واخيراً بعد ربع قرن اعيد فتح ملف تأسيس محكمة حسم منازعات الاستثمار بين الدول العربية ومواطني الدول العربية الاخرى. واثير موضوع المحكمة في مؤتمر التحكيم الذي عُقد في الرباط قبل فترة وجيزة. وها هي الجامعة العربية تنفض الغبارعن ملف اتفاق حسم منازعات الاسثتمار بين الدول العربية ومواطني الدول العربية الاخرى وهو مطابق للاتفاق الدولي الذي اسس مركز تحكيم واشنطن واصبحت تُحال اليه كل منازعات الاستثمار الدولية. وفي النزاع المطروح بين شركة سعودية والدولة التونسية، احيل النزاع الى تحكيم مركز القاهرة وصدر حكم ضد الدولة التونسية والنتيجة؟ ان الدولة التونسية اوعزت الى المحاكم بابطال الحكم التحكيمي، وهذا سبب يُضاف الى اسباب هرب التحكيمات من الدول العربية. وكان بالامكان على رغم ابطال الحكم في تونس تنفيذه في فرنسا لأن القانون الفرنسي لا يعترف بابطال الاحكام التحكيمية في بلد المنشأ لكن الطرف السعودي اختار محكمة حسم منازعات الاستثمار العربية. وهكذا فتح ملف محكمة حسم منازعات الاسثتمار العربية وجلس قضاة المحكمة. لكن ما هو هذا الاتفاق؟ مرتكزات التحكيم الدولي عندما حصلت ازمة النفط عام 1973 وارتفعت اسعاره، بدا للدول العربية المستثمرة فكرة تعريب اتفاق ال I.C.S.I.D.، بشكل"اتفاق على فض النزاعات ما بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية ومواطني البلاد العربية الاخرى". وهكذا تم الانتقال من اتفاق ذات اطار دولي الى"اتفاق"ذات اطار اقليمي. ووقع الاتفاق في شأن فض النزاعات المتعلقة بالاستثمار في 10/6/1974 كل من الاردن والسودان وسورية والعراق والكويت ومصر واليمن. وانضمت اليه لاحقاً ليبيا ودولة الامارات العربية. وصدقه مجلس الوحدة الاقتصادية، في اجتماعه المنعقد في كانون الاول ديسمبر عام 1974 ووضع موضع التنفيذ في 20/8/1976 . ان الاتفاق على حل النزاعات بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية ومواطني البلاد العربية الاخرى، مستقر في اتفاق ال I.C.S.I.D.، وهو يُشكل في الواقع تطبيقا لهذا الاتفاق ولمتطلبات الاستثمار العربي في شتى ميادينه. ويلتقي الاتفاقان في نقاط عدة، ولا يختلفان الا نادراً وعلى نقاط محددة. 1 - يقتضي ان يكون التحكيم مختلطاً ينص الاتفاقان على انه يقتضي ان يكون التحكيم مختلطاً، اي ان يكون بين شخص تابع للقانون العام من جهة، وشخص تابع للقانون الخاص من جهة ثانية. ويختلف الاتفاق العربي عن اتفاق I.C.S.I.D بانه يوجب ان يكون التحكيم بين دولة عربية ومواطن من مواطني دولة عربية اخرى. 2 - النزاعات المتعلقة بالاستثمارات لا يعطي اي من الاتفاقين تعريفاً دقيقاً لتعبير"استثمار". وهذا عائد بالطبع الى الصعوبة في تحديد هذا المفهوم الاقتصادي. الا ان اتفاق I.C.S.I.D. اضاف انه يفترض ان تكون الدولة التي ترتبط، في احد عقودها مع مستثمر اجنبي، تخضع للتحكيم النزاع القائم ما بينهما. ويرمي الاتفاق العربي الى حل اي نزاع قانوني ناشئ مباشرة عن استثمار، بهدف تأسيس مناخ ملائم يساعد على تشجيع تطور الاستثمارات العربية في البلاد العربية. 3 - استنفاذ طرق المراجعة ان لتطبيق اتفاق ال ICSID او الاتفاق ما بين الدول العربية لعام 1974 نتيجة، هي رفع يد المحاكم الداخلية عن النظر بموضوع النزاع. ويعتبر اتفاق ال ICSID وفقاً للمادة 26 التحكيم وسيلة مناسبة لفض النزاعات بين المستثمرين الاجانب والبلاد المضيفة، وانه ليس هناك اية صلاحية للمحاكم الداخلية، في ما خص فض هذه النزاعات، وعلى الاقل قبل مرحلة عرضها على التحكيم. ويجوز للدولة المتعاقدة ان تطلب استنفاذ سبل حل النزاع المحلية الادارية او القضائية، كشرط لموافقتها على التحكيم، طبقا لهذا الاتفاق. ولحظ الاتفاق بين الدول العربية هذه القاعدة في المادة الثانية من دون ان يشير الى اي استثناء يعطي للدول المتعاقدة الحق في تعليق قبولها للتحكيم بالزامية ان تكون جميع وسائل المراجعة الداخلية قد استنفذت. 