لا يستر ظاهرُ الفوضى التي تضرب انحاء العراق كلها تقريباً منطقاً متماسكاً تتقاسم الجماعات المقاتلة اجزاءه، واللحمة بين اجزائه. فإذا كان "الائتلاف" او القوات المتعددة الجنسيات التي احتلت العراق وأسقطت صدام حسين وحكمه والحكومة الموقتة يسعيان في إشراك دول اخرى، في إشراف الأممالمتحدة على هذا القدر او ذاك، في استقرار العراق، ويريدان ابتداء اعمال الإعمار وجباية الموارد، وإنشاء هيئات وطنية تتولى تدريجاً إدارة المرافق، وكف الأيدي الخارجية عن تغذية الاضطراب واستعداء العراقيين بعضهم على بعض - فمن الجلي ان برنامج جماعات العنف، وأعمالها وعملياتها، تفند وتنقض، بنداً بنداً، مساعي "الائتلاف" والحكومة. فكان إسهام الدول والهيئات الأجنبية والدولية، ضلعت في التحالف ام لم تضلع، اقتصادياً إسهامها او ديبلوماسياً او إنسانياً او أمنياً وعسكرياً، في رأس مشاغل جماعات العنف واهتماماتها وأهدافها. فتصدت باكراً لتمثيل الأممالمتحدة في العراق - وهو كان خطوة راجحة على طريق اضطلاع هيئة المجتمع الدولي الأولى بالاستدراك على صفة الحرب الأميركية - البريطانية وإدراجها في سياق قانوني - وضربته ضربة قاسية صيف 2003. وأدت قسوة الضربة الى إخراج الهيئة الدولية، مادياً، من الأراضي العراقية. فاقتصرت رعايتها البعيدة على اقتراع مجلس الأمن على قرارات تنأى معظم الدول الدائمة العضوية في المجلس بنفسها عن تبعاتها حال اقتراعها عليها. عزل "النواة" الأميركية ونسقت جماعات العنف المحلية و"العالمية" ضرباتها. فأفلحت في إخراج دولة "كبيرة"، هي إسبانيا، من الائتلاف. وتضافرت على الإخراج هذا عملية 11 آذار مارس 2004 الضخمة والمدمرة بمدريد، ومراوغة الحكومة "الشعبية"، عشية الانتخابات العامة، وخداعها الرأي العام الإسباني، عمداً او انزلاقاً. وجر انسحاب القوة الإسبانية، وهي الركيزة الأوروبية الرابعة الى بريطانيا وإيطاليا وبولندا في الائتلاف، انسحاب دول ثانوية، خطفت الجماعات بعض رعاياها، وقايضت حريتهم بالانسحاب. وتولت اعمال الخطف والقتل والتنكيل، خصوصاً المصورة، مهمة عزل النواة الأميركية - البريطانية عن دوائر الحلفاء، وأنصاف الحلفاء، وحمل المترددين والممتنعين على البقاء على ترددهم وامتناعهم، وعلى إمعانهم فيهما. وأرادت جماعات الإرهاب من قتل العمال النيباليين، وخطف بعض اللبنانيين وقتل بعضهم الآخر، وخطف بعض الأردنيين والأتراك من السواقين والمصريين والإيرانيين وقتل بعضهم الآخر، ومن خطف الصحافيين الفرنسيين والناشطتين الإيطاليتين الى اليوم، المساواة بين وجوه الإسهام والضلوع في الحرب "الأميركية"، كلها، من غير استثناء وجه واحد منها من التجريم، ومن استحقاق القتل تالياً. فلا يشفع للمدني الساعي في رزقه، والغريب غربة تامة عن التواطؤ مع المتحاربين استئمانُه المفترض. ولا تشفع للمدنيين، المناصرين "العربَ" و"المسلمين" على "مقاتليهم" ولو أدى قتالهم الى رفع طالبان، او صدام حسين وبعثه، عن كاهل عامة المسلمين والعرب، إرادتُهم الحد من اضرار الحرب وإلزامَ القوات العسكرية التقيد بقوانين الحرب. فالنصرة والإرادة هاتان تستظلان حرباً "صليبية"، خُففت الصفة او أطلقت لا فرق. ولا متسع في التصدي لها للاعتبار الحقوقي الإنساني او