على رغم التطور الذي شهده قطاع الصحة في سورية، يتجه عدد لا بأس به من السوريين إلى التداوي بالأعشاب. وتطرح هذه الظاهرة أكثر من تساؤل حول مدى الاستفادة من تلك المواد التي يعرضها بائعو الأعشاب الطبية على أرصفة دمشق، أو التي يصفها بعض الأطباء للمرضى أحياناً!... يخبرنا حسن كعدي وهو صاحب "بسطة" لبيع الأعشاب على أحد أرصفة شارع الثورة في وسط دمشق، شارحا: "ربما لا يعجبكم وجودنا على هذا الرصيف، لكن صدقوني... كبار الناس يأتون إلى هنا ليسألوا عن علاج لأمراض نعرفها وأخرى لا نعرفها، ونقدم لهم الخلطات الطبية المطلوبة، وعادة ما يرسلون لنا زبائن جدداً لثقتهم بالمفعول السليم للعلاج الذي نقدمه". ويضيف: "الخلطات الطبية المطلوبة أغلبها لمرضى السكر والربو والريجيم، إضافة الى أعشاب خاصة لمن وصلوا إلى سن اليأس، وأيضاً خلطات مقوية جنسياً. ونبيع أيضاً أعشاباً للإنجاب وزيوتاً لتقوية الشعر وأعشاباً لالتهاب البروستات وغيرها. وكي لا نعطي الزبون المريض شيئا غير مضمون النتائج، نستشير طبيباً عربياً أثناء خلط الأعشاب ونتأكد من نسبة المقادير المطلوبة في الخلطة، لذلك ترون إقبالاً على العلاج وبخاصة ممن فقدوا الأمل من الطبيب العادي ومن الأدوية الكيميائية الحديثة". ويتابع مبتسماً: "حقيقة لا يقصدنا إلا المرضى المحبطين". معتز الديري صاحب بسطة قرب جامع السنانية المحاذي لمنطقة باب الجابي في دمشق، يبيع الأعشاب الطبية واضعاً كل نبتة داخل كيس ورقي صغير، وكتب عليه شرحاً مفصلاً لكيفية الاستعمال والمواعيد وأيضاً اسم النبتة. يقول: "لا يقصدنا أي زبون إلا ويكون الطبيب وصف له نوعاً من تلك الأعشاب، وكما تعرفون، فإن هذه الطريقة في العلاج قديمة عند العرب وغيرهم ومصدرها من الأرض. لكن، في أغلب الأحيان، نجلبها من محلات العطارة في دمشق، ويكاد هذا العمل يكون مصدر رزقنا الوحيد، اذ نتقاضى ثمن الوصفة 50 ليرة سورية دولار أميركي والجميع فقراء أو أغنياء، يشتري منّا". ويضيف: "معظم زبائني يطلبون نبتة بعينها ولا يطلبون الخلطات، وأحاول عن طريق هذا الشرح الذي كتبته على قطع كرتونية فوق هذا الرصيف جلبهم ولفت نظرهم. وإذا لم يشتروا فهم يقفون لمشاهدة الأنواع المتوافرة لدينا من الأعشاب. ويسألون بشكل مستمر عن مدى فعالية تلك الأدوية الطبيعية، وعندنا أنواع مختلفة مثل شرش الروباص الذي يستخدم لمعالجة مرضى السكر وشرش القبار الذي يستخدم لمرضى وجع الظهر، وكذلك ورق العشرة للريجيم وعشبة المروة للبروستات وأيضاً ورق الزعرور مع الزهر للقلب وأنواع أخرى تقريبا لمعظم الأمراض، ولا نتمنى لزبوننا إلا الشفاء والاستفادة". تلاعب بعقول الناس من ناحيته، يتساءل الدكتور محمد طلال الشيخ، عمّا إذا كان التداوي بالأعشاب طباً بديلاً، خصوصاً في ضوء تزايد الاقبال عليه. ويقول: "عرف التداوي بالأعشاب منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض، أي منذ أن لجأ بوسائل بدائية لتأمين متطلبات حياته المختلفة ومنها الأعشاب التي تنبت في بيئته. ومن المعروف أن كل منطقة جغرافية في العالم تتميز بمجموعة خاصة من الأعشاب. وكل المحاولات العلاجية بشكل عام كانت تستند إلى التجربة فقط من دون أي معرفة بتركيب الأعشاب الكيميائي. ومن المعروف أيضاً أن بعض الأعشاب تمتلك خاصيات معينة كمواد مسكنة أو ملينة أو مهدئة، وقد تم التعرف إلى بعضها في الوقت الحاضر وبالتالي ما ثبت منها علمياً أنه مفيد يصنّع بشكل علمي وهذه الصناعة ازدهرت في الهند والصين ودول شرق آسيا. غير ان الأعشاب لا تتمتع بالفعالية لمعالجة الأمراض، وإنما هي علاجات مساعدة أو لها دور نفسي لدى بعضهم. وفي مجتمعنا العربي، خصوصاً في بلاد الشام، تعرف بعض هذه الأعشاب كالبابونج وجذور نبات القريحة وغيرها، وتستعمل عادة في الأرياف والمدن وأعتقد حتى الآن أن أحداً لا يعرف بالضبط مدى فعاليتها". ويضيف الشيخ: "مع الأسف الشديد استغل بعض الأطباء، وكذلك بعض الأشخاص العاديين ممن لا يملكون أي ثقافة طبية أو علمية، هذا الموروث الشعبي في التداوي استغلالاً بشعاً لمعالجة أمراض مستعصية كالسرطان بكل أنواعه والقصور الكلوي والعقم والسكري وغيرها من الأمراض التي يعجز الطب الحديث عن علاجها في أحدث وأكبر مراكز العالم التخصصية. ويتلاعبون بعقول الناس وعواطفهم، وللأسف تكون الغاية باباً للارتزاق وجمع المال بطريقة غير أخلاقية وغير مشروعة. وأعرف ضحايا من الأصدقاء، ماتوا بعد أن تخلوا عن الأدوية الكيميائية لمصلحة الأعشاب التي لم تثبت فعاليتها بشكل قطعي في أي مجال! طبعاً هذا الكلام لا يعني ان لا يوجد بعض الأعجاب الذي يستخدم في معالجات بسيطة كمضادات للطفيليات أو الالتهابات الجلدية أو الهضمية".