4 - المستثمر ان الاتفاقين يفرضان على المستثمر ان يكون من رعايا دولة منتمية الى الاتفاق، غير الدولة التي تكون فريقاً في النزاع، وذلك لتجنب تحكيم ما بين الدولة وأحد رعاياها. استقلالية الشرط التحكيمي اقر الإتفاق بشكل غير مباشر استقلالية الشرط التحكيمي، اذ نص في المادة 15 على ما يأتي: أ - تفصل المحكمة في موضوع الدفع بعدم اختصاصها ويكون قرارها في ذلك قطعياً، وتنظر المحكمة في اي اعتراض او دفع يبديه احد الطرفين في هذا الخصوص، وتبت فيه قبل الدخول في الموضوع. ب - يجوز ابداء الدفع بعدم الإختصاص في اي مرحلة من مراحل الدعوى. آثار العقد التحكيمي ان لتطبيق اتفاق I.C.S.I.D. وفقاً للمادتين 19 و26 او الإتفاق بين البلدان العربية وفقاً للمادة الثانية نتيجة هي رفع يد المحاكم الداخلية عن صلاحياتها في ما يتعلق بالنظر بموضوع النزاع. هذا يعني انه في النزاعات المتعلقة بالإستثمار، والقائمة بين دولة عربية موقعة على الإتفاق وبين احد رعايا دولة عربية اخرى، فإن التحكيم هو الوسيلة الوحيدة من وسائل فض النزاعات التي يمكن تطبيقها. الاهلية لتوقيع العقد التحكيمي كما في اتفاق I.C.S.I.D. يقتضي ان يكون التحكيم مختلطاً، اي يجب ان يكون احد الفريقين شخصاً تابعاً للقانون العام والثاني شخصاً تابعاً للقانون الخاص. وبذلك يكون تم البت في قضية شغلت الإجتهاد والفقه، وهي قضية اهلية الدولة للجوء الى التحكيم. المواضيع القابلة للتحكيم الدولي ان الإتفاق العربي يرمي الى حل اي نزاع قانوني ناشئ عن استثمار، وهو لم يعط للبلاد العربية المتعاقدة حرية تحديد فئات النزاعات حول الإستثمار التي ترغب في اخضاعها للتحكيم وهو في هذا المستوى اكثر امتداداً وابعد مدى من اتفاق I.C.S.I.D.. المحكمون 1 - القائمة يُعد الأمين العام قائمة تتضمن اسماء المحكمين، على الا يعين من كل قطر اكثر من شخص واحد، وان يراعي في اختيارهم ضمان تمثيل مختلف النظم القانونية والإقتصادية السائدة في الوطن العربي. ولا يجوز بأي حال تعيين اي شخص في محكمة التحكيم من خارج هذه القائمة. واي تجاوز لهذه القاعدة يعرض الإجراءات للبطلان، بينما لا يفرض اتفاق ال ICSID مثل هذا اخيار، بل يترك للفرقاء حرية تعيين حكام اسماؤهم غير مدرجة على القائمة. 2 - تسمية المحكمين تُشكل محكمة التحكيم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسجيل الطلب، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. وتشكل المحكمة من عدد افرادي من المحكمين الذين يعينون حسب اتفاق الطرفين، فلكل طرف الحق في تعيين عضو، ويعين الرئيس بإتفاقهما معاً. واذا لم يتم تشكيل المحكمة بعد مضي المدة المحددة سابقاً، يقوم الأمين العام بتعيين المحكم او المحكمين الذين لم يتم تعيينهم بعد مشاورة الطرفين، ولا يجوز ان يكون المعينون بهذه الطريقة من مواطني الدولة الطرف في المنازعة ولم تنص هذه الاتفاقية على اجراءات رد المحكمين. الدعوى القانون المطبق لحل النزاع ان سلطان ارادة الفرقاء في ما يتعلق بالقانون المطبق على اساس النزاع ليس محدداً بطريقة صريحة في الاتفاق العربي وفقاً لما نصت عليه المادة 16 منها وهي تجعل من الانظمة المصدر الاول الذي يشير الى القانون المطبق. قانون اجراءات المحاكمة التحكيمية المطبق ان الوضع في الاتفاق العربي هو عكسه في اتفاق ال ICSID. ففيما يتعلق باجراءات المحاكمة فان اتفاق ال ICSID ينص على تطبيق نظام التحكيم المعمول به، تاركاً للاطراف امكانية الاتفاق على قواعد اجراءات اخرى. ويحيل الاتفاق العربي بشكل اساسي، في ما يتعلق بهذه النقطة، الى ارادة الاطراف. مكان التحكيم يرتبط هذا المكان بمركز البنك الدولي للانشاء والتعمير IBRD في واشنطن، في كل ما يتعلق باتفاق ال ICSID اما في ما يتعلق بالاتفاق ما بين الدول العربية حول الاستثمارات فان مكان التحكيم ليس محدداً. الا انه، انطلاقا من دور مجلس الوحدة الاقتصادية العربي وامينه العام الذي يُحدد مكان المجلس في اطار"الاتفاق"فان مكان التحكيم هو بالتالي مركز مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الذي كان اصلاً في القاهرة ونقل بعد ذلك الى عمان، بعد نقل مركز الجامعة العربية من القاهرة. ب - قواعد الاثبات يجوز للمحكمة في اية مرحلة من مراحل الاجراءات ان تطلب الى الطرفين تقديم مستندات او ادلة اخرى، وان تعاين المكان المتصل بالنزاع وتجري ما تراه لازماً من التحقيقات اذا لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. ج - غياب احد الطرفين عند تخلف احد الطرفين عن الحضور، في اي مرحلة من مراحل الاجراءات من دون عذر مقبول، يجب ان يخطر بذلك، وان يعطي مهلة للحضور لا تتعدى عشرة ايام من تاريخ تبليغه واذا استمر في التخلف تتم محاكمته غيابياً ولا يعتبر ذلك تسليماً منه بادعاءات الطرف الآخر. د - اجراءات موقتة يجوز للمحكمة ان توصي بأي اجراءات موقتة يجب اتخاذها للمحافظة على حقوق اي من الطرفين، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. تعليل الحكم التحكيمي الدولي نص الاتفاق كذلك على ان الحكم يجب ان يتناول المسائل المطروحة كافة على المحكمة وان يكون مسبباً، اي معللاً. القواعد التي يجب ان يرسو عليها الحكم التحكيمي الدولي يعتبر انعقاد المحكمة قانونياً اذا كان ذلك بأغلبية ثلثي اعضائها وتصدر احكامها بالاكثرية مكتوباً وموقعاً من اعضائها وعند تساوي الاصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس والمعارض من دون رأيه على هامش الحكم. ويجب ان يتناول الحكم المسائل المطروحة على المحكمة وان يكون مسبباً. ولا يجوز للامانة العامة ان تنشر الحكم الا بموافقة طرفي النزاع. ايداع الحكم وتفسيره وتصحيحه 1 - الايداع يرسل الامين العام نسخة رسمية عن الحكم الى الطرفين خلال ثلاثة ايام من صدور قرار المحكمة، ويعتبر تاريخ ارسال هذه الصور هو تاريخ صدور الحكم. 2 - التصحيح والحكم الاضافي يجوز للمحكمة، بناء على طلب يقدمه احد الطرفين، خلال 45 يوماً من تاريخ صدور الحكم ان تقوم، بعد اخطار الطرف الآخر، بالفصل في اي مسألة اغفل الحكم الفصل فيها، وتصحيح اي خطأ مادي او حسابي او ما اشبه في الحكم، ويخطر به الطرفان بطريقة الاخطار نفسها للحكم ذاته. 3 - التفسير اذا نشأ اي نزاع بين الطرفين بالنسبة لمعنى الحكم يجوز لأي منهما ان يطلب التفسير، على ان يوجه الطلب الى الامين العام ويجوز للمحكمة ان توقف تنفيذ الحكم موقتاً اذا رأت ان الظروف تتطلب الفصل في الطلب. - تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي أ? - بالنسبة"للاتفاق"ما بين الدول العربية، فان تنفيذ القرارات التحكيمية يتم في الدول التي كانت طرفاً في النزاع او التي كان رعاياها فريقاً فيه. اما في اتفاق ICSID فان كل دولة متعاقدة تنفذ الحكم كما لو كان صادراً في اراضيها. ب ?- في اتفاق ICSID يصبح القرار التحكيمي قابلاً للتنفيذ، بمجرد ابراز نسخة عنه الى المحكمة المختصة، الا ان للمحاكم الوطنية الحق في اجراء الرقابة عليه كما في مراقبة الاحكام القضائية الوطنية. اما في الاتفاق ما بين الدول العربية فان اجراءات تنفيذ القرار التحكيمي تخضع للقوانين المتعلقة بالتنفيذ لدى الدولة التي يطلب التنفيذ لديها. ج - ان للقرار التحكيمي الصادر في اطار"الاتفاقين"طابعاً الزامياً ومبرماً بالنسبة نفسها التي يتمتع بها الحكم الصادر عن المراجع القضائية المحلية. بما في ذلك الحصانة ضد التنفيذ في هذه الدولة او في دولة اجنبية وفقاً لاتفاق الICSID . اما الاتفاق بين الدول العربية فانه لم يلحظ مثل ذلك التحفظ. فهل يعني هذا ان الدول العربية الموقعة تخلت عن حصانتها في ما يتعلق بالتنفيذ؟ ان مثل هذا التحفظ يقتضي الا يقود الى مثل هذا الاستنتاج المتطرف، خصوصاً ان التخلي عن الحصانة يناقض القوانين الداخلية والنظام العام، حتى لو تمثل ذلك في نص صريح. * محام دكتور في الحقوق.