سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العطارون الدمشقيون يرونها مهنة مكملة للطب الحديث حض عليها الإسلام وبرع فيها كثير من الأطباء العرب «التداوي بالأعشاب» أو «العطارة» من أقدم الطرق العلاجية التي مارسها الإنسان
اعتمد الإنسان منذ القدم على ما تجود به الطبيعة للشفاء من الأمراض، فأول من مارس الطب هو سيدنا آدم عليه السلام عندما ساعد حواء في أثناء وضعها، ولعل الأعشاب والنباتات كانت من اكثر المواد استخداما في هذا المجال، وقد جرب الإنسان العلاج بها بصورة فطرية عفوية، مستهديا بالحدس والتخمين، فإما شفاء وإما فناء. والتداوي بالأعشاب قديم قدم الإنسان على هذه الأرض، فمن مراكب الفراعنة التي جابت الأرض بحثا عن هذه الثروة، مروراً بالحضارة الإغريقية، وصولاً إلى العصور الإسلامية التي نشط فيها التأليف والترجمة، فترجمت المصنفات اليونانية والسريانية والفارسية والهندية، وظهرت مؤلفات طبية لأسماء لامعة في مجال الطب مثل الرازي الذي درس الطب اليوناني دراسة معمقة وله مؤلفات في الطب تتميز بالخبرة، والشهرة الواسعة، وابن سينا الذي تميز عن من سواه بما لم يتميز به غيره، فقد كان أول من مزج الطب بالفلسفة في بوتقة واحدة، وابن البيطار، وداود الإنطاكي.. وسواهم ممن استطاع الكشف عن أسرار الأعشاب الطبية، التي تكتشف حتى يومنا هذا. ومنذ تاريخ موغل في القدم استطاع الإنسان تصنيف النباتات وفق تأثيرها في ثلاث فئات، وهي: أغذية، أدوية، سموم. فكل نبات استطاع أن يتناول منه كمية كافية لسد جوعه فهو غذاء. وكل نبات لا يمكن تناوله بكمية كبيرة، ويحدث له راحة أو اضطرابا فهو دواء. وكل مادة لا يمكن تناولها ولو بكميات ضئيلة، لأنها تحدث فيه تأثيرا ضارا، عدها من السموم. ولم يأت هذا التمييز مصادفة بل عن طريق الحواس والذاكرة، فبواسطة حاستي الذوق والشم تمكن الإنسان من التفريق بين النبات النافع والنبات الضار، فالمعجزة الإلهية أعطت للنباتات المؤذية طعماً مراً أو لاذعاً غير مستساغ، وجعلتها نتنة الرائحة، فتنبذ. أما النباتات النافعة فتبدو رائحتها عطرة، وطعمها شهي، وشكلها جميل، فتستلطف. وعندما تشكلت لديه خبرة بهذه النباتات أخذ يسعى لتحويلها إلى شكل يسهل به تناولها أو حفظها، وتشير المصادر التاريخية إلى أن طريقة تحضير هذه النباتات للعلاج كانت بسيطة في البداية، إذ كان الدواء يتألف من تركيب واحد، غير معقد، كما هو الحال اليوم، وقد جاء في كتاب «كامل الصناعة الطبية»، ما يجسد هذا التوجه: «إن أمكنك أن تعالج بدواء خفيف مفرد فلا تعالج بدواء مركب، ولا تستعمل الأدوية الغريبة والمجهولة». وفي مراحل لاحقة، شهد الطب تطورا، وتطور معه العلاج بالأعشاب عبر التجريب والقياس، وخضع للدراسة العلمية من خلال أطباء اهتموا بخواص النبات، وطوروا أبحاثا مهمة تشير إلى القيمة الكبيرة لهذا النبات أو ذاك، وتشير المصادر التاريخية إلى أن أول من وضع كتابا في علم العقاقير، ذكر فيه أوصافها وخواصها ومصادرها وطرق تحضيرها وحفظها، هو الطبيب اليوناني ديوسقوريدس الذي كان جراحا في الجيش الروماني زمن الإمبراطور نيرون وذلك قبل الميلاد بنصف قرن، وعرف كتابه في الترجمة العربية ب «كتاب الأعشاب» أو «كتاب الحشائش»، وقد استفاد جراح الأندلس أبي القاسم الزهراوي (936 - 1013م)، صاحب الكتاب المشهور «التصريف لمن عجز عن التأليف»، من هذا الكتاب الذي ورد إلى الأندلس، ويذكر بان أول مدرسة للطب ظهرت في أوروبا خلال العصر الوسيط كانت مدرسة سالرين في جنوب إيطاليا التي أسسها الإمبراطور شارلمان (768 - 814 م)، وتم انتقال صفوة التراث العلمي العربي الإسلامي إلى أوروبا عن طريق هذه المدرسة، وكذلك عبر بعض مدن الأندلس وخاصة قرطبة وطليطلة، ومن بين هذه الكتب على سبيل المثال كتاب «كامل الصناعة» لعلي بن العباس، و«زاد المسافر» لابن الجزار، و«العشر مقالات في العين» لحنين بن اسحق، وكتاب «الحميات والبول والأدوية المفردة» لاسحق بن سليمان الإسرائيلي وسواها. الإسلام والطب من المعروف أن الدين الإسلامي أولى عناية فائقة لصحة الإنسان ولضرورة التداوي والوقاية من الأمراض، فقد أظهر النبي صلى الله عليه وسلم تقديره للطب، ووضع هذا العلم إلى جانب الفقه بين أعلى العلوم مركزا، ولعل ما يؤكد هذا الكلام ظهور كتب كثيرة تهتم بسير أطباء المسلمين، وأخبارهم مثل «طبقات الأطباء والحكماء» لابن جلجل، و«إخبار العلماء بأخبار الحكماء» لابن القفطي، و«عيون في طبقات الأطباء» لابن أبي أصيبعة وغيرها. ومما يشير إلى حث الرسول صلى اله عليه وسلم المؤمنين على التداوي ما ورد في مسند الإمام أحمد، من حديث زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: نعم يا عباد الله، تَداوَوا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير شفاء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم. وكان أمر النبي «تداوَوا» في عصر لم تكن فيه الأدوية الكيميائية متوافرة، ما يعني انه كان يقصد التداوي الأعشاب والنباتات الطبية، والألبان، وكذلك بالعسل الذي ذكر في القرآن الكريم، قال تعالى: {وأوحى ربكَ إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذُلُلاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}. وثمة أحاديث نبوية شريفة كثيرة تشير إلى حرصه صلى الله عليه وسلم على ضرورة التداوي. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تداووا بألبان البقر، فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء، فإنها تأكل من كل الشجر»، ويقول، صلى الله عليه وسلم، كذلك «عليكم بالسنا، والسنوت» (السنا هي نبتة، أما السنوت فهي من أسماء العسل)، وثمة أمثلة كثيرة على اهتمام الإسلام بالتداوي بالأعشاب، فقد ذكر في القرآن الكريم الكثير من النباتات التي ثبت، بالتجربة العلمية، أن لها فوائد علاجية عدة، مثل:الزنجبيل، التين، الزيتون، الكافور، الثوم، البصل، النخيل، الأعناب، الرمان، الريحان...