الدولي. فهذا الاعتبار طارئ وهجين ودخيل، بحسب "الجبهة العالمية" ومقالاتها التي تستجيب منازع عميقة من جماهير المناصرين والموالين. وهو ينافي الوظيفة السحرية والصوفية التي تنيطها الجماعات "الإسلامية" و"القومية" بالقتل والعنف على أشكالهما المختلفة والمتفرقة. فإلى اضطلاعه بدور عملي وذرائعي مثل "معاقبة" حلفاء الولاياتالمتحدة الأوروبيين وإبعاد الحلفاء المحتملين من نواة "العدوان"، وإضعاف الأواصر بين الحلفاء هؤلاء، يضطلع الخطف والقتل "على الخط"، والبث "الحي" لمشاهدهما بدور "تطهيري" بارز. ففي مرآة هذه الأعمال تبدو "امريكا" سياسة وقوات وإدارة وإعلاماً، مرضاً ينشر الجراثيم. وتكافح الجماعات المقاتلة، المرض الأميركي هذا، وجراثيمه التي ينشرها ويبثها وتتوالد على خطاه، بدواء الإرهاب العازل. والوظيفة السحرية والتطهيرية للعنف، على اشكاله الزرقاوية نسبة الى "أبو مصعب" احمد الخلايلة والحزب اللهية من قبل والحماسية والجهادية، تترتب على حمل الأمركة، او المرض الذي يصيب العالم "الإسلامي"، على الوباء. ولكنها لا تنسي الجماعات المنظمة الوظائف السياسية، العملية و"العقلانية"، التي تؤديها اعمال الترويع. فتتولى بعض هذه الأعمال الحؤول بين الإدارة الوطنية الموقتة، وسندها قوات الائتلاف، وبين الاستقلال بنفسها، وبمرافقها ومواردها، عن السند الائتلافي، وهو اميركي اولاً. فتتعمد الجماعات "الزرقاوية" والصدامية نزف الموارد النفطية المحتملة. فتفجر انابيب النقل والجر، وتقصف مرفأ التحميل وبعض مراكبه الوسيطة. ومن المحال، والاضطراب الأمني يعم اجزاء متفرقة من الأراضي العراقية، ان تستوفي الإدارة المالية مورداً عادياً من مواردها. فلا يعقل استيفاء الرسوم او احتساب الضرائب، او حتى تداول السندات والصكوك والأسهم على نحو واسع. ويتضافر اعتراض شركات النقل، وسوّاقيها، وشركات المقاولات، وموظفيها، على عرقلة اعمال الإعمار. فعلى نحو ما تريد الجماعات عزل النواة الأميركية العسكرية، تسعى كذلك في عزل النواة السياسية والإدارية والاقتصادية العراقية، وفي خنقها، وقطع مواردها الداخلية. فتبقى النواة عالة على السند الأميركي. ويحقق هذا "عمالتها" واصطناعها - ويستحيل عليها توزيع عوائد إسقاط الديكتاتورية على العراقيين. فلا يبقى إلا غُرم هذا الإسقاط. ويعم الغرم الجماعات العراقية كلها، بمن فيها تلك التي كانت تقوم ببعض حاجتها بمنأى من تسلط العشيرة الحاكمة ووطأتها. وإنشاء المعازل الأهلية والعصبية في قلب المدن والأحياء والأرياف، وتقطيع اوصال السكن الواحد، وتمزيق العلاقات بين وحدات السكن، وتهديد مجاري الاتصال وأقنيته، تأتي هذه المهمات في رأس "برنامج" الجماعات الزرقاوية والصدامية الإرهابية. ولعل الأبنية الاجتماعية العراقية والموروثة من نصف قرن من التصديع والتحطيم المتعمدين، داع قوي من دواعي "اللبننة" الإرهابية هذه ومقاصدها. فنازع الجماعات العراقية، ذات الأصول العشائرية والقبلية الحية في قلب المدن على ما يظهره شيوع "السواني"، او الشرع العشائري، في صفوف المهاجرين الى المدن، بحسب دراسة عبدالرزاق الهلالي ثم ملاحظات علي الوردي و"فقه" محمد صادق الصدر اخيراً، هذا النازع إنما هو الى الشرذمة، والتحصن من الشراذم