يجمع كثيرون ممن سبق أن استقلوا طائرة "بوينغ 727" التابعة لشركة "يو تي آي" التي سقطت في مطار كوتونو أثناء توجهها إلى بيروت، أنهم لطالما شعروا بالخوف والريبة أثناء ولوجهم باب الطائرة، حتى أن بعضهم باشر مخاوفه قبل ذلك بكثير، أي أثناء توجهه إلى مكتب السفر لشراء بطاقة السفر على متن هذه البوينغ القديمة. ويقول علي، وهو شاب لبنانيجنوبي يعمل في مؤسسة مالية دولية وذهب في رحلة قصيرة إلى سيراليون لأسباب عائلية قبل الكارثة بنحو أسبوعين، أنه حين قصد "مكتب السفير للطيران" في منطقة الطيونة على تخوم الضاحية الجنوبيةلبيروت والذي يتولى بيع بطاقة الرحلة الخطرة إلى عدد من الدول الأفريقية على متن هذه الطائرة، بدأ الخوف بالتسلل إليه، فمكتب الطيران هذا يشهد يومياً مساومات على أسعار البطاقات بين المسافرين والموظفين، وغالباً ما تنتهي هذه المساومات بتسويات تؤكد أن سعر البطاقة غير ثابت، ناهيك عن أوراق كتبت عليها عبارات من نوع أن "الدفع مقدماً ونقداً"، وهم لا يقبلون البطاقات الإئتمانية أو "فيزا كارت"، في حين كان علي يرغب بشراء بطاقة السفر عبر هذه البطاقة نظراً إلى خدمة التأمين على الحياة التي يؤمنها المصرف لزبائنه المسافرين الذين يشترون بطاقة السفر من خلالها. وسعر البطاقة على هذه الطائرة لا يقل كثيراً عن أسعار بطاقات السفر إلى دول مجاورة جداً عبر خط طيران الشرق الأوسط. فبطاقة درجة رجال الأعمال التي اشتراها علي إلى فريتاون بلغت قيمتها نحو 1400 دولار أميركي وهو مبلغ لا يقل عن سعر البطاقة من الدرجة نفسها على طائرة الميدل إيست إلى لاغوس التي لا تبعد كثيراً عن كوتونو، علماً أن طائرة الميدل إيست لا تتوقف في ليبيا في حين تتوقف طائرة ال"يو تي آي" هناك للتزود بالوقود. إذاً ليس خفض أسعار بطاقات السفر هو ما يدفع الكثر من المسافرين اللبنانيين إلى أن يستقلوا هذه الطائرة، وليس أيضاً توفير الوقت الذي يعوزهم للانتقال من لاغوس حيث تهبط الميدل إيست إلى الدول المجاورة كبنين وسيراليون، خصوصاً إذا احتسبنا الوقت الذي يستغرقه هبوط الطائرة الخطرة في مطار كوفرة في ليبيا. وعلى رغم ذلك يبدو أن معظم رحلات الطائرة كانت زاخرة بالركاب، والعدد الفائض من هؤلاء في رحلتها الأخيرة لم يكن استثناء. ويؤكد علي أن هذه الطائرة سبق أن عملت في الولاياتالمتحدة، فهو قرأ على لوحة معدنية مثبتة بالقرب من الحمام فيها باللغة الأنكليزية إن التدخين ممنوع وأن "جزاء مخالفة هذا القانون هو ألف دولار بحسب القوانين الفيديرالية". وأفاض الشاب في وصف الطائرة من الداخل، إذ يقول إن مخاوفه التي بدأت منذ وصوله إلى مكتب بيع بطاقات السفر راحت تتعزز أثناء الرحلة كلما أمعن النظر بألوان المقاعد والأرائك الخمرية المصنوعة من أقمشة منزلية معرقة. أما ما يجرى في الطائرة لجهة الالتزام بقوانين منع التدخين أو لزوم المقاعد في أوقات العبور في مطبات هوائية فلم يشعر علي أن ثمة من ينتبه لضرورتها. الطعام يوزع بغير انتظام، وأبناء صاحب الشركة يتولون أعمالاً كان من المفترض أن تتولاها المضيفتان