دخل السباق الى البيت الابيض المرحلة الاخيرة. ولم يبق سوى اقل من اسبوعين على الاقتراع الذي سيحسم الخيار بين المرشح الجمهوري وقائد الحرب الاميركية - البريطانية في العراق جورج بوش والمرشح الديموقراطي جون كيري الداعي الى مشاركة دولية للولايات المتحدة في تحمل مسؤولية المرحلة المقبلة في بلاد ما بين النهرين. الاستطلاعات بعد المناظرة الاخيرة بين المرشحين والتي تركزت على العمل والبطالة والضرائب والضمان الصحي، اي القضايا الداخلية التي تهم المواطن الاميركي مباشرة، اظهرت ان الفارق ضئيل بين المتسابقين، بعدما سجل كيري تقدما ملحوظا بعد المناظرة الاولى التي ركزت على الحرب في العراق وعلى الارهاب. واذا كان المرشح الديموقراطي اعتمد الهجوم في موضوع السياسة الخارجية ليبدو اكثر اقناعا، يكمن رصيد المرشح الجمهوري في كونه من يستطيع قيادة الحرب ويحقق فيها النتائج المرجوة. وهو يحتاج الى مثل هذه النتائج في مسرح العمليات في العراق، بعدما اعتبر ان الانتخابات الافغانية هي ثمرة مباشرة لحرب"ه"على افغانستان واسقاط"ه"حركة"طالبان". وهو قادر على التأثير في مثل هذه النتائج، كونه في مركز القرار، خصوصاً أن أركان إدارته اعتبرت ان الانتخابات الافغانية نموذج لما يمكن ان تكون عليه الانتخابات العراقية المقررة في مطلع السنة المقبلة. ففي الأيام ال41 المقبلة الفاصلة عن الانتخابات الاميركية، وفي غضون سعي الحكومة العراقية الموقتة الى اجراء الانتخابات في موعدها، سيختلط الاستحقاقان. إذ أن أي إعلان تقدم في الحرب على الارهاب في العراق سيكون محاولة لتحسين فرص بوش في اعادة انتخابه، وأي انتكاسة في هذا المجال ستحول الى رصيد خصمه في صناديق الاقتراع. وكان اياد علاوي أوحى باحتمال مثل هذا التوظيف الانتخابي للحرب في العراق، من خلال مداخلاته اخيرا في نيويورك وواشنطن، اذ بدا واضحا انه يميل الى تزكية سياسة الرئيس الحالي تجاه العراق، وانه يفضل الاستمرار فيها، أي يفضل ان يبقى بوش رئيسا كي يضمن مثل هذه الاستمرار. لذلك، من المشروع التساؤل عن الهدف من إشعال جبهة الفلوجة الآن وبهذه الحدة وتحديد مطلب تسلم"الزرقاوي"من سكان المدينة، وعن الاسباب التي ادت الى انهيار المفاوضات مع ممثلي المدينة. ولا يعني هذا التساؤل التشكيك في حق الحكومة العراقية في اتخاذ الاجراءات الملائمة لمكافحة الارهاب، لكن التركيز الحالي على الفلوجة والتهديد باستخدام القوة واللجوء اليها يعني ان المهم اشعال الجبهة، خصوصاً في ظل التخبط السياسي والتصريحات المتناقضة والاتهامات في كل اتجاه الصادرة من المنطقة الخضراء في شأن المجموعات المسلحة داخل العراق وارتباطاتها الخارجية. يبدو من كل ذلك ان مشروع الانتخابات العراقية في مطلع السنة بات يخضع، خلال الايام الفاصلة عن الاقتراع الرئاسي الاميركي على اقل تقدير، الى اعتبارات تتجاوز المشروع الوطني العراقي. وإلا ما معنى ان تختصر كل التحديات والمشكلات امام اطلاق العملية السياسية في البلاد بشخص الزرقاوي ومجموعة من المسلحين تأتمر بأوامره. ان اعمال مثل هذه المجموعات تفوق الخيال في دمويتها ووحشيتها، مما يدعو الى تكثيف البحث عن هؤلاء، بكل الوسائل الممكنة، واعتقالهم ومحاكمتهم، لكنه لا يبرر في اي حال مطابقة وضعهم مع منطقة بأسرها، واختزال المشكلة في ان الزرقاوي موجود فيها. إذا كان بوش في امس الحاجة الى تقديم رأس ارهابي كبير الى الناخبين عشية الاقتراع، وما دامت السمكة الكبيرة، اي بن لادن، مقطوعة اخبارها، يستعاض عنها بالهدف السهل، اي الفلوجة حيث يعتبر ان الزرقاوي يستخدمها قاعدة انطلاق لاعماله الارهابية. لكن هذا الاستسهال سيؤدي الى ضرب المشروع الوطني العراقي الذي ينبغي ان يقوم بالضرورة على استعادة جميع العراقيين، بمن فيهم اهل الفلوجة وجوارها، الى العملية السياسية. إلا اذا كان ثمة اعتبار ان نتائج الانتخابات الاميركية اهم من السعي الجدي الى توسيع المشروع الوطني العراقي.