السياسة في دنيا العروبة والعرب تؤخذ غلاباً الشوكة والغلبة والعصبية بحسب ابن خلدون، فمثلما تؤخذ السلطة بالسيف لا تعطى إلا بالسيف، ونظراً لخبرتها الدموية المتشكلة في تاريخ حروبها الأهلية التي بدأت منذ منتصف القرن الأول الهجري مع توقف الفتوحات العربية والاسلامية، وصل الأحفاد العرب المعاصرون الى تجريد شعوبهم، ليس تجريدهم من السيوف وسكاكين المطابخ فحسب بل وحتى من الأظافر، على رغم أن سيوفهم المصلتة على رقاب شعوبهم تتحول إلى سيوف خشبية أمام سيوف الأعداء... انطلاقاً من سياسة التسييف والسياف هذه أنتجت السلطة العربية المعادل الثقافي ل"السياف السياسي" في صورة وعاظ السلاطين على مر السنين وصولاً إلى الرفاق الهتافين لا صوت يعلو فوق صوت المعركة في اتحادات الكتاب العرب وبخاصة الثورية منها، التي أبادت بقعقعتها البلاغية حتى ممكنات "الشعر المهموس". لهذا كانت أبرز مهمات اتحاد الكتاب العرب التي تميز هويته في بلادنا طرد أدونيس لأنه تطبيعي ولأن صوت روحه الشعري الكوني أعلى من صوت معركة "الصمود والتصدي" التي يخوضها الاتحاد، كذلك سيطرد لاحقاً هاني الراهب للأسباب ذاتها، وسيفصل نبيل سليمان من الاتحاد لأنه كتب رواية "جرماتي" غبّ حرب تشرين لأنها لم تهتف "وان هلهلت هلهلنالك" مثلما هتفت رواية "صخرة الجولان" لرئيس اتحاد الكتاب العرب الرفيق المناضل علي عقلة عرسان، الذي صوّت بكامله على روايته - كرئيس- كونها واحدة من افضل مئة رواية عربية في القرن العشرين. وباعتباره رئيساً لاتحاد كتاب العرب كلهم فهو مسؤول قومياً عن درجة الحرارة النضالية للكتاب العرب: الأشاوس منهم والمتخاذلون من أمثال الأدباء والكتاب العراقيين الذين راح يوبخهم في الجزائر لتخليهم عن رفيقهم الطاغية صدام حسين، وكأنهم لم يكفهم بعثهم وطاغيتهم عراقياً، حتى يتحملوا "بعث الأشقاء السوريين" ورؤساء اتحادات كتابهم. فما هي المهمات التي يضطلع بها هذا الاتحاد ؟ - رصد مبالغ لإفساد الثقافة عبر رشوة الكتاب الشباب من خلال طباعة انتاجهم بغض النظر عن قيمتها، ومن ثم إعطاء أذونات السفر، والتعويضات بالدولار، والطباعة المجانية، من اجل "تحشيدهم" حول سياسة الدولة والحزب، وذلك هو تعريف الديموقراطية في سورية، ومن ثم فرزهم وفق درجة ولائهم للإفادة من مواهبهم في كتابة التقارير الأمنية. وكنا ناقشنا هذا التعريف للديموقراطية - الذي قدمه نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام - على صفحات جريدة "الحياة" منذ زهاء سنتين. - إفساد الكتاب العرب قومياً لاستتباعهم وإلحاقهم بقاطرة سياسة الحزب والدولة ديموقراطياً. ومن نتائج ذلك، شق اتحاد الكتاب الفلسطينيين، فما دام تم شق منظمة التحرير سياسياً، فلا بد من شقها أدبياً. - تشكيل فروع الاتحاد في المحافظات وفق معايير "حيلّلا" أي شيء بالتعبيرالشامي او "أي حاجة" بالتعبير المصري، المهم الولاء للحزب والدولة، أي أن "حيلّلا"، تعني المخلوق الإضافي، الصالح كحشوة، كملاط بشري يمكن استخدامه في كل الزوايا ل"لأم" الفجوات، والفراغات، فهو صالح ل"حيلّلا" مكان. - ما نشب رئيس الاتحاد أن أتى للرئاسة السرمدية التي بدأت منذ أكثر من ربع قرن حتى استولى على مهمات وزارة الاعلام في الرقابة على الكتب. فلنتصور أي كتّاب اولئك الذين يطمحون في منازعة الإعلاميين على دورهم الرسمي في الرقابة! كل ذلك في سبيل أن يضع تحت سلطته الكتّاب الذين تمردوا على صورة ان يكونوا "حيلّلا" فأبوا أن يكونوا في قطيعه، ولدينا وثيقة تثبت أن الرقيب لم يطلب منا حذف بعض الجمل والعبارات والمقاطع من نص كتابنا فحسب، بل ويطالبنا بحذف جمل لطه حسين، وذلك في كتاب لنا عن الأخير، حيث لم يستطع "الوعي الثوري" للرفيق الاتحادي الرقيب البعثي أن يحتمل هرطقات طه حسين ؟! كنا نعتقد أن الوعي الثوروي لعلي عقلة عرسان هو المتشبع بهذه الروح المتوثبة امنياً للقمع الثوروي لآراء أعداء الثورة والحزب، فتبين لنا أن هذا الرعيل تناسل عن مثالاته وأمثاله مكرراً ذاته ولكن بأسلوب المسخرة! فكم كنا شنعنا أو نعينا على هذا الشيخ العجوز أنطون مقدسي تمسكه بمنصبه في وزارة الثقافة، لنكتشف اليوم أن الرجل كان يمتلك مقاماً مهاباً واحتراماً للذات - على الاقل - يخوله ألا يتلقى أوامر أمنية بنشر هذا الكتاب أو منع ذاك كما هي الحال مع ورثة موقعه اليوم!