أو أفراد الطاقم الآخرون، كضبط حركة المسافرين والطلب من الذين يرفعون أصواتهم بخفضها. علماً أن البطاقات لا تتضمن أرقاماً للمقاعد المخصصة للمسافرين، وركاب الدرجة الأولى عليهم إبراز بطاقاتهم الأصلية وليس ال"بوردينغ كارد" التي توزعهم على المقاعد التي حجزوها. المحطة الأولى ليبيا حيث تهبط الطائرة في مطار كوفرة النائي للتزود بالوقود. يخرج أحد أبناء الخازم وفي يده حقيبة صغيرة فيدفع ثمن الوقود نقداً ثم يعود بعد وقت صغير إلى الطائرة. ويقول علي إن هذا الأمر أعاد تذكيره بقانون الدفع النقدي الذي باشر به رحلته على متن هذه الطائرة، وراح يتيقن أن هذه الرحلة غير خاضعة لمنطق التعاملات الجارية التي تتيح الانكشاف والشفافية. الدفع "كاش" عبارة قرأها علي في مكتب بيع البطاقات وراحت تتردد في ذهنه طوال الرحلة إلى أفريقيا. لكننا ما زلنا في الشق النظري من متاعب الرحلة التي لم تنته ولم تبدأ بسقوط الطائرة. فكان من المفترض أن تحط الطائرة لفترة قصيرة في كوتونو تنزل خلالها المسافرين إلى بنين ثم تقلع إلى فريتاون في سيراليون، لكن الذي جرى أن الطائرة تأخرت في كوتونو لأكثر من ساعتين دخل بعدها أحد أفراد الطاقم ليقول: "إن طائرةً كان من المفترض أن تقل بعضاً من ركاب طائرتنا من فريتاون إلى منروفيا معطلة، لذلك سنقوم نحن بإيصالهم إلى منروفيا ثم نتابع طريقنا إلى فريتاون"، علماً أن المحطة الأخيرة للطائرة بعد فريتاون ستكون العاصمة الغينية كوناكري. الرحلة استمرت لنحو 14 ساعة وقال خبراء في الطيران المدني ل"الحياة" إن الطيران لهذه المدة مع هذا العدد من محطات الهبوط بطاقم واحد أمر مخالف حتماً لقوانين الطيران المدني. الروايات التي يسوقها المسافرون خلال الأشهر الخمسة الفائتة على متن الطائرة العاملة بين بيروتوغينيا والتي سقطت في مطار بنين يتناقلون روايات كثيرة عن ظاهرة هذه الطائرة، ويبدو أن حكاياتهم عنها سبقت سقوطها، وهم على رغم ذلك استمروا بالسفر فيها. سيدة قالت إنها أرسلت خادمتها الأفريقية إلى بنين على متن هذه الطائرة وأنها أرسلت مع هذه الخادمة أغراضاً يزيد وزنها على مئة كيلو غرام من دون أن تدفع قيمة فارق الوزن، أما زوج السيدة الذي راح يستقل الطائرة نفسها منذ مباشرتها العمل على هذا الخط قبل نحو خمسة أشهر فقال إنه دائماً ما تساوره الشكوك حولها ولكنه يعود ويطمئن فور إقلاعها إذ تتوافر في الطائرة أجواء بلدية أليفة تتيح تبديل المقاعد مثلاً من الدرجة التجارية إلى الدرجة الأولى في حال توافرت المقاعد هناك، وتتيح أيضاً طلب الطعام في غير أوقاته، ناهيك عن التدخين الذي لا ينهى عنه أحد في معظم مناطق الطائرة. ولا يبدو أن هؤلاء الركاب الذين لم يكونوا على متنها عند سقوطها بصدد مراجعة أنفسهم على قبولهم بالسفر بهذه الشروط على رغم النتيجة المروعة. ويبدو أن الميل إلى دفع المسؤولية الرقابية عن النفس يغلب أي ميل آخر، ولكن أيضاً لا بد من رصد تواطؤ ما يشترك فيه جمهور الطائرة وروادها الذين يعدون بالآلاف، يعيق المطالبة بفتح تحقيق فعلي بما جرى، خصوصاً إذا