وغيرها. «القانون» و«الحاوي»: ينقسم تاريخ الطب، من حيث طريقة التفكير إلى ثلاثة عهود، هي عهد الخبرة البحتة الذي وصل إلى غايته على يد قدماء المصريين، وعهد الخبرة المنسقة الذي يعد العهد المشرق للطب إذ جاءت، خلاله، الحضارة الإسلامية فأعادت للثقافة الإغريقية الألق بعد الخفوت، ويقال إن هذا العهد «بدأ بأبوقراط، وثني بجالينوس، وثلث بالرازي، واختتم بابن سينا»، وأخيرا عهد الخبرة التجريبية الذي بدأ بالنهضة العلمية الأوربية الحديثة. ولا شك أن أهم إنجاز لعهد الخبرة المنسقة تمثل في كتابين يعتبران من أكبر الكتب العلمية الطبية شهرة، وإحكاما على مستوى العالم، وهما «الحاوي» للرازي، و«القانون» لابن سينا. ويعد أبو بكر الرازي واحدا من أشهر الأطباء في التاريخ، ولد بمدينة الري قرب طهران، وعاش حوالي ثمانين عاما (235 - 320 ه) (850 - 932 م) وكان موسوعي الثقافة إذ درس الموسيقى والفلسفة والأدب والكيمياء وبدأ دراسة الطب في العقد الرابع، وتأليفه الأساسي كان في الطب إذ بلغت كتبه الطبية مائة وأربعين كتابا من أقيمها كتاب «الحاوي» وكان يحث طلبته فيقول «العمر يقصر عن الوقوف على فعل كل نبات في الأرض فعليك بالأشهر مما أجمع عليه، ودع الشاذ واقتصر على ما جرب». أما ابن سينا الذي لقب ب «الشيخ الرئيس»، فقد عاش بعد الرازي بحوالي قرن (371 - 428 ه)، (980 - 1036 م) ولد في بخارى وتوفي في همدان، درس الطب في سن مبكرة، وأصبح طبيبا مشهورا، رغم أن الطب لم يكن موضوع اهتمامه الأول، بل فلسفة أرسطو، وقد ذكر بروكلمان ثمانية وستين كتابا لابن سينا في الدين والميتافيزيقا والفلك والفلسفة والشعر، بينما بلغت كتبه الطبية ستة عشر كتاباً أهمها «القانون في الطب» الذي يتميز بمنهج منسق وترتيب منطقي يجعله أقرب إلى الكتب العلمية المعاصرة. سوق «البزورية» و«مدحت باشا»: في دمشق القديمة وتحديدا في سوقي البزورية، ومدحت باشا، هناك من يجسد إلى الآن هذا التاريخ الطويل من التداوي بالأعشاب، ويسعى إلى الحفاظ على مهنة العطارة التي لم تزل حاضرة رغم ما أصاب علم الطب من تطور. يلفت انتباهك، منظر الأعشاب والنباتات الطبية في محلات العطارة، المنتشرة بكثرة في هذين السوقين، إذ تتعدد الأصناف والأنواع من كل لون وشكل ورائحة، كما تتنوع أسماؤها، وخواصها، وأشكالها، وهو ما يغري بالسؤال عنها، والبحث عن أسرارها وخفاياها. يقول العطار وبائع الأعشاب الطبية نادر بلطة جي بان «معرفة قيمة الأعشاب الطبية تستند إلى ثلاثة مصادر، أولها الوحي، وثانيها التجربة، وثالثها القياس، ويقصد به الأصفر للصفراء، والأحمر للحمراء، والأسود للسوداء... وهكذا، فالعصفر، على سبيل المثال، يميل لونه إلى الأحمر والأصفر فهو، بالتالي، يفيد الدم. وفي رده عن من يقلل من أهمية الأعشاب الطبية يقول بلطة جي، الذي درس هذا العلم على يد الأستاذ غازي النونو المستشار السابق لوحدة الطب البديل بمدينة جدة، بان «الطب الحديث الذي لا يتجاوز عمره مئتي سنة، تكمن ميزته الوحيدة في الأدوات والآلات الإشعاعية والتصويرية والمخابر المتطورة جدا»، أما من حيث الأدوية، فيتساءل: هل خلق الأطباء شيئا خارجا عن مواد الطبيعة، حيوانية كانت أم نباتية أم معدنية؟ يجيب: بالطبع لا، ويضيف بان «الفرق بين الطب القديم والطب الحديث هو أن الأطباء استخلصوا المادة الفعالة من مواد الطبيعة، وصنّعوها على شكل حبوب أو مراهم أو سوائل، وغاب عن ذهنهم بان المادة الفعالة لا تكفي لوحدها، لأن الله، سبحانه وتعالى، خلق الكون بتكامل دقيق، فإذا كانت المادة الفعالة حارة فهي بحاجة إلى مبرد»، ويضرب بلطة جي مثالا على ما يعتقد، إذ يقول لو أخذنا عشبة السنا مكي، وسكبنا عليها الأحماض المذيبة، وأخذنا منها المادة الفعالة، وتم تحضيرها طبيا فيكون من أعراض العقار المستخرج «تبرز الدم»، لكن لو تم تناول هذه العشبة في شكلها الطبيعي، وبمقادير محددة، فانه يفيد في الاضطرابات الهضمية. ويرى بلطة جي بان الطب الحديث، ومن خلال العمليات الكيميائية المعقدة، «يفقد النبات الكثير من خواصه الطبيعية المفيدة لعلاج الأمراض»، لافتا إلى أن كل الأدوية مستخلصة من مواد الأرض ولا يمكن الاستغناء عن نظريات الطب القديم، مع ضرورة الاستفادة من التطور التقني الطبي في مجال الآلات. وفي رده عن سؤال حول أن بعض المرضى يستخدمون الأعشاب لكنهم لا يشفون، يرد بلطة جي «نحن نبيع هذه النباتات غير أن الفائدة تبقى ناقصة أو معدومة بسبب سوء الاستخدام وجهل المريض بالمقادير الدقيقة المطلوبة، والمشكلة انه غير مستعد لسماع التعليمات والتوجيهات»، وهو هنا يعيد إلى الأذهان ما يقوله أبو بكر الرازي: «إذا كان الطبيب عالما، والمريض مطيعا فما أقل لبث العلة، وسرعة الشفاء». ويوضح بلطة جي «هناك نباتات إذا غليت تفقد خصائصها العلاجية، وأخرى إذا غليتها لثلاث ساعات لا تفقد شيئا من تلك الخصائص، فنبتة «شرش القبار»، مثلا، تفيد في علاج آلام المفاصل والروماتيزم، لكن اغلب المرضى لا يستفيدون منها بسبب سوء استخدام المقادير، وكيفية التناول، وكذلك الزنجبيل يفيد في عسر الهضم والتخمة وحرقة المعدة غير أن طريقة استخدامه الخاطئة لا تعطي النتائج المرجوة». وينفي هذا العطار ابتكاره لتراكيب جيدة، بل يعتمد على المركبات القديمة المتوفرة بكثرة في المصادر، وكما يقول أبقراط «العمر قصير، والصناعة طويلة، والتجربة خطيرة»، لذلك «لا أستطيع اكتشاف مركب جديد لان الأمر يحتاج إلى وقت طويل، فألجأ إلى الاستفادة من تجارب الأطباء المعروفين في التاريخ العربي الإسلامي، مثل الرازي، وابن سينا، وداود الإنطاكي، وابن البيطار، والزهراوي...وغيرهم». وبحكم خبرته الواسعة فانه يحصي أنواعا كثيرة من النباتات الموجودة في محله، ويعدد فوائدها، فمثلا نبتة ستين الفيل» تفيد في تفجير أكياس الماء، و«طلع النخيل» الذي يستخرج من كيزان النخيل الذكر يفيد في الإخصاب، و«الكبابة» التي هي عبارة عن بذر شجرة في الهند يفيد في تصفية الصوت ويفتح شرايين الرئة، ويعالج الزكام، أما «بذر الكرفس» فيستخدم في إنزال الحصى من الكلية، بينما يعتبر «حب البط» مهيج جنسيا ويؤدي إلى السمنة. ويقول بلطة جي بأنه يحصل على