لم اتعود الكتابة عن فعالية قمت بتنظيمها ولا عن منجزي الشخصي ولا الرد على من يسيء الي ولكنني هذه المرة وجدتني مضطرة الى ذلك لأسباب عدة اولها ضخامة الحدث الثقافي وثانيها ان عدم الانصاف والموضوعية قد بدر من زميل اعتز به هو الشاعر عبده وازن، وكنت اهمل اساءات الآخرين من قبل ولا اعاملهم معاملة الادباء والكتاب الذين هم ادنى منها بكثير، ولكي لا استبق الامور رأيت ان اروي الحكاية كلها وفقاً لسياقها الذي جرت فيه. بعيداً من بعض الارباك الذي اتسم به برنامج الثقافة العربية في فرانكفورت، اقامت مؤسسة "ديوان الشرق الغرب" التي اديرها في المانيا يومين: الاول كان يوم العراق بعدما اعتذرت وزارة الثقافة العراقية عن المشاركة الرسمية بسبب الظروف التي يعيشها العراق، والثاني كان يوم اليمن، هذا البلد الذي دعم اولى خطوات الحوار الثقافي العربي - الالماني عام 2000 من خلال مهرجان شعر للناطقين باللغة الالمانية وشعراء العالم العربي. حفل يوم العراق بمشاركة كتاب وفنانين عاش معظمهم الحروب، وحضرت الثقافة العراقية بأهم مكوناتها العربية والكردية، وهذا ما جعل اليوم مميزاً بتنوع ابداعات المساهمين فيه وكذلك الحوار الساخن الذي اعقب القراءات، وفيه كرمت مؤسسة "ديوان" الفنان العراقي الرائد خليل شوقي بتقليده وسام "ديوان" للإبداع الثقافي. اما في يوم اليمن فقد حول حضور الكاتب الكبير غونتر غراس نوبل 1999 هذا النشاط الى قمة للفاعليات المشتركة بين العرب والالمان. وهذا ما اكدته الشخصيات الثقافية والسياسية والاعلامية الالمانية في المعرض حيث طارد الصحافيون غراس بعد ان قدم قراءة شعرية مشتركة معي في جناح قناة ARTE الفرنسية وفي جناح "ديوان"، الذي أجريت فيه مراسم منح غراس وسام "ديوان" للإبداع الثقافي. وتحدث غراس للجمهور الالماني عن الحضارة العربية وعن روحها المتسامحة التي لا تحب العنف خلافاً لما هو مطروح في السوق الاعلامية الغربية، خصوصاً بعد احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر، وقال: "انني اشعر بشرف كبير وأنتم تمنحوني هذه الهدية ولن اسميها الوسام، فالثقافة العربية ساهمت في إرساء الملامح الاولى لفن الحكاية والقصص و"ألف ليلة وليلة" خير دليل على ما اقول، ثم جئنا بعد ذلك نحن لنرسم الشكل الحديث لفن الرواية الاوروبية، واليوم اريد ان يعرف الجميع ممن يريدون ان يتعرفوا على العالم العربي حقاً، ان يسافروا الى اليمن. فعلى رغم امكاناته المادية المحدودة الا ان اليمنيين الذين هم جزء من العالم العربي غمرونا بالسخاء اللامتناهي حينما زرنا اليمن مرتين". أحدثت زيارة غراس لجناح "ديوان" وقراءته معي ردود فعل متباينة كبيرة، ففي حين عدها الاعلام الالماني نجاحاً للثقافة العربية، فقد ثار اكبر الاحزاب العربية حزب اعداء النجاح ضدها وبطريقتهم الفحولية الرثة في فهم الاشياء. وللأمانة اقول انني دعوت غراس لزيارة جناح "ديوان" لكنه هو الذي دعاني للقراءة معه بعد ان قرأ ديواني الصادر حديثاً بالألمانية وأثنى عليه وبعد ان ظهرت مقالات عنه في الصحف الالمانية الرئيسة، ولا أدري لماذا يفقد غراس من رصانته اذا قرأ معي وكأنني قادمة من كوكب آخر ولست ابنة هذه الثقافة العربية التي عملت سنوات طويلة على التعريف بها لدى الألمان. ولعل اكثر ما اثار استغرابي ان يكتب الشاعر عبده وازن في جريدة "الحياة" كلاماً لا يمت الى الموضوعية او الى الزمالة الابداعية بصلة، وكنت أحسب ان قراءة غراس مع اي اديب عربي هي اشادة بالثقافة العربية كلها. ولكن يبدو ان بعضنا يتوهم انه هو وحده الثقافة العربية وان قراءة غراس معه فقط تعني اشادة بالثقافة العربية. اما اذا قرأ غراس مع غيره من المبدعين العرب فتلك اساءة الى الثقافة العربية والى غراس، فكيف اذا كان هذا امرأة؟ عندها ستنقلب الامور كلها من دون مراعاة اي قيمة ابداعية او اخلاقية حتى. ثم اذا كانت قراءة غراس معي اساءت الى رصانته فهل يعني ذلك ان المقالات التي تتناول تجربتي والتي نشرتها "الحياة" في الصفحة التي يشرف عليها الزميل وازن اساءت الى رصانة "الحياة"؟