كان التحقيق يتعدى مسألة التعويضات التي ينتظرها أهالي الضحايا. يسمي اللبنانيون في أفريقيا أحمد الخازم وهو صاحب الشركة التي تشغّل الطائرة المنكوبة "السفير"، ويقول مغترب لبناني إن هذه التسمية مستمدة من النفوذ الذي لدى هذا الرجل في أوساط الدوائر الحكومية في غينيا وسيراليون، في حين يقول أحد أبناء بلدة وادي جيلو الجنوبية إن اللقب قديم ويعود إلى الثمانينات أي قبل مغادرة الرجل إلى أفريقيا وأطلق عليه نظراً لكثرة ارتباطاته خلال سنوات الحرب. أما حكاية انتقاله للعمل في حقل النقل الجوي فهي، بحسب هذا المغترب، ليست قديمة. ففي عام 1966 حصلت أحداث أمنية في سيراليون وتعرضت الجالية اللبنانية هناك إلى عمليات نهب وقتل فاستأجر أحمد الخازم طائرة صغيرة وراح يؤجرها وينقل فيها عائلات وأفراداً إلى مناطق آمنة في سيراليون أو خارجها. وفي عام 1997 وبعد الانقلاب العسكري في سيراليون انتقل الخازم وعائلته إلى غينيا ونقل معه عمله بالطائرات، وارتبط برئيس الجمهورية الغينية بعلاقة وثيقة سهّلت أعماله. وفي غينيا لاحت أمامه فرصة تشغيل البوينغ إلى بيروت. وخط الطيران بين غينياوبيروت والذي تتوسطه المحطات المذكورة لم يعد رواده مقتصرين على مغتربين قدماء اختلطت لهجاتهم اللبنانية القديمة بفرنسية أفريقية، بل صاروا من أنواع مختلفة، منهم مغتربون جدد كثيرو التردد إلى لبنان ومرتبطون فيه بأكثر من ارتباط، ومنهم أيضاً زوار وجامعو تبرعات لمساجد وجمعيات وأحزاب في لبنان. ويقول علي إن رحلته إلى سيراليون جمعته مع شيخ يترأس جمعية قريبة من حزب الله أثنى خلال الرحلة على المساعدات التي تتلقاها الجمعية من المهاجرين اللبنانيين في أفريقيا ومن بينهم أصحاب الطائرة، وهذا الشيخ هو غير الشيخ الذي كان من بين ضحايا الطائرة عند سقوطها. ونقل المغتربون اللبنانيون الشيعة الجدد إلى أفريقيا بعض وجوه عيشهم في لبنان إلى القارة السوداء. الطائرة المنكوبة إحدى هذه الصور، الحكايات الكثيرة المرتبطة بها، والوزن الزائد الذي من المرجح أن يكون سبب تحطم الطائرة أيضاً. ولكن الأبرز على هذا الصعيد ربما كان الحذر، بل الصمت الذي تبديه قوى شيعية لبنانية حيال ما جرى. صحافيون كثر مثلاً حاولوا الوصول إلى نجل صاحب الطائرة الذي جرح أثناء الكارثة ونقل إلى بيروت والى مستشفى الرسول الأعظم التابع لحزب الله على المدخل الغربي لضاحية بيروتالجنوبية، دون ان يتمكنوا من الوصول إليه. المغترب اللبنانيالجنوبي المتجه بسيارته ال"مرسيدس فور ويل درايف" من منطقة الرملة البيضاء حيث تقيم النخب الثرية الشيعية إلى جانب نخبتها السياسية الجديدة، إلى ضاحية الأوزاعي هناك حيث سيشتري قطع غيار لسيارته الأخرى في أفريقيا ويرسلها بالطائرة، راح يكرر بلهجته المختلطة القول إن الاغتراب اللبناني الحقيقي هو الاغتراب الأفريقي. ويقول: "في أوروبا وأميركا والخليج يذهب اللبنانيون إلى دول متقدمة على دولتهم، أما في أفريقيا فالصعوبات الناجمة عن بدائية العيش هناك لا تحتمل". الحاج غازي الذي أخرج سيارته من موقف المبنى الذي تقطنه عائلته في الرملة البيضاء نظيفة بعدما قام شاب أفريقي يعمل لديه بغسلها، قال إن جاره في المبنى المجاور هو النائب محمد عبدالحميد بيضون القيادي السابق في حركة "أمل" الذي فصل من الحركة أخيراً بعد خلافات غامضة مع رئيسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري. اتجه الحاج بسيارته محاذياً مناطق بئر حسن التي يقطن مبانيها مئات من اللبنانيين الشيعة القادمين من أفريقيا بعد اغتراب طويل. ربما أيقظ سقوط الطائرة المدنية في مطار كوتونو في الحاج غازي بعضاً من مشاعر أقلوية ما عاد الشيعة في لبنان يشعرون بها بعدما صارت لهم الغلبة في الجمهورية اللبنانية الجديدة، ولكن الفاجعة هي من ذلك النوع الذي قد يحرك مشاعر من هذا النوع من دون أن يدفعها في اتجاه محدد، خصوصاً أن غضبة سقوط الطائرة لم تجد هدفاً لها بعد. ما إن وصل الحاج إلى الأوزاعي حتى تحلق حوله أصحاب محلات تصليح السيارات وبيع قطع الغيار المستعملة الذين أقاموا ورشهم في مبانٍ مرتجلة على تخوم مطار بيروت خلال سنوات الحرب. تحلق هؤلاء حول الحاج لاستيضاحه حول الطائرة التي سقطت. فهو دائم السفر إلى أفريقيا، وخلال الأشهر القليلة الفائتة استقل الطائرة نفسها لأكثر من ثلاث رحلات، وقبل أسبوع من سقوطها سافر فيها نجل الحاج وهو طبيب متخرج من الجامعة الأميركية في بيروت إلى بنين في زيارة لشقيقه الذي يدير مصالح العائلة هناك. الحاج الذي اشترى قطعاً لسيارته في أفريقيا، ودفع ثمنها، قال لصاحب الورشة إنه سيطلب من ولده هناك في أفريقيا وأثناء إصلاح السيارة أن يتصل به المعلم ليعطي هذا الأخير تعليماته للمعلم الأفريقي الذي قد لا يجيد استبدال هذه القطع، وأضاف الحاج إنه في حال عدم نجاحهم في تصليح السيارة هناك في أفريقيا سيقوم بإرساله لقضاء أسبوع في بنين يقوم خلالها بإصلاحها، وإذا أعجب بالحياة فيها فالحاج على استعداد لأن يتشارك معه في فتح ورشة كبيرة لتصليح السيارات هناك. هذا العرض أضاء وجه الشاب الذي راح يسأل عن إمكان فتح "مصلحة" في أفريقيا، خصوصاً أنه يعلم أن الكثير من اللبنانيين يعملون هناك في تجارة السيارات. إنها إحدى قنوات الاغتراب إلى أفريقيا. فعدد اللبنانيين في بنين لوحدها يقارب الخمسة آلاف غالبيتهم من جنوبلبنان. أكمل الحاج طريقه من الأوزاعي في اتجاه مستشفى الرسول الأعظم على طريق المطار، هناك حيث سبق أن اتفق على موعد مع تاجر يمت إلى الرئيس نبيه بري بصلة قرابة. التاجر يعمل في توضيب الحمضيات وتصديرها إلى الخارج، ويبدو أن الحاج باشر قبل فترة قصيرة تجارة من هذا النوع في بنين، وهدف الزيارة ترتيب عمل مشترك، لكن الأحاديث تشعبت ووصلت إلى الطائرة المنكوبة. الحاج من الوجوه الجنوبية الاغترابية، وصديقه التاجر قريب من النخب الشيعية الجديدة، وتعقيدات الإرث والديون وتداخل رؤوس الأموال من المشكلات التي راح يواجهها أهالي ضحايا الطائرة، خصوصاً أن الكثير من هؤلاء الضحايا كان ينقل على متنها مبالغ كبيرة هي ثمرة شراكات وتجارات يقوم بها اللبنانيون هناك، وحل هذه المشكلات الناجمة عن سقوط