موقفان للرئيس الفرنسي جاك شيراك يدعوان الى التوقف والتأمل. الأول موقفه من الحرب على العراق ورفضه السياسة الأميركية في عالم ما بعد 11 أيلول سبتمبر، اذ مثّل في موقفه هذا، وفي مواقف مشابهة اخرى، منطق العدل المفقود، على رغم اليقين بأن لهذه المواقف خلفياتها وأبعادها ضمن المألوف السياسي. فالرئيس الفرنسي رفض قراراً اميركياً يسحق دور فرنسا السياسي، ويجعل من وجودها في الدائرة الدولية وجوداً مهمشاً. والثاني موقفه من الحجاب الاسلامي. والتوقف هنا ناشئ عن عدم انسجام هذا القرار اولاً مع السياسة الفرنسية التي تشكل العلمانية مرتكزها الأساس، وثانياً مع السياسة الفرنسية المتسمة بالديموقراطية، وثالثاً ان هذا القرار غير منسجم مع الحرية التي يتمتع بها المواطن الفرنسي والتي تشكل أهم حقوقه. من هذا المنطلق، وبعيداً من اي اتجاه متزمت، دينياً او سياسياً، من العسير على العقل تقبل قرار شيراك هذا من دون ان يكون في النفس منه شك لجهة صدقيته الاجتماعية وصوابيته العقدية، وحتى السياسية، وحسن نيته. اذ ان ردّ هذا القرار الى علمانية الدولة سيكون متناقضاً وتلك العلمانية التي من اساسياتها ان يكون كل مواطن حراً في معتقداته وبالتالي في تطبيق التزاماته العقدية الدينية. أما ارجاع القرار الى منظومة الديموقراطية السياسية، فإن شيراك بقراره هذا هزّ صورة الحرية الفردية التي تسود مناخات فرنسا على كل اصعدتها في أبسط مظاهرها، ومارس صيغة القمع الجماعي على جماعة من المسلمات من دون غيرها. كما ان في القرار سحقاً لحرية المرأة بفرضه خلعها الحجاب، لا يختلف كثيراً عن سحق "طالبان" للمرأة الافغانية بفرضها ارتداءه. أما وصف القرار بالمنصف اذ ساوى بين الديانات السماوية، وذلك بمنعه وضع الحجاب القلنسوة كما الصليب الكبير دون الصغير، فإنه خطأ ناجم عن جهل أو عن تجاهل، لأن لا القلنسوة اليهودية ولا الصليب الكبير يقفان بمراميهما في موازاة الحجاب، الذي هو ليس مجرد رمز ديني، بل فرض الهي بحسب الشريعة الاسلامية. ولنا ان نتساءل، اذا كان دافع شيراك لا هذا ولا ذاك، فهل في اصراره على القرار ارضاء للولايات المتحدة كشكل من اشكال التعاطف معها ضد الاسلام، أو كشكل من اشكال محاربة "الارهاب الاسلامي"؟ والا ما معنى قرار كهذا وسط مناخات عالمية لا تعوزها قرارات استفزازية تحرك مشاعر دينية وتثير الحفائظ وتجعل جماعات متمسكة اكثر بما سيسلب منها، وسلبية في التعامل مع من انتقص من كرامتها، ما يهدد بهزّ الاستقرار والطمأنينة اللذين تنعم بهما الدولة الفرنسية. * كاتبة سورية.