تحاول مصر منذ اشهر اقناع الأطراف الفلسطينية بهدنة جديدة تمهد لمفاوضات مع اسرائيل، والرئيس بشار الأسد يقول انه مستعد لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل، وكل دولة عربية من مشرق الأرض الى مغربها تتحدث عن العودة الى المفاوضات. اقول لا مفاوضات مع حكومة آرييل شارون، وإن أُجريت مفاوضات فهي قطعاً لن تؤدي الى سلام. وأشعر بأنني أبدي رأياً لا حاجة لإبدائه، فهو واضح كشمس الظهيرة في صحراء النقب، ومع ذلك أجدني مضطراً لتسجيله، مع ما يتردد من حديث معاد عن مفاوضات. منذ ثلاث سنوات وآرييل شارون يتحدث عن السلام، ولا يفعل شيئاً سوى ان يتحدث، فيما هو يدمر عملية السلام ضمن خطة محددة المعالم هي الخطة السياسية الوحيدة عنده. هو تحدث في اللطرون وأمام مجموعة ليكود في الكنيست، وفي مؤتمري هرتزليا الأول والثاني، وهذا الأسبوع امام اللجنة المركزية لليكود، وإذا كان القارئ يعرف رأيي مسبقاً، فإن رأي المعلق الإسرائيلي المعروف بن كاسبت في "معاريف" هو ان كل مواقف شارون "هواء ساخن"، فهو يتحدث عن الاحتلال، وعن تنازلات مؤلمة، وعن فك الارتباط، ثم لا يفعل شيئاً على الإطلاق لمتابعة كلامه، وإنما يخلق اوضاعاً يستحيل معها العودة الى التفاوض. مؤتمر اللجنة المركزية لليكود هذا الأسبوع ضم ثلاثة آلاف متطرف في "مؤامرة" اخرى على السلام، مع ادراكي عواقب استعمال هذه الكلمة بالذات. وحدثهم شارون الحديث نفسه وردوا معارضين بصوتٍ عالٍ وصخب، وهو ما يريد. فقد قال قبل خطابه انه يريد ان "يجنن" المستمعين. وهكذا فهو سيقول للأميركيين غداً او بعد غد انه يواجه وضعاً صعباً ضمن حزبه وضمن الائتلاف الحكومي. مرة أخرى، اذا كان القارئ يعرف رأيي في مجرم الحرب النازي هذا، فإنني أزيد له آراء إسرائيلية، وقد وصفه يوسي ساريد، زعيم حزب ميريتز، بأنه "كذاب لا يمكن اصلاحه". اما النائب ايلان ليبوفيتز، من حزب شينوي، فقال: "اذا لم يستفد من دعم شينوي لتفكيك المستوطنات وبدء مفاوضات سلام، فلن تبقى له شينوي او حكومة". المراقب مثلنا بحاجة الى ان يقرأ بين سطور خطابات شارون، فهو في مؤتمر هرتزليا في 18 من الشهر الماضي تحدث عن خطاب الرئيس بوش في 24 حزيران يونيو 2002 الذي دعا فيه الى قيام دولة فلسطين جنباً الى جنب مع اسرائيل. غير ان "خريطة الطريق" صدرت في حزيران من السنة التالية، ومع ذلك فإن شارون يربطها بموقف سابق، لأن خطاب 2002 دعا الفلسطينيين الى نبذ "الإرهاب" قبل البدء بمفاوضات في حين ان "خريطة الطريق" حمّلت الجانبين مسؤولية متساوية في اتخاذ اجراءات تمهد لاستئناف المفاوضات. وكرر شارون هذا الأسبوع خطاب هرتزليا، وقال انه "اذا رفض الفلسطينيون يدنا الممدودة للسلام فسنتخذ اجراءات أحادية". وأولاً، فيد شارون ملطخة بدماء الأطفال والنساء، وثانياً، فشارون يقتل ويدمر كل يوم، ويبني جداراً امنياً على اراضي الفلسطينيين ما يستحيل معه السلام، بل انه في وجه المعارضة للجدار، اعلن العزم على تسريع بنائه. اين السلام في كل هذا؟ كان النازيون يكذبون ويكذبون حتى يصدقهم الناس، وقد كذب شارون حتى صدق نفسه، فأكبر كذبة ترافق مواقفه المهددة للسلام هو تفكيك المستوطنات غير الشرعية. كل المستوطنات، كلها غير شرعي، وشارون يتحدث في الواقع عن مواقع استيطانية لا اسميها بؤراً لأنها عادة على رؤوس التلال لا في القعر ليست اكثر من بيوت نقالة قليلة مع برج ماء صغير، وبضعة مستوطنين من بروكلين يدّعون حقاً لهم في فلسطين. وكانت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وضعت قائمة بثمانية وعشرين موقعاً استيطانياً للإخلاء في الشهر القادم، غير انها جميعاً من النوع الذي وصفت، ويسكنها مجتمعة نحو 400 مستوطن فقط. مرة اخرى، شارون مجرم حرب لا مفاوضات معه او سلام، وأستعين بمصادر اسرائيلية لإيضاح حقيقة افكار هذا السفاح. فقد قرأت في الصحف الإسرائيلية المترجمة الى الإنكليزية ان الجنرال اهارون زئيفي فركش، مدير المخابرات العسكرية، قال في مجلس الوزراء الإسرائيلي ان معلومات الاستخبارات تظهر ان الرئيس بشار الأسد "جاد فعلاً" في طلب استئناف المفاوضات، ورد شارون بحديث عن تأييد سورية "حزب الله" والمنظمات الإرهابية، واختلف مع زئيفي حول تقويمه الموقف السوري. وذكرت جريدة "يديعوت اخرونوت" ان كلام مدير المخابرات عن تغيير جذري في السياسة السورية "كان له وقع غير طيب على أذني شارون". رئيس وزراء اسرائيل قاتل متطرف، يريد من الجميع ان يتطرفوا مثله، حتى يعفى من دخول مفاوضات السلام جديدة. وأقول للمرة الأخيرة انه حتى لو بدأت هذه المفاوضات فهي مع شارون لن تنتهي الى سلام ابداً.