هذه الأعشاب من الجبال والبوادي والبساتين في سوريا، كما يستورد عددا منها من دول الخليج العربي مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وكذلك من بعض دول شرق آسيا كالصين والهند وغيرها، ويضيف بأن زبائنه، فضلا عن السوريين، هم من مختلف الدول العربية كالأردن، ولبنان، ودول الخليج العربي، غير أن الأجانب - وفق خبرته - حذرون في التداوي بالأعشاب والنباتات، وهم يعتمدون على العقاقير والأدوية الكيميائية الحديثة. العطار محمد دركل الذي يعتبر واحدا من أشهر عطاري دمشق، والذي ورث الخبرة عن أجداده الذين عملوا في هذه المهنة منذ 250 عاما، يقول بان «التداوي بالأعشاب الطبية طريقة قديمة جدا قدم الإنسان على هذه الأرض، وجاء الأطباء العرب فيما بعد، مثل ابن سينا الذي يعتبر مؤسس علم الطب، ليطوروا هذه الطريقة»، ويضيف دركل بان «كل منطقة جغرافية تشتهر بأنواع معينة من الأعشاب والنباتات، فهناك أعشاب تشتهر بها القارة الأفريقية، وأعشاب أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك أعشاب تشتهر بها دول شرق آسيا» وغيرها من الأماكن التي تعتبر مصدرا للأعشاب الموجودة في محله، فضلا عن البيئة المحلية السورية التي تتوفر بدورها على أعشاب منوعة. ويوضح العطار دركل بان بعض الأعشاب تنمو في العراء والبوادي بشكل طبيعي وحسب المناخ، وأعشاب أخرى يتم زرعها. ويدافع دركل عن مهنة العطارة التي تعتبر، في رأيه، مكملة لمهنة الطب الحديث، وهو يعدد بدوره بعض الأعشاب الطبية وخواصها العلاجية، فيقول بان «الزعتر البري» يفيد في التهاب القصبات والسعال، ونبتة «البابونج» المشهورة في منطقتنا تفيد في حالات تشنج الكولون، وتعقم الأمعاء، ونبتة «المليسة» مهدأة للأعصاب، ونبتة «دار فلفل» منشطة للأعصاب، ومقوية للجسم، بينما نبتة «الكركديه» التي تشتهر بها السودان فهي من المنشطات التي تمنح الطاقة للجسم، أما عشبة «كف مريم» فموطنها القارة الأفريقية وهي مفيدة لمرضى السكري ولتنظيم الدورة الدموية، وأما «ورق البوردو الفرنسية» فهو يفيد الكبد، و«زهرة الألماسة» تفيد في تنشيط الكلية، وهي مدرة للبول، و«العشرق» يعد ملينا للمعدة، ونبتة «الهندي شعيري» تفيد في تخفيض حمض البول، ونبتة «مُر مكي» تفيد في تنقية البشرة من الكلف والزيوان وماشابه، و«الدمسيسة» التي وصفها ابن البيطار وصفا دقيقا فأنها تفيد في الآلام المعدية المصحوبة بالتقلص، و«الخلة البلدي» ورد وصفها في كتب ابن سينا وابن البيطار وذكر كلاهما أن مرارتها شديدة، ولها فائدة كبيرة في علاج المغص الشديد. والصبار الذي يرد ذكره في المراجع العربية القديمة بإسهاب فهو يفيد في أمراض الجلد والمعدة. موفق عبد الوهاب الجبان ورث، بدوره، المهنة عن أجداده الذين عملوا في هذه المهنة منذ 300 سنة، وهو يؤكد على أهمية التداوي بالأعشاب، ويشدد على ضرورة تناولها بمقادير وأوقات صحيحة، ويستشهد بمثل يدلل على أهمية مهنته، فيقول «لكل داء دواء»، وهذا الدواء موجود في مواد الطبيعة التي خلقها اله عز