تشكل منظمات حقوق الانسان، بالنسبة الى أهالي آلاف المعتقلين لدى القوات الاميركية، الوسيلة الوحيدة لمعرفة مصير ابنائهم، كما تقدم تقارير هذه الهيئات توثيقاً ًلانتهاكات تبدأ من الطرق العنيفة والمذلة في التوقيف الى الاحتجاز من دون تهم، وصولاً الى القتل عن طريق الخطأ في عمليات الدهم الليلية للمنازل. ناشطو "الفريق المسيحي للسلام"، وهي منظمة مسيحية تهتم بالتخفيف من العنف وتدعمها كنائس في شمال اميركا، تابعوا 72 حالة تشمل اشخاصاً اختفوا بعدما غادروا منازلهم وآخرين اعتقلوا على نقاط تفتيش او خلال مداهمات المنازل. ويشرح الناشط في المنظمة كليف كيندي ان الخطوة الاولى في رحلة البحث الطويلة عن المعتقل تبدأ في محاولة العثور على "رقم" السجين في لوائح موجودة في ما يسمى ب"مراكز العمليات المدنية والعسكرية" سيموك. ويقول: "الموقوفون مصنفون في لوائح مختلفة بحسب نوع الشبهة. فهنالك اللائحة السوداء للمطلوبين الخطيرين، ولائحة رمادية للموقوفين لاغراض امنية اثناء المداهمات او على نقاط التفتيش". ويتابع "يجب ان يكون الرقم في حوزة الاهالي عندما يقصدون بوابة السجن طلباً لزيارة ابنهم لكننا لا نجد رقم السجين في اللوائح في الكثير من الحالات". وتشرح هانية المفتي المسؤولة في منظمة "هيومان رايتس ووتش" ان "الاعتماد على الارقام في تصنيف السجناء وليس على الاسماء مرده الى صعوبة ترجمة الاسماء من العربية الى الانكليزية. كما ان الموقوف قد لا يكشف هويته الحقيقية". وبحسب المعلومات التي جمعها ناشطو "الفريق المسيحي للسلام" السبعة في بغداد، يحتجز المعتقلون في سجنين رئيسيين هما معسكر بوكا في ام قصر جنوب وسجن ابو غريب في بغداد، الا ان ثمة مراكز توقيف جديدة داخل القواعد العسكرية يمضي فيها الموقوف فترة التحقيق. وتقول المفتي: "فترة التحقيق تستمر حوالى الاسبوع يتم بعدها الافراج عن الموقوف او تحويله الى السجن، كما قد يتم تحويله الى سجن المطار حيث يتم اخضاعه لاستجواب اكثر تفصيلاً". وتشرح ان قوات التحالف بدأت تحيل المعتقلين لاسباب جنائية الى المحاكم العراقية في حين لم يحاكم أي من الموقوفين الامنيين كما لا توجه اليهم رسمياً اي تهم. ويضيف كليف كيندي في هذا الاطار ان "التوقيفات تتم غالباً على اساس نتف من المعلومات تحصل عليها القوات الاميركية، كالقول ان فلان بعثي او انه من المجاهدين او انه لا يؤمن جانبه". وتشهد عمليات مداهمة المنازل لتوقيف هؤلاء المشتبه بهم "طقوساً" خاصة : اقتحام المنزل واقتياد المطلوبين الى الباحة الخارجية حيث ينبطحون ارضا وتكبل ايديهم. لكن هذه العمليات قد تشهد ايضا استخداماً مفرطاً للقوة. يروي كيندي عن عائلة تقيم في بغداد اعتقل ثلاثة من ابنائها في مداهمة: "سمع اهل البيت ضجيجاً حوالى الساعة الواحدة صباحاً، فاعتقدوا ان لصوصاً يهاجمون البيت ما حدا بأحد الابناء الى اطلاق النار من مسدس لتخويفهم". ويضيف "اثر ذلك، فوجئ اهل البيت باطلاق كثيف للنيران فأيقنوا ان جنوداً اميركيين في الخارج، فراح الوالد يصرخ بالانكليزية "اوكي، اوكي، سأفتح الباب" الا ان اطلاق النار تزايد". ويتابع: "عندما اقتحم الجنود البيت، سألوا افراد العائلة: اليس هذا منزل فلان؟ فأجابوا: كلا، انه منزل جارنا. غير انهم اقتادوا على رغم ذلك الابناء الثلاثة الذين امضوا ثلاثة اشهر في السجن". وفي تقرير من 66 صفحة تحت عنوان "قلوب وعقول"، وثقت "هيومان رايتس ووتش" حالات قتل مدنيين برصاص الجيش الاميركي في مداهمات للمنازل. تذكر احدى هذه الحالات مقتل شابة تبلغ من العمر 19 عاماً اثناء مداهمة منزل فاضل حمزة حسين الجنابي في المحمودية في ضواحي بغداد فجر الاول من ايلول سبتمبر الماضي، برصاص الجنود الاميركيين. يروي التقرير "بعيد منتصف الليل كانت الوالدة ملك وابنتها فرح نائمتين في حين ان الابن هارون كان يشاهد التلفاز، عندما سمع الجميع قرعاً عنيفاً على الباب. يقول هارون: اعتقدنا انهم لصوص او مجرمون لاننا سمعنا كلاماً بالعربية". ويضيف التقرير: "أطلق هارون رصاصة واحدة باتجاه السقف او احد الجدران في حين ان الجنود الاميركيين قالوا ان رصاصاً اطلق باتجاههم". ويتابع: "اقتحم عند ذلك الجنود الباب مطلقين النيران فأصيبت فرح التي كانت في وسط القاعة كما ألقوا قنبلة داخل المنزل فاشتعلت فيه النيران". ويقول احد الجيران: "بعد ان هدأ الجنود كانت فرح لا تزال على قيد الحياة لكنها مصابة بجروح في ظهرها ورجليها وحروق في وجهها ويديها". وبحسب الجيران "بقيت فرح ملقاة على الارض حية ثلاث ساعات غير ان الجنود لم يسمحوا لنا بنقلها الى المستشفى. وحوالى الساعة 4.30 قام الجنود بنقلها اخيرا لكنها كانت ميتة او على وشك". ويبقى عدد الموقوفين في السجون الاميركية في العراق مسألة غامضة. تقول المفتي ان لا مجال لتقدير عددهم نظراً الى التوقيفات المستمرة، في حين يقدر "فريق السلام المسيحي" عدد هؤلاء ب18 ألفاً. وقد اعلنت سلطات التحالف ان لديها 10 آلاف معتقل في العراق بينهم حوالى اربعة آلاف من "مجاهدين خلق" الايرانية المعارضة. ولا مجال ايضا لمعرفة طبيعة المعاملة التي يتلقاها هؤلاء نظراً الى تضارب شهادات الموقوفين السابقين وندرة زيارات المنظمات الانسانية للسجون. ويقول كيندي: "تعتبر فترة التوقيف الاولى الاشد صعوبة. قال لنا موقوفون سابقون انهم عانوا من البرد وعدم كفاية المياه والحرمان من النوم او العلاج والارغام على الجلوس في اوضاع مؤلمة لفترات طويلة". وكان ناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية اعلن الاثنين ان محكمة عسكرية اصدرت حكماً بفصل ثلاثة عسكريين اميركيين من الجيش لتعرضهم لسجناء عراقيين.