شهد مكتب آية الله علي السيستاني في النجف خلال الأسبوعين الماضيين نشاطاً متزايداً شمل تحركات ولقاءات مكثفة بدت كأنها رد على مواقف أميركية اتسمت باللامبالاة ازاء طروحات المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق. وكان أبرز تلك اللقاءات اجتماع عشائر السماوة والرميثة مع السيستاني ومخاطبته لهم ب"أبناء ثورة العشرين" فضلاً عن دعوته اياهم الى التمسك بخيار الانتخابات. وقال الشيخ عدنان آل خوام، شيخ مشايخ بني زريج في الرميثة 350 كلم جنوببغداد التي شهدت الطلقة الأولى لثورة عشائر الرميثة وعشائر الفرات الاوسط عام 1920 ضد الاحتلال البريطاني في تصريح إلى "الحياة" ان السيستاني أوصاهم لدى اجتماعهم به "بثلاثة امور مهمة: الأول يقضي بالامتناع عن التعامل مع سلطات التحالف ورفض المشاركة في أي حكومة او كيان تقيمه أميركا في العراق بديلاً من حكم الشعب. والثاني، اللجوء إلى التظاهرات والاحتجاجات ومناشدة العالم الوقوف مع العراق وفضح النيات الأميركية وكل اعداء العراق. والثالث، العمل على توحيد صفوف الشعب ومحاربة دعوات التفرقة من أي جهة صدرت والعمل على توضيح الأمور والمواقف لئلا تكون هناك إساءة لهذا الطرف أو ذاك، والتأكيد المطلق أن العمل هو للعراقيين بكل أطيافهم ومذاهبهم وأديانهم وأعراقهم، وان المطلوب ليس قيام حكم طائفي، بل حكم ينهض على الحق والعدل والانصاف في أجواء الحرية، ووسيلته وآليته الديمقراطية ولا شيء غيرها". ووصف الشيخ الخوام لقاء عشائر بني زريج والرميثة والسماوة مع السيستاني بأنه "رسالة موجهة يتحتم قراءتها بشكل جيد من كل الذين يرغبون حقاً في تفادي الانزلاق إلى مستنقع". وقال: "يتردد بين العراقيين الآن سؤال مفاده: ما هي الضمانات في حال اخلال الطرف الآخر الأميركي بما ترتب عليه من التزامات وتعهدات؟ ان مسألة ضمان الالتزامات لا تتحدد بالوثائق المكتوبة أو الأقوال المعلنة على رغم أهميتها. فالدستور الذي يريده العراقيون لا يمكن الوصول اليه الا بضمانات من نوع آخر، ضمانة الحضور الشعبي الذي تجسد بعضه يوم الجمعة الماضي حيث كان للحضور الشعبي دوره الذي نؤمن انه سيؤدي وظيفة حماية العملية السياسية المفضية إلى تحقيق حكم العراقيين لبلدهم وصولاً إلى عودة السيادة ونيل الاستقلال الناجز". وقارن الشيخ عدنان، نجل الشيخ خوام آل عبد العباس، أحد أبرز زعماء ثورة العشرين، والذي قاد فيما بعد ثورة 1935 التحررية، بين ما يجري الآن وما جرى قبل ثورة العشرين، فذكر بأن بريطانيا اخطأت قراءة الساحة العراقية عندما احتلت العراق سنة 1914 معلنة أنها جاءت "محررة لا فاتحة" فصدقها العراقيون، ولكنهم اكتشفوا بعد حين تنكر القادة البريطانيين للوعود التي قطعوها، وكانت وعوداً مكتوبة، فقامت ثورة العشرين، واطلق أهل الرميثة الرصاصة الأولى ليجبروا الإنكليز على التسليم لارادة العراقيين واقامة حكم وطني دام 38 عاماً. واكد أن اتصالات جرت بعد الاجتماع وقبله مع جميع رؤساء العشائر العراقية على اختلاف مذاهبهم للتحضير لمؤتمر عشائري عراقي شامل، نحقق به ومن خلاله التلاحم العراقي المطلوب للوقوف وقفة رجل واحد". ووصف موقف السيستاني بأنه شمولي، وأكد أن "الأميركيين لن يلوموا الا انفسهم عندما يحاولون تجاهل تحقيق ما اعلنوه، لكنهم سيكسبون حب العراقيين وتقديرهم إذا صدقوا في تعاملهم وتعاملوا معنا بشفافية وسمحوا للعراقيين بحكم انفسهم وفق المفاهيم الديمقراطية"، لافتاً إلى "شكوك تراود العراقيين في شأن حضور إسرائيلي لافساد النيات الحسنة والمساعي الحميدة للأميركيين". وحذر "عندما نكتشف بالأدلة العملية والبراهين المؤكدة وجود هذا الحضورفسنواجه عندها كل تصرف أو اجراء يقدم عليه الأميركيون بالشك والظن والريبة، لأننا نؤمن تماماً أن الإسرائيليين لا يريدون الخير لنا ولا لأميركا ايضاً". وتُوّجت نشاطات مكتب السيستاني بتواصل مع مراجع دينية من المذاهب السنية، واستقبل مكتب المرجع الشيعي عدداً من علماء هذه المذاهب الذين أكدوا رغبتهم في إيجاد أرضية مشتركة للعمل. ويشير رحيم أبو رغيف، أستاذ الفلسفة في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، الى احتمال التوصل إلى وفاق إسلامي في العراق لوجود إجماع عام بين المسلمين. وأضاف أبو رغيف، الذي كان أحد الذين شاركوا في الحوار مع علماء المذاهب السنية ان "الطروحات مشجعة". وقال: "المطلوب فقط تفعيل هذا التوجه". ولفت الى "أن أكثر من خطر داهم يهدد البلد بالتقسيم والتشرذم، في وقت تتحدث المعلومات عن وجود إسرائيلي في العراق يتخذ أشكالاً مختلفة عبر هيئات ومؤسسات تؤثر في السياسة الأميركية في العراق". ودعا المرجعيات الدينية الى "توضيح موقف شعبنا الرافض لهذا الوجود بما يفوّت الفرصة على الإسرائيليين".