باغتيال شارون، وهذه المواقف تصل أيضاً الى العنصريين في الخارج ويجدون فيها عذراً اضافياً للاساميتهم المضادة. أكمل غداً بجانب اميركي للموضوع، فهناك رأس البلاء، وأسوأ اعداء الفلسطينيين والاسرائيليين في رأيي هم "الأميركيون" الذين يؤيدون اسرائيل أخطأت أو أصابت.