الأخرى، ومحاربة القوانين العامة والمشتركة التي تسنها الهيئات الوطنية، وتؤدي الى إضعاف الروابط الأهلية وعصبيتها. استدخال العصبيات ولا ريب في ان التسلط والإرهاب البعثيين والصداميين غذيا الشرذمة هذه، والشكوك الحاجزة بين الجماعات، والثارات. ويحصد اهل كركرك اليوم الزرع المسموم الذي زرعه التعريب والتهجير بين العرب والأكراد والتركمان، وزرعته الاتفاقات الكاذبة والمعاهدات الإقليمية المتعنتة والظالمة. ويحصد العراقيون كلهم تمييز البعث الجماعات العراقية بعضها من بعض، على رغم توحيدها في تحطيم نخبها المستقلة، وإضعاف مقومات اجتماعها على قواسم وطنية مشتركة بإزاء السلطة. فتستدخل الجماعات الإرهابية و"المقاوِمة" اليوم هذه الشراذم، وتتخذ منها، ومن ملاجئها وعصبياتها وكهوفها الأهلية واسكنية، ملاذات تحتمي بها من التوحيد الأميركي والوطني معاً. والحق ان الاحتماء بالملاذات الأهلية والصعبية بإزاء التوحيد السياسي والأمني، كان القائم به اميركياً او "قومياً" او "إسلامياً"، لازم على الدوام أطوار الحياة والعلاقات السياسية والاجتماعية العربية. وهو، اي الاحتماء، في صلب النهج السياسي الاستقلال و"التحرير". فاحتمت المنظمات الفلسطينية المسلحة، في الأردن، ب"الأهالي" والأقارب والأنسباء، وجهدت في إخراجهم من الولاء الأردني. واحتمت هي نفسها، بلبنان، بالمخيمات، اولاً، ثم بجماعات المسلمين اللبنانيين، وأخرجت الجماعات هذه على الهيئات السياسية والإدارية والأمنية المشتركة. وأرست المنازعات داخل الجماعات - بين "الأعيان" والوجهاء وبين اهل الضعف من "ذوي الدخل المحدود" والفئات التي لم تبلور بعد تمثيلاً سياسياً مناسباً او قيماً اجتماعية ملائمة - أرستها على "الوطنية" والعروبة والتقدم، نظير "الانعزال" والعصبية المحلية والمحافظة. ولا تصنع السياسة السورية، اليوم، باللبنانيين شيئاً آخر، فتحتمي بصنائعها "96 نائباً"، على قول فاروق الشرع الى "الشبكة اللبنانية للإرسال" - "الحياة" في 26 ايلول/ سبتمبر. فيحق للمنظمات والجماعات المسلحة، على ما ترى، التحصن بمساكن المدنيين والمستشفيات وسيارات الإسعاف ومحطات الكهرباء وخزانات المياه - ومثل هذا جرى بعمان وجرش وبيروت وطرابلس ويجري بغزة ونابلس وجنين -، والقصف او الرمي والقنص منها. وعلى خلاف تصور عقلاء الناس وعامتهم، تستدرج الجماعات المسلحة القصف على نفسها، على نحو ما تعمّد صدام حسين طوال نيف وعقد ضرب الحصار الدولي على العراق، و"صَرَف" الحصارَ هذا وفيات اطفال ورضع يحصون بالآلاف، ومرضى يتلوون على أسرّة مستشفيات من غير ادوية، وتظاهرات تنديد مصورة. ولا تفعل "حماس"، بصواريخها المزلزلة، غير هذا. ولعل الخطة التي اختطها احمد الخلايلة "الزرقاوي" في رسالته الى "شيوخه"، العبارة الجلية والواضحة عن تقنية حرب التحرير "الإسلامية". فالغاية من هذه الحرب، وهي حروب على عدد الجماعات التي تخوضها وتعول عليها، هي نشر الاضطراب والفوضى، وتقطيع اوصال البلد والمجتمع والمرافق على نحو تستحيل معه على قوة "العدو"، "القريب" او "البعيد"، مباشرة او بالواسطة، إدارة الدولة. ويستحيل عليه الخروج من "الرمال المتحركة"، والتخفف من مسؤوليته عن هذه الإدارة، والزعم تالياً انه "أنجز المهمة". وهي