كشفت وثائق سرية جديدة افرجت عنها وزارة الخارجية البريطانية الأسبوع الجاري أن الرئيس الفرنسي شارل ديغول تملكه الخوف من أن يؤدي احتلال إسرائيل اراضي من ثلاث دول عربية، مصر وسورية والأردن، في حرب حزيران يونيو 1967 إلى حرب عالمية ثالثة، ما دفع الرئيس الفرنسي إلى المبادرة لإطلاق عملية سلام تشمل، بالإضافة إلى الأطراف المتنازعة، أربع دول عظمى هي فرنساوبريطانياوالولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. وكشفت الوثائق التي قدمت صحيفة "ذي ديلي تلغراف" البريطانية أمس عرضا سريعا لها أن ديغول اعترف بمخاوفه هذه لرئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون ونجح في تجنيده للعمل على إنجاح فكرته لإطلاق "عملية السلام"، وأن ويلسون بحث الفكرة فعلا مع الرئيس الأميركي الجديد في حينه ريتشارد نيكسون خلال أول جولة أوروبية له كرئيس عام 1969. وفي اللقاء ذاته بحث ويلسون مع نيكسون مسألة وقف حرب الاستنزاف التي دارت بين إسرائيل ومصر على جانبي قناة السويس في أعقاب احتلال إسرائيل لصحراء سيناء عام 1967. ووفقا للوثائق اتضح من الحديث الذي دار بين رئيس الوزراء البريطاني وضيفه الأميركي خلال حفلة عشاء خاصة أقيمت لنيكسون في مقر رئاسة الوزراء في داوننغ ستريت، أن ويلسون طلب من الرئيس الأميركي أن يفعل ما بوسعه من أجل مساعدة فرنسا، في إشارة واضحة الى المسعى الذي بادر إليه ديغول. وفي العشاء ذاته، تحدث ويلسون مستذكرا أنه زار ديغول في حزيران يونيو 1967 بعد حرب حزيران عقب رفض أندريه كوسيجين وزير الخارجية السوفياتي الاستجابة إلى مبادرة من الرئيس الفرنسي لعقد لقاء رباعي فرنسي سوفياتي أميركي بريطاني، ليجد ديغول وقد انتابه شعور كارثي، وعبّر ويلسون عن اعتقاده أمام نيكسون بأن الرئيس الفرنسي يؤمن حقا بإمكان نشوب حرب عالمية ثالثة بسبب احتلال إسرائيل أراضي من ثلاث دول عربية. وتكشف الوثائق أن نيكسون اشاد بكلام ويلسون وقال ان الرئيس الفرنسي يبدو فعلا مهموما من الوضع في الشرق الأوسط، معتبرا هذا الأمر ايجابيا، فيما قال ويلسون أنه تنبغي مساعدة ديغول ودعم توجهه إذا اتضح أنه صادق في مشاعره ولا يتخذ هذا الموقف كمناورة سياسية. كما كشفت الوثائق أن الدكتور هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي لنيكسون الذي كان حاضرا اللقاء، اقترح حلا للنزاع في الشرق الأوسط يقوم على أساس تعيين مناطق منزوعة السلاح بين إسرائيل وجيرانها العرب، تكون تحت إشراف مراقبين من الأممالمتحدة. ولدى إثارة مسألة موافقة إسرائيل على المعاهدة الدولية لنزع الأسلحة النووية، قال كيسنجر خلال الحديث أنه ليس على استعداد لإرغام إسرائيل على قبول هذا الشرط ضمن تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي - العربي. وسارع وزير الخارجية الأميركي ويليام روجرز الذي كان حاضرا هو الآخر في حفلة العشاء إلى القول بأن الولاياتالمتحدة ليست مستعدة لقبول الضغط الموجه من بريطانياوفرنسا والاتحاد السوفياتي لإرغام إسرائيل على القيام بشيء لا تقبله، وأكد أنه لا جدوى من الجدل حول تسوية تقوم على أساس انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 ما لم توفر لها ضمانات أمنية. وكشفت الوثائق أن بريطانيا كانت قررت قبيل اللقاء بين نيكسون وويلسون رفع الحظر المفروض على بيع الأسلحة إلى إسرائيل الذي دام نحو عامين بعد حرب حزيران. وبيّنت الوثائق أن نيكسون الذي انتقل من لندن إلى باريس اكتشف أنه كان مخطئا في اعتقاده بأن ديغول يتبنى الموقف السوفياتي وليس ملتزما به.