شكل اختيار المرشد العام ل"الإخوان المسلمين" أزمة تنظيمية عميقة لم تتوقف آثارها وتداعياتها منذ عام 1950، وما زالت تنعكس على الأداء القيادي للجماعة وتلقي بظلال كثيفة على صدقية القيادة ومدى شرعيتها التنظيمية. ففي اثر وفاة مرشد الجماعة ومؤسسها حسن البنا عام 1949 كان اختيار مرشد يعقبه أزمة كبيرة لم تتوقف تداعياتها، وبعد فشل الهيئة التأسيسية في اختيار خليفة للبنا، تحركت مجموعة قيادية لاختيار المستشار حسن الهضيبي الذي لم يكن معروفاً بانتمائه الى الجماعة، ويبدو أن علاقته كانت مباشرة بالبنا وبمجموعة محدودة من الإخوان، وكان عمره عند وفاة البنا نحو 62 عاماً كان عمر البنا عند وفاته 43 سنة. وربما وجد بعض قادة الإخوان في الهضيبي، بما يمثله من موقع اجتماعي وعمر زمني، موضع إجماع لدى جماعة يغلب عليها الشباب والتنافس بين المجموعة التالية للبنا، كما يبدو أن شخصية البنا وديناميكيته حجبتا الصف الثاني من الجماعة. ودخل الهضيبي منذ توليه القيادة في أزمات كبرى لم تكن في خطورتها وعمق أثرها أقل من الاعتقالات والتصفيات التي تعرضت لها بين عامي 1954 و1970، فانقسمت القيادة انقساماً عميقاً بين مؤيدين للهضيبي ومعارضين له، وجرت عمليات فصل لمجموعة من القادة مثل محمد الغزالي وصالح العشماوي، وكان ثمة خلاف كبير مع وكيل الجماعة عبدالقادر عودة. وحدثت مواجهة كبرى لم تتوقف تداعياتها حتى اليوم مع النظام الخاص للجماعة، اذ كان هذا التنظيم العسكري للجماعة حلقة مغلقة لا تعلم عنها قيادة الجماعة شيئاً ولا تضبطها، وعندما حاول مكتب الإرشاد تغيير مجموعة القيادة في النظام، وهم: عبدالرحمن السندي ومصطفى مشهور وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ، دخل النظام الخاص في معركة مع المرشد ومؤيديه، فقتل أحد قادة النظام الخاص المؤيدين للهضيبي، وهو سيد فايز، وأطلقت النار في القلب تماماً على صلاح شادي أحد القادة العسكريين في الجماعة والذي كان يقود مجموعة من الضباط والعسكريين الإخوان، وكان شادي مؤيداً للهضيبي، لكن مصحفاً صغيراً كان يحمله في جيبه تلقى الرصاصة، فاقتحمت مجموعة كبيرة من النظام الخاص بيت الهضيبي ونقلته بملابس البيت "الجلابية" إلى المركز العام لإجباره على الاستقالة، وكان مرتباً لإعلان صالح العشماوي مرشداً عاماً في عملية انقلاب عسكرية داخل الجماعة، لكن صلاح شادي تحرك بسرعة مع مجموعة من العسكريين الإخوان واقتحموا المركز العام بقوة السلاح وأجبروا العشماوي وجماعة النظام الخاص على المغادرة بالقوة، وأعلن عن إعادة تشكيل النظام بقيادة يوسف طلعت، وفصل قادته ومجموعة من أعضائه. وتوافقت الأزمة الداخلية الكبرى مع أزمة الإخوان مع عبدالناصر، ويبدو أنه استقطب مجموعة كبيرة من قادة النظام الخاص وأعضائه، ومما عرف عن أحدهم وهو نجيب جويفل، الذي كان هرب من مصر عام 1948 بعد مجموعة عمليات قام بها النظام الخاص، مثل تفجير المحكمة واغتيال القاضي الخزندار، وظهر بعدما أمضى سنوات في الأردن وسورية والكويت باعتباره أحد الإخوان الفارين من عبدالناصر ضابطاً برتبة عميد ثم لواء يعمل بصفة رسمية ديبلوماسية منسقاً مع الحركات الفلسطينية في الأردن ثم في بيروت، وغادر عمان في أزمة عام 1970 على طائرة الرئيس السوداني السابق جعفر النميري عندما حضر إلى عمان في محاولة للتوسط بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفدائية الفلسطينية، ثم توفي وقيل إنه اغتيل في المغرب عام 1974. وربما بسبب المعلومات التي نشرها الإخوان المشاركون في الأحداث مثل صلاح شادي ومحمود عبدالحليم وغيرهما في الثمانينات عندما كان مصطفى