بإعلان الجوائز مساء اليوم السبت في جزيرة الليدو في مدينة البندقية الإيطالية يُسدل الستار على الدورة ال 60 لأعرق مهرجان سينمائي في العالم، فهو دُشّن في شهر آب اغسطس 1932 وتوقف إبان الحرب العالمية الثانية وأحداث ربيع 1968 التي اجتاحت أوروبا. وتميّزت هذه الدورة بالعديد من الظواهر. ففيما سجّلت أوروبا انتعاشاً سينمائياً ملحوظاً ترسّخ لدى الجميع اقتناع بأن السينما الأميركية خصوصاً الهوليوودية تعاني من جزر كبير في الأفكار الجديدة، إلى درجة أنه يمكن القول أن "أجمل فيلم أميركي في المهرجان جاء من المكسيك!". وهو "21 غراماً" للمخرج المكسيكي الأصل أليخاندرو إينياريتو الذي أدى بطولته شون بين و بينيتشو ديل تورو وناعومي ووتس. وهو فيلم مرشح لأكثر من جائزة، وفي مقدمها جائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم وجائزة التمثيل النسائية التي إذا ما منحت لناعومي ووتس فإنها ستكون مستَحقة بشكل عادل. كان الحضور العربي من ابرز ظواهر مهرجان، بعدما غاب العرب عنه بشكل مزمن وغير منطقي. ولم تقتصر فرادة الحضور على نوعية الأفلام والتصفيق الذي قوبلت به بل شملت ما أثاره من اهتمام لدى جمهور النقاد. شريط "طائرة ورقية" للبنانية رندة الشهال الصبّاغ صفق له الجمهور لأكثر من عشرين دقيقة وأضطرت المخرجة، وطاقم الفيلم، إلى المغادرة والتصفيق مستمر لئلا يؤثر وجودها في القاعة الكبرى للمهرجان على سير العروض التالية المبرمجة. كذلك كانت الحال بالنسبة الى شريط الجزائري عبد الكريم بهلول "الشمس المُغتالة" الذي تناول فيه حياة واغتيال الشاعر الجزائري الفرنسي الأصل جان سيناك. إلاّ أن الاستقبال الأكبر والتصفيق الأطول خصصه جمهور القاعة الكبرى للنجم العربي الكبير عمر الشريف الذي مُنح جائزة "الأسد الذهبي للحياة الفنية" وشارك في المهرجان بدور رائع في فيلم "السيد إبراهيم وأزاهير القرآن" من إخراج الفرنسي فرانسوا ديبوران. شكل كل ذلك مؤشراً الى عافية بعض الإنتاجات العربية ودعوة شديدة للسينمائيين العرب لأن يهتموا بنوعية الإنتاج وإلى السينما المصرية خصوصاً من اجل وقفة مراجعة لانطلاق جديد. فيلما رندة الشهال المسابقة الرسمية وعبدالكريم بهلول مسابقة برنامج عكس التيار يخوضان منافسة صعبة على جوائز المهرجان، خصوصاً امام أعمال ك "العودة" للروسي أندريه زفياجينيتسيف و"صباح الخير إيها االليل" للإيطالي ماركو بيللوكيو و "21 غراماً" للمكسيكي إينياريتو. لكن مهما تكن النتائج فإن المخرجين العربيين حققا ما يحلم به أي مخرج سينمائي، أي الفوز بجائزة الجمهور والنقاد. كان الاستقبال حاراً ايضاً بالسينما الإيرانية في المهرجان وزاد من أهمية الأفلام ما تعرّض له المخرجان الايرانيان بباك بايامي و أبو الفضل جليلي، إذ صادرت السلطات الإيرانية أشرطة فيلم الأول صمت بين فكرتين ومنعت الثاني من الخروج من إيران لحضور المهرجان، إضافة إلى الاستقبال التعاطفي لإبنة المخرج الإيراني محسن مخملباف، هناء، وقد قدّمت هذه الفتاة ذات ال 14 ربيعاً فيلم "فرح وجنون". لكن الحضور الأجمل حقاً والأكثر إثارة للمشاعر في آن كان للمخرج الكردي العراقي هونير سالم مع فيلمه اللطيف "فودكا ليمون" الذي صوّره في قرية كردية في الأصقاع المجمّدة من أرمينيا. وإذا كان الجمهور استقبل الأفلام الأخرى بالتصفيق في نهاية العرض، فإنه شريط هونير سالم استقبل بحماس كبير من النقاد، اذ استحوذ هونير على المشاعر منذ اللحظة الأولى للعرض وأشاع في القاعة حالاً من الحبور وأحدثت لقطته الأولى ضحكة كبيرة لدى الجمهور قبل ان يدخله في لعبة الشاعرية السحرية على طريقة كورستوريتسا وباراجانوف وتشوخيلي، بالضبط كفريق كرة قدم يسجل في الثانية الأولى من المباراة هدفاً ثميناً ويواصل تسجيل الأهداف السهلة فيما بعد. هونير سالم كردي حتى النخاع لكنه يحلم بعراق تعددي فيديرالي يعيش فيه العراقيون في حالة المسرّة والابتسام المتواصلين بالضبط كما عاشت شخصياته الكردية المعدمة لكن الغنية بحبها وشغفها بحياة هادئة. هونير الذي يتنافس بقوة هو الآخر على جائزة مسابقة "عكس التيار"، إضافة للسينما العراقية ومحفّز لميلاد سينما ناطقة باللغة الكردية.