تعيش دمشق هاجس محاولة الانقلاب السياسي الكبير عليها في لبنان، وتبرر بهذا الهاجس رد فعلها العنيف ضد بعض الفرقاء، وتعتبر ان رد الفعل هذا هو"هجوم استباقي"على تلك المحاولة. لكنها في المقابل تبرر هذا الهاجس بالأسئلة والشكوك اكثر مما تبرره بالوقائع. او انها تصوغ ترتيباً للوقائع يخدم هاجسها ويغذيه. ويبدو ان هذا الهاجس يكبر مثل كرة الثلج. فكلما ازدادت ردود الفعل على رد فعلها الذي تبرره بأن ثمة انقلاباً عليها في لبنان، احتاجت الى اضفاء الشرعية على عنف خطواتها ضد هذا"الانقلاب"، الى حد تصبح معه اسيرة هذا الهاجس، وتداعياته المحسوبة وغير المحسوبة التي قد تصل الى نتائج كارثية. تربط دمشق ترتيب الانقلاب بفرنسا وبتجاوب قوى محلية معها: البطريرك الماروني نصر الله صفير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. بل هي تتهم الثاني بأنه ربط معارضته خيارها التمديد للرئيس اميل لحود بلحظة التوافق الأميركي - الفرنسي في الضغط عليها في لبنان. ولأن لا إثباتات على هذا الربط التآمري تكتفي دمشق بطرح الأسئلة: لماذا عارض جنبلاط التمديد بعد ان قال قبل اشهر انه قد يوافق عليه إذا رأت سورية ان الظرف الإقليمي يفرضه؟ ولماذا اخذ يحتج على مداخلات الأمن السوري في الوضع الداخلي بعد ان كان يقبل بها وأحياناً لمصلحته هو؟ الخ... في الواقع، ان هاجس الانقلاب يتفادى خطأ التمديد للرئيس اميل لحود ثلاث سنوات جديدة وهو يريح المتوجسين من رؤية آثاره في دور سورية في لبنان. فالقول انه اصبح وراءنا لا يلغي مفاعيله الداخلية، التي لولاها لم تنصح دمشق لحود نفسه بالدعوة الى المصالحة ومد اليد وتغيير النهج والذهنية. ان نظرية الانقلاب المتهمة قوى محلية بالمشاركة فيه تضع علامات استفهام حول اسباب كيل المدائح من سورية وحلفائها للبطريرك صفير بعد موقفه الرافض للسياسة الأميركية منذ حرب العراق، وحول تصنيف كبار المسؤولين السوريين لجنبلاط ب"الحليف الاستراتيجي"منذ ثمانينات القرن الفائت. وهذه الوقائع وحدها كافية لنفي مؤامرة الانقلاب، في وقت يكمن جوهر معارضة المعارضين للتمديد في كونه تمديداً لسياسة تكريس سلطة قامت على سلسلة من"الانقلابات المتتابعة"لأنها استخدمت الوسائل الأمنية في اللعبة السياسية الداخلية، ولا تزال تفعل. هذا في وقت لم يكن هدف بعض معارضي التمديد للحود، إلا السعي الى التمديد للدور السوري في لبنان في مواجهة الضغوط الدولية عبر التجديد لسياسة دمشق في لبنان وفي طريقة إدارة شؤونه. ومع ذلك فإن"هاجس الانقلاب"يسهل على اصحابه تحديد الخصوم الأضعف لإثبات القوة في وجه الأمواج الخارجية، فتتم دعوتهم الى منازلة لا يريدونها، ولا قبل لهم بها لا من زاوية الحجم ولا من زاوية المبدأ، كفرقاء محليين. وهذا يعني خوض منازلة في غير موقعها. ان الحجة نفسها التي تقول ان التمديد للحود ليس سبب القرار الرقم 9551، هي التي تنفي نظرية اشتراك قوى محلية بعضها من حلفاء دمشق، في الانقلاب المتوجس منه عليها في لبنان. فهل تحتاج القوى الدولية الى هذه القوى المحلية المهيضة الجناح قياساً الى قوة دمشق في لبنان، من اجل إصدار القرار الدولي ام ان المشروع الأميركي يستهدف دمشق قبل ان تقف هذه القوى ضد التمديد للحود؟