يواجه وزير المال الكويتي محمود النوري ضغوطاً في اتجاهين متضادين في مساعيه لإحداث اصلاحات في ادارة "الهيئة العامة للاستثمار" التي تقود استثمارات الكويت الخارجية البالغة اكثر من 100 بليون دولار، وفي حين يتعاطف النوري مع مطالب المعارضة البرلمانية، خصوصاً الاسلامية، بإبعاد قيادات في الهيئة ومحاسبتها على تجاوزات وقعت في ظل أحد وزراء المال السابقين، فإن قوى اخرى منها تكتل بعض التجار في "غرفة تجارة وصناعة الكويت" تدفع نحو حماية هذه القيادات وتتحرك على مستوى مجلس الوزراء معارضة ذلك. وصارت التغييرات المزمعة في مجلس ادارة الهيئة موضع تجاذب سياسي في الكويت، اذ قال النائب الاسلامي عواد برد ل"الحياة" ان التكتلين "الاسلامي" و"الشعبي" في مجلس الأمة البرلمان يدعمان الاصلاحات بقوة "خصوصاً بعد ما آلت اليه الهيئة العامة للاستثمار وكثير من المؤسسات التابعة لوزارة المال في ظل الوزير السابق يوسف الابراهيم"، ويتابع: "لقد نجحت ضغوط النواب في ابعاد الابراهيم عن الوزارة، لكن هناك قيادات اخرى لن يتم الاصلاح بوجودها على رأس استثماراتنا الخارجية، لذا فإن الاصلاح الذي ينوي الأخ محمود النوري احداثه في الهيئة سيخدم كثيراً التعاون بين المجلس والحكومة في ملف الاستثمارات الخارجية ويخفف من الاحتكاك الدائم حول هذه القضية". لكن النوري الذي استلم هذا المنصب قبل اسابيع قليلة يعلم ان اