أدى اصرار رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون على عدم التعقيب على الشبهات المنسوبة اليه بالتورط في قضايا فساد وتأكيده انه لا يفكر اطلاقاً في الاستقالة او حتى تعليق مهماته طوعاً، الى اخلاء الميدان لتكهنات المعلقين في الشؤون الحزبية وتحليلات الخبراء في القانون الذين بدوا هم ايضاً منقسمين في قراءة ما سيحصل تماماً كما لدى قسم التحقيق في الشرطة الاسرائيلية والنيابة العامة ادلة جديدة قاطعة تدين شارون بالضلوع في القضية، وسط توقعات بأن تستنأف الشرطة قريباً تحقيقاتها مع رئيس الحكومة لتتمكن من بلورة توصياتها النهائية. بات واضحاً ان مصير شارون السياسي رهن بيد المستشار القضائي الجديد للحكومة المفترض انتخابه الاحد، وسط احتمالات قوية بأن يفوز بالمنصب معاون المستشار السابق ميني مزوز. وطبقاً للقانون الإسرائيلي فإن المستشار هو صاحب القول الفصل في تقديم لوائح اتهام او عدمه، علماً ان مزوز ملم بتفاصيل تحقيقات الشرطة مع شارون وملف رجل الاعمال ابل، لكنه سيحتاج اسابيع ليحسم موقفه. الى ذلك سارعت وزارة القضاء الى نفي نبأ بثته القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي افاد ان المدعية العامة عدنة اربيل تميل الى اعداد لائحة اتهام ضد شارون بتلقيه الرشوة من أبل لقاء استغلال نفوذه كوزير في حكومة بنيامين نتانياهو عامي 1998 - 1999 لدفع المشاريع الاقتصادية التي خطط لها. وقال بيان صادر عن الوزارة ان اربيل لم تبلور بعد أي توصيات او موقف نهائي في هذا الصدد. ورأت جهات قضائية ان محور التحقيق سيدور حول السؤال هل كان شارون على علم بأن الاموال التي حولها رجل الاعمال لنجله غلعاد شارون هي بمثابة رشوة وهل ادرك ان رجل الاعمال ينتظر الحصول على امتيازات لقاء هذه الاموال وهل تملك الشرطة ادلة قاطعة تثبت ارتشاء شارون. وتابعت ان الرد على هذا السؤال يستوجب اجراء تحقيق بوليسي آخر مع شارون توقعت ان يتم في غضون ايام. وأقر خبراء في القانون بصعوبة تبديد الضباب الكثيف الذي يكتنف القضية والصعوبات الجمة التي تواجه النيابة العامة في حسم موقفها لكنهم اختلفوا حول ما اذا كان تقديم لائحة اتهام ضد شارون سيعني اضطراره الى تقديم استقالته او تجميد مهمات منصبه الى حين بت المحكمة نهائياً في التهم الموجهة. واستهجن الاستاذ الجامعي في القانون الدكتور زئيف سيغال قيام النيابة بتقديم لائحة اتهام ضد دافع الرشوة واستثناء المرتشي منها وكتب في صحيفة "هآرتس" ان الامر "غير عادي بل نادر ومستهجن، للوهلة الاولى" مضيفاً ان الراشي والمرتشي موجودان في سفينة واحدة وان ثمة حاجة الى مسوغات قوية لتبرير عدم تقديم لائحة اتهام ضد ملتقي الرشوة، متسائلاً كيف يمكن لأدلة قاطعة، في رأي الادعاء العام، تدين دافع الرشوى أن لا تكون كافية لإدانة المتلقي. واشار البروفيسور في القانون يوفال ليفي في "معاريف" الى ان جناية تلقي الرشوة اخطر من جناية دفعها وان متلقي الرشوة تعرضوا في كل الحالات لأحكام صارمة اكثر من الراشين لكنه استدرك ليقول انه ينبغي اثبات ان المتلقي عرف بالتأكيد انه يتلقى رشوة. وتابع ان تقديم لائحة اتهام ضد رئيس حكومة هو قرار صعب بل مصيري يحتاج الى كثير من الاجراءات المعقدة "وعليه فإنه في حال توقع احتمال ضئيل ببراءة المشبوه بارتكابه جناية فإن الادعاء العام يتفادى تقديم لائحة اتهام ضد رئيس حكومة". ويشير المحاضر الجامعي الى ان القانون لا يلزم منتخب جمهور بالتنحي او تجميد مهمات منصبه طالما لم تقدم ضده لائحة اتهام "اما في حال تقديمها فيتوقع منه الاستقالة من الناحيتين العامة والاخلاقية". أدلة النيابة من جهته، استبعد القاضي المتقاعد أمنون سترانشوف ان تكون في حوزة الادعاء العام، أدلة تدين شارون او نجله، وقال لاذاعة الجيش انه لو توافرت مثل هذه الادلة لما انتظر الادعاء العام حتى الآن. وزاد ان استثناء المشبوه بالارتشاء من تقديم لائحة الاتهام ضده "نادر لكنه قائم" في حال لم تكن للملتقي "نية جنائية". واقتبس من قرار للمحكمة العليا اكد احتمال ان يكون المتلقي بريئاً من تهمة الارتشاء. ورداً على سؤال حول ما اذا كان شارون سيضطر الى الاستقالة في حال قدمت ضده لائحة اتهام قال القاضي ان القانون لا يلزمه ذلك لكن ثمة سابقة تنحى فيها وزير عن منصبه بعد تقديم لائحة اتهام ضده. وبينما اكدت اوساط قريبة من شارون اصراره على عدم الخروج عن صمته وعدم تقديم روايته لعموم الاسرائيليين حول ما جاء في اللائحة ضد رجل الاعمال أبل، بادر شارون نفسه الى الاتصال بعدد من كبار الصحافيين الاسرائيليين لينقلوا عنه ان لا نية لديه للاستقالة من رئاسة الحكومة: "لا اليوم ولا غداً ولا في السنة المقبلة" ونصيحته لخصومه السياسيين بعدم التسرع بتجهيز البدلات. وقال لصحيفة "يديعوت احرونوت": "اؤكد انني لا اعتزم الاستقالة. انا منهمك حتى ساعات الليل في معالجة قضايا مهمة سياسية وأمنية واقتصادية ومحاربة الجريمة والتحضير للمحكمة الدولية في لاهاي... ولست راغباً في التفرّغ للتعقيب على امور هي قيد الفحص". وفي حديثه ل"معاريف" سخر شارون من الترويج لاستقالته واعتبره هراء. ونقلت الصحيفة عن مصادر في مكتب شارون ان مماطلة الادعاء العام في حسم موقفه من الشبهات المنسوبة الى رئيس الحكومة ليست في مصلحته بل تساهم في "خلق الانطباع" وكأن شارون ضالع حقاً في الفساد. ودعت المصادر النيابة العامة الى الانتهاء من بلورة توصياتها بسرعة "لتمكين شارون من الدفاع عن نفسه واثبات براءته".