نظرية المستنقع، او الوحل. وكان لبنان واللبنانيون التمثيل الأسبق والأقوى على النظرية مع افغانستان تحت الاحتلال السوفياتي في 1979 - 1988. ويعود الى السياستين السورية والفلسطينية "فضل" ابتدائها المحلي. وهي تمت واكتملت عن يد السياسة الإيرانية الخمينية. وتقضي النظرية هذه بإطلاق قوى الانتقام والسطو والغصب والابتزاز من عقالها، وتسليطها من غير رقيب ولا حسيب على دوائر الحياة الاجتماعية من غير استثناء. وكان صدام حسين مهد الطريق في الشطر الأخير من عهده، لفك العقال الذي يعقل العلاقات الاجتماعية. وإحدى ركائز المستنقع خنق محاولة إنشاء إدارة وطنية ومحلية في المهد وبالقوة. واغتيال الإداريين والفنيين والخبراء والعلماء والمدرسين والقضاة في مرافق الدولة كلها، من الرتب العليا والدنيا، عامل راجح من عوامل هدم الدولة، والحؤول بينها وبين النهوض بأعباء الشؤون الحيوية والمشتركة، وهي الأبنية التحتية للدولة الفاعلة والآمنة. وخصُّ قوات الحرس الوطني الناشئة، ومراكز ومكاتب التطوع والتدريب العائلة إليها، بالسيارات المفخخة والانتحارية قرينة على المكانة العالية التي توليها جماعات القتل هذا المرفق. فهذه المرافق، مجتمعة، إذا قدر لها ان تبلغ اشدها وتتمتع بعود صلب تستغني به عن مساندة القوات الأجنبية الظاهرة والمباشرة، حجبت دور هذه القوات، ومهدت لانكفائها، وربما لانسحابها. ويفوِّت انسحابها، إذا لم يفاقم الفوضى، على الجماعات المقاتلة الذريعة الأولى والأقوى لقتالها، وهي "الإثخان" على قول احد قادة "الجماعة المسلحة" الجزائرية في العدو. وشرط الإثخان هو استبقاء العدو بأرض المعركة والحرب، وقطع الطريق على انسحابه وجلائه ويندرج في هذا الضرب من السياسة تلويح الساسة السوريين وأنصارهم اللبنانيين بترتب عواقب وخيمة لبنانية محلية وإقليمية، على خطة ايهود باراك، رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، الانسحاب من لبنان في 1999، والتذرع بالعواقب هذه الى استبقاء الاحتلال الإسرائيلي. "الهبوط" من فوق ومن خارج ويضطلع بقاء العدو على الأراضي الوطنية بدور لا غنى للجماعات المقاتلة عنه، هو دور التعبئة على العدو، وجر الجماعات المترددة والمحجمة، والمتعللة بعلل كثيرة تعود الى تاريخها القريب والبعيد وإلى روابطها ومصالحها وحساباتها، الى قتاله. ويسّر اضطرار قوات الائتلاف الى إطفاء بؤر القتال والتخريب والاغتيال والخروج، بالقوة ومن غير قدرة على عزل المقاتلين المستدخلين الجماعات الأهلية طوعاً او كرهاً، يسّر الأمر جر الجماعات هذه الى "جبهة" مشتركة تناهض قوات الائتلاف وتقاتلها ما قدرت وطاقت. وانتقال الجماعات الشيعية الموالية لمقتدى الصدر من موقف الترقب والانتظار الى موقف الاستدراج والقتال، مثال على فاعلية هذا النهج. وهو حل، على الأرجح، محل نهج الحرب المذهبية والأهلية من غير ان يلغيه وينفيه، أو يرفع سيفه عن العراقيين. فإذا قيدت هدنةٌ عسيرة القتالَ، وسع جماعات الاقتتال والإرهاب إحياءه وبعثه من طريق قوة قليلة ومتنقلة تتولى إطلاق النار على دورية من هنا، او اغتيال سبعين شخصاً مرة واحدة، على ما جرى حين دخول جموع الناس النجف غداة عودة "شيخ" المدينة، علي السيستاني، الى منزله ومدرسته، وخروج "جيش