الطائرة من المواضيع التي تشغل الصديقين هذه الأيام. المغتربون اللبنانيون في أفريقيا جيلان، الأول هم التجار التقليديون الذين يعملون في تجارة مواد البناء والكاكاو وغيرها، طبعاً إضافة إلى تجار الألماس والمواد الأولية الأفريقية الأخرى، والجيل الثاني معظمه تجار سيارات، وغالبية ركاب الطائرة المنكوبة هم من الجيل الاغترابي الثاني. وتجارة السيارات في بنين مرتبطة إلى حد كبير بالانتقال إلى لبنان وإلى دول أوروبية، ويخوض المشتغلون فيها تجارب مختلفة. فالسيارات غالباً ما يرسلها أقرباء لبنانيون مقيمون في عدد من المدن الأوروبية كألمانيا وسويسرا، وسوق هذه السيارات التي تصل بحراً إلى مرفأ كوتونو ليس بنين وإنما نيجيريا البلد الكبير وصاحب الاقتصاد التقليدي الذي يفرض جمارك عالية على استيراد السيارات إليه، ولكن ما يحصل في كثير من الأحيان أن مافيات نيجيرية تتولى شراء هذه السيارات وتزوير أوراقها ولوحاتها لتصبح سيارات نيجيرية دخلت إلى بنين ثم يتولى أفراد هذه المافيات إعادتها إلى نيجيريا. اللبنانيون كما يؤكد كثيرون منهم ليسوا طرفاً في عملية التزوير، إنما هم مجرد مستوردي سيارات إلى بنين. ولكن ثمن هذه السيارات والمقاصة التي يجب أن تحصل بين الأقرباء الموزعين بين أوروبا وأفريقيا ولبنان لا تتم عبر المصارف، فإخضاع هذه المبالغ لقوانين المصارف والضرائب المترتبة على ذلك في الدول الموردة والمستوردة يخفض نسباً كبيرة من الأرباح، فيفضل عدد من اللبنانيين أن يستقلوا الطائرة إلى بيروت حاملين معهم مبالغ نقدية، يقوم آخرون بنقلها نقداً إلى أوروبا. وفي الأشهر الخمسة الفائتة وفرت الطائرة المنكوبة فرصة للتحرر من الانتقال بالأموال إلى أكثر من مطار عبر وصولها إلى مطار كوتونو السهل وإقلاعها منه إلى بيروت مباشرة. أما التفتيش الذي يسبق دخول الطائرة فيتولاه في أفريقيا طاقم الطائرة وهو يشمل الجانب الأمني من دون أن يكون هذا الفريق معنياً بما ينقله الركاب من أغراض وأموال. أما في لبنان ولدى وصول الطائرة فما زالت مسؤولية مطار بيروت غير ثابتة، حتى لجهة سلامة الطيران، فالقول إن الشركة غير لبنانية وبالتالي فإن مسؤولية التثبت من سلامة الطائرة ليست لبنانية أمر ما زال خاضعاً للنقاش. ولكن آلاف اللبنانيين سافروا ووصلوا عبر هذه الطائرة في الأشهر الخمسة الفائتة من مطار بيروت وإليه، وثمة مكتب في العاصمة اللبنانية يتولى بيع بطاقات السفر عبر هذه الطائرة، وبالتالي فإن لبنان وسلطاته الملاحية معنيان بالكارثة، والسماح لطائرة بهذه المواصفات بالهبوط والإقلاع وبافتتاح مكتب لها سيؤثر بلا شك في سمعة الملاحة الجوية فيه. إذاً الرحلة المتعثرة من كوتونو إلى بيروت كانت جزءاً من حلقة تبادل لم تكتمل وهو ما خلف وسيخلف علامات استفهام لدى أهل عدد من الضحايا بدأت تظهر على شكل اتهامات، خصوصاً أن هذه التبادلات هي خارج النطاق الدفتري الذي يمكن أن يوفر فرزاً واضحاً لما نقل الضحايا معهم من مبالغ، وللمترتبات عليهم إلى أقاربهم وشركائهم في لبنان وأوروبا. فالتعامل دائماً كان نقداً.