وجل على أكمل وجه، فهناك أدوية للصداع، وأخرى للجهاز الهضمي، وثالثة للجاهز التنفسي، وكذلك ثمة أدوية للتنحيف، وللتجميل، وللعجز الجنسي، وللإخصاب.. الخ، وهو يقول إن هذه النباتات يستوردها من الهند، والصين، وكوريا، وسيلان وغيرها، فضلا عن الأعشاب المحلية، ويركز، في حديثه، على نبات «الجنسنغ» ومصدرها الصين وكوريا، وهي مؤلفة من مقطعين «جين» وتعني الإنسان و«سينج» وتعني الحياة، وقد استخدمها الأطباء اليونانيون قديما لعلاج الكثير من الأمراض ومنها هبوط ضغط الدم، وتنشيط خلايا الجسم، والالتهاب. ويمضي الجبّان في تعداد بعض النباتات وفوائدها فيقول، نبات «العرقسوس» عرفه القدماء المصريون، والرومان، والعرب واكتشفوا بان منقوعه المخمر يفيد في حالات القيء والتهيج المعدي، وهو يستعمل الآن لتحضير مستحضرات صيدلية مختلفة تفيد في علاج قرحة المعدة، والقيء الذي يصاحب الحمل، أما «حبة البركة» التي وصفها ابن البيطار والرازي فقد ذكرا بأنها تفيد في علاج بعض الأمراض الصدرية. بينما «الحنة» التي وصفها القدماء المصريون والعرب عرفوا بان عجينتها المخمرة تفيد في علاج الأمراض الجلدية المزمنة، ونبات «حلف البر»، وهو نبات معمر ينمو في المناطق الجبلية وفي صحراء مصر وعلى شواطئ البحر الأحمر، يستعمله البدو في الصحراء على هيئة مغلي في أمراض الكلى، والمسالك البولية. وعن أسعار هذه الأعشاب يقول الجبّان بان أسعار الأعشاب المستوردة تكون أغلى إذ يصل سعر الكيلو غرام الواحد إلى حوالي 2000 ليرة سورية، بينما سعر الكيلو للنبتة المحلية فيكون تقريبا 500 ليرة سورية (الدولار الأمريكي يعادل 54 ليرة سورية). معن البري الذي يملك محلا للعطارة في حي القصاع بدمشق ورث المهنة عن أجداده، وهو يهتم كثيرا بالتراكيب المبتكرة، ويتحدث عن وصفة تلفت الانتباه، فهو يجلب حيوان «السقنقور» من الهند وهو يشبه الضب، يقوم بتجفيفه، ويخلطه مع العسل، ونبتة الجنسنغ، وغذاء الملكة، وغبار طلع النخيل لينتج منه مركب يفيد في علاج بعض الأمراض أهمها الضعف الجنسي، وابتكر تراكيب كثيرة أخرى تفيد في النحافة، والتجميل لكنه آثر عدم الكشف عن النباتات المستخدمة في هذه الخلطات والتراكيب، فلكل مهنة أسرارها. إن التداوي بالأعشاب هو طريقة علمية ناجعة للشفاء من الأمراض، وهذه الطريقة تختلف كثيرا عن تلك الطرق التي يستخدمها المشعوذون والدجالون والسحرة، فالأعشاب والنباتات الملونة والجميلة التي تمنح الطبيعة سحرا خلابا، تمنح كذلك الإنسان الشفاء والراحة، لكن شريطة أن يتم استخدامها بالطرق العلمية الدقيقة والمجربة، ونظرا لحساسية هذه النقطة فقد أنشئت الكثير من مراكز البحث العلمي، والمعاهد، والجامعات المتخصصة في تطوير أبحاث التداوي بالأعشاب، وحتى منظمة الصحة العلمية راحت تهتم بهذه الأعشاب بعد أن أثبتت الأبحاث العلمية، والتجارب الإنسانية على مدى التاريخ بان هذه الأعشاب تحوي مركبات علاجية هامة، وفعالة، وذلك مصداقا لقوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.