المهدي" المزعوم منها. ومثل هذا يتكرر في احياء "مدينة الصدر" وزواريبها، ولا قيد عليه لا من الأهالي ولا من الشرطة والحرس الوطني. ولا ريب في ان تخفي المقاتلين، وكثرة جماعاتهم، وسرعة تنقلهم، والجهل بمصادرهم، عامل قوي في إنجاز مهمتهم الأولى، اي تصديع عرى الاجتماع المدني والسياسي العراقي الوطني. فخلاف هذه الأمور يلزمهم بالتحفظ عن الاسترسال في القتل والتدمير، ويرتب على بعضهم التنصل من بعض، الخ. وعلى هذا، ادى ويؤدي قدوم جماعات القتل والإرهاب الأولى من خارج العراق دوراً عظيماً في انفجار القتال، وفي تجدده ودوامه. و"الهبوط" من فوق، ومن خارج، من طريق حدود اقليمية منخورة ومعرضة "للانزياح" على قول اردني في سياسة حدود شقيقة، وانعطافها الى عصبياتها وروابطها. ويمدهم بقواعد وخطوط خلفية تتولى تجديد التمويل بالرجال والمال والمشورة، وتحول بين جماعات المقاتلين وبين الشعور بالعزلة. فالحدود الإقليمية المشرّعة حاجة من حاجات حرب "الإسلاميين" الحيوية والأساسية. والحدود المشروعة هي الشرط الأول في تحول الحرب من حرب وطنية - على المثال الأفغاني في طوره الأول، وهو انتهى بجلاء القوات السوفياتية - الى حرب "إسلاميين"، على المثال الأفغاني في طوره الطالباني والباكستاني و"العربي". والانحراف عن الحرب الوطنية، قوى ونهجاً وغايات، يفترض التحرر من قيودها وضوابطها السياسية، ومنها القيد او الضابط الإقليمي الجغرافي والأهلي. ويغذي التسلل كثرة الجماعات وفوضاها، على قدر ما يغذي انفلات عنفها من العقال الذي تعقله به الروابط المحلية والأهلية. ويسع البلدان التي ترعى التسلل او تغض الطرف عنه، خصوصاً إذا كانت اجهزتها الأمنية والعسكرية موزعة الولاء وضعيفة المركزية على ما هي حالها في غير بلد من بلدان جوار العراق، احتواء سياسات مناوئة اخرى، اقليمية او دولية، بواسطة الجماعات المتسللة. واللبننة من طريق المنظمات الفلسطينية وأجهزة الأمن الإقليمية والسياسة السورية المعلنة والأفغنة من طريق الاتحاد السوفياتي وإيران وباكستان صيغتان من صيغ "توطين" بلدان الجوار القريب سياساتها في بلد خسر دولته، ومعها مُسكته السياسية والاجتماعية. وفي الأحوال كلها هذه لا ينتهي العنف، على اشكاله وصوره، الى غاية، ولا يخدم سياسة. فمثل هذه "الحروب"، ونعتها بعض اصحابنا ب"الملبننة"، تتداعى، وتجمح الى اقاصي التدمير، ولا قيد عليها من سياسة. والسبب في هذه الحال سبب معقول، وهو ان "اصحاب" هذه الحروب، وهم الجماعات "الزرقاوية" في المرتبة الأولى، لا يلابسون المجتمعات التي يقاتلون فيها، ولا ينتسبون الى اجسام اجتماعية وسياسية تسدد ثمن حروبهم، وقد تنهض تالياً حسيباً عليهم إذا لم تشل إراداتها شللاً تاماً. وانتساب "جيش المهدي" المزعوم الى جسم اجتماعي وسياسي، هلامي، قسره على حرب متقطعة ومقيدة بعض الشيء. ولو استقامت الجماعات الصدامية على جسم لاضطرت الى مثل ما اضطر إليه الصدريون. وهذا على خلاف حرب الجماعات الزرقاوية. والدعوة الى السياسة، في مثل هذا المعرض، تصدر عن مقاصد شريفة من غير شك. ولكنها صنو المعالجة بالحرب والقوة المحض. فالسياسة، في مجتمعات صدعها استبداد مديد وأبنية اجتماعية متآكلة، كالعنقاء لا تدرك ولا تحصر. * كاتب لبناني.