قالت أوساط سياسية مواكبة للمشاورات المفتوحة الجارية بين الرؤساء الثلاثة حول تشكيل الحكومة الجديدة، ان هناك إمكاناً للتغلّب على العقدة المتعلقة بتحديد عدد أعضائها شرط ان يأتي الحل متلازماً مع التفاهم على الوزراء وكيفية توزيع الحقائب، لأن التوصل الى اتفاق في هذا الخصوص يعبّد الطريق أمام حكومة من 24 عضواً. وأكدت ان رئيس الجمهورية اميل لحود أبلغ رئيس الحكومة رفيق الحريري انه لا يمانع تشكيلة من 24 عضواً لكن عليه ان يتفاهم مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يطالب بحكومة موسعة من 30 عضواً تتمثل فيها الاحزاب وتؤمن الحد الأدنى من الوفاق الوطني في ظل اعتذار "اللقاء النيابي الديموقراطي" بزعامة وليد جنبلاط و"لقاء قرنة شهوان" المعارض عن عدم الاشتراك فيها. واعتبرت الاوساط ان موقف لحود، وإن كان هدفه حل العقدة القائمة حول العدد، فإنه في المقابل يحيل المشكلة على الحريري ويترك له تدبير أمره بنفسه، مؤكدة ان ليس هناك من يتبرّع مجاناً لتجاوز مثل هذه العقدة ما لم يكن على بيّنة من الخطوة اللاحقة المتعلقة بالتوزير وبتوزيع الحقائب. ولاحظت ان الحريري بدأ أخيراً يتعاطى بمرونة مع تمثيل الاحزاب "لأن هناك من يحاول تحريضها عليه، أو ان يستغل رفضه اشراكها في الحكومة لتكون فور تأليفها بمثابة رأس حربة معارضة". وإذ أكدت انه "كان للحريري تجربة غير ناجحة في تعامل معظم الاحزاب معه في الحكومة الحالية"، رأت ان بعض خصومه "يسعون منذ الآن الى توظيف عدم حماسته لتوزير الحزبيين في اطار رغبته بمكافأة جنبلاط بالمعنى السلبي عبر "معاقبته" للأحزاب". ولفتت أوساط معارضة للحريري الى ان جنبلاط هو الذي استبعد الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديموقراطي عن الاشتراك في الحكومة، وبالتالي لا يجوز استثناء الآخرين ترضية له، خصوصاً في ضوء الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد والذي يترجم لبنانياً بقيام حكومة مواجهة. إلا ان مصادر مقرّبة من الحريري قالت ان لا مواقف مسبقة عنده من الاحزاب لكنها تسأل: ألا يحق له بهامش الاختيار فتسمي الاحزاب أكثر من مرشح ليختار هو المناسب منها؟ وأكدت الأوساط السياسية ان دمشق عند قرارها عدم التدخل، ونصحت بالتعاون مع الحريري ليس باعتباره المرشح الأوفر حظاً فحسب، بل للحاجة اليه في هذه الظروف، لكنها تركت للرؤساء الثلاثة وللمعنيين مباشرة التفاهم على تفاصيل التأليف إذ ان التجربة التي أفضى اليها تشكيل الحكومة الحالية التي نفض الجميع يديه منها ورمى بالمشكلة على سورية على رغم ان كثيرين استفادوا من مواقعهم الوزارية والحقوا الضرر بالحكومة. وأضافت، ان استمرار عدم التفاهم بين الرؤساء قد يستدعي تدخلاً من دمشق لا تريده لا سيما في حال استمرت المشكلة على حالها، معتبرة ان سورية مستعدة للعب دور غير مباشر من أجل تذليل بعض الاعتراضات لكنها ليست في وارد النيابة عن الآخرين. وأكدت ان دمشق لا ترى حتى إشعار آخر اي بديل عن الحريري الا في حال اقتربت الامور من حافة الهاوية، وقالت ان الأمر سيتغير في ضوء وجود معطيات تستبعد التعاون معه، وعندها لن يجد بعض الاطراف المعنية من صعوبة في مبادرة الاخير الى الاستقالة رغبة منه في عدم تأزيم الوضع في ظل الظروف الصعبة، وهو كان صارح كبار المسؤولين بموقفه. وسيجد بعض الأطراف بحسب أوساط متابعة أكانت رسمية أم سياسية مناوئة لعودة الحريري وتسعى على الدوام الى استبعاده، بأنها ليست في حاجة لدفعه الى الاعتذار طالما ان قراره عدم إرباك سورية في لبنان، وبالتالي يمكنها الالتفات الى الرئيس عمر كرامي أو غيره كبديل. كما ان الحريري، نقلاً عن الاوساط ذاتها، يرفض بأن تسمى الحكومة الجديدة على اسمه، او اسم غيره، وانه يريدها ان تكون لكل لبنان وان تشعر دمشق بارتياح لوجودها، لكنه على استعداد لاعفاء من يهمهم عدم عودته من القيام بأي جهد للإطاحة به خصوصاً لجهة ما أخذ يشيعه البعض من انه سيجد نفسه، اذا استمرت الامور على حالها، أمام استقالة الأمر الواقع من خلال الايعاز الى سبعة وزراء بتقديم استقالاتهم بحيث يصبح عدد المستقيلين بعد ان يضاف اليهم المستقيلون الحاليون مروان حمادة، غازي العريضي، عبدالله فرحات، فارس بويز 11 وزيراً، وعندها تعتبر الحكومة بحسب الدستور مستقيلة لفقدانها ثلث عدد أعضائها. الا ان الحديث عن هذه الصيغة ليس في محله، لأن المشاورات لم تبلغ الطريق المسدود، وهو للتهويل اضافة الى ان دمشق في اجواء التشجيع على التفاهم على التركيبة الوزارية الجديدة.