مشهور هو الرجل القوي والقائد الحقيقي للجماعة، فإن أحداً لم يشر إلى دوره الحقيقي في الجماعة، وكان أحد القادة الخمسة للنظام الخاص المفترض أنهم فصلوا من الجماعة، لكنه اعتقل مع الإخوان في الخمسينات والستينات. وفي السبعينات أعاد مصطفى مشهور مع رفاقه في النظام الخاص تشكيل الجماعة في ظروف كانت القيادة الشرعية مغيبة في السجون والمنافي، وأعلن بعد وفاة الهضيبي عام 1973 أنه جرى اختيار مرشد سري للجماعة، وأعلن محمد عبدالرحمن خليفة المراقب العام للإخوان في الأردن ناطقاً رسمياً باسم التنظيم العالمي للإخوان، وكانت القيادة الحقيقية المعلنة تتكون كما يبدو من مصطفى مشهور ومجموعة من القادة مثل كمال السنانيري وأحمد الملط وعباس السيسي. ويبدو أن هذا التشكيل تم بانقلاب سلمي دبره النظام الخاص للجماعة، وهكذا نجحت هذه المجموعة في ما فشلت فيه عام 1953، وغيبت الهيئة التأسيسية للجماعة ومكتب الإرشاد بفعل مبادرة النظام الخاص والتقادم وكبر السن ووفاة الكثير منهم واعتزالهم. لكن الكثير من قادة الجماعة اعتبروا ما حدث انقلاباً غير قانوني، وحاولوا دعوة الهيئة التأسيسية لاختيار مرشد عام بطريقة صحيحة، ولم تنجح هذه المحاولات، وإن تم التوافق على إعلان عمر التلمساني مرشداً عاماً للجماعة باعتباره أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سناً، ووضعت لائحة للتنظيم العالمي للجماعة لم توضح بعد كيف يتم اختيار القادة وأعضاء مكتب الإرشاد في مصر. وكان اختيار محمد حامد أبو النصر موضع تساؤل وملاحظات أيضاً، اذ لم يكن أكبر الأعضاء سناً، واستبعد أكبرهم الدكتور حسين كمال الدين الأستاذ في الجامعات المصرية والخليجية، واختير أبو النصر الذي لم يتم تعليمه الثانوي. وعندما توفي كمال الدين لم يشر إليه في ما أتذكر أحد من كتاب الإخوان وصحافتهم مثل لواء الإسلام والدعوة والمجتمع، ولكنني أستمد هذه المعلومات من مقالة نشرت في مجلة "الفيصل" السعودية لأحد قادة الإخوان المسلمين السابقين. وكان أبو النصر عند اختياره رجلاً طاعناً في السن، وتبدو إمكاناته متواضعة، وكان من الواضح أن القائد الحقيقي للجماعة هو مصطفى مشهور. ويبدو أن مشهور على رغم ديناميكيته وقدراته الكبيرة وسيطرته التامة على مقاليد الجماعة كان يواجه أزمة كبيرة تتمثل في أنه ليس عضواً في الهيئة التأسيسية ويملك تاريخاً غامضاً، وليس مقبولاً من القادة التاريخيين للجماعة، وكان محتاجاً الى مرشد عام واجهة من أعضاء مكتب الإرشاد التاريخيين، وكان بالطبع يفضل اختيار مرشد سري وهمي أو حقيقي يتحرك من خلاله، ولم يكن التلمساني خياره المفضل، لكن الاحترام الذي كان يتمتع به الأخير اضطره للقبول به، وإن أحاطه بسكرتير متنفذ، هو إبراهيم شرف الذي توفي أخيراً، وبمجموعة قيادية لا تسمع للتلمساني وإنما لمشهور. واختير مشهور مرشداً عاماً للجماعة بعد وفاة أبو النصر عام 1996، وهو اختيار تم أثناء جنازة أبو النصر وعلى نحو معد سلفاً، أو تحصيل حاصل، وليس انتخاباً حتى بحسب اللائحة البائسة وغير المنطقية للنظام الدولي. لكن مشهور الرجل القوي الذي أمسك بالتنظيم في مصر وقهر كل القادة والخصوم والمنافسين قهره المرض والتقدم في السن، ورحل عن الدنيا مسلّماً الجماعة لنائبه الذي دخل الجماعة بعد الخمسين من عمره، في سبعينات القرن العشرين، وهو في نظر قادتها التاريخيين ليس من الإخوان، ولم يكن الرجل في حال من الصحة تسمح له بقيادة الجماعة. وبقي السؤال معلقاً: هل للجماعة في مصر مجلس شورى وهيئات منتخبة وهيئات عمومية تنتخب المرشد العام والمكتب التنفيذي؟ وهل تجري انتخابات بالفعل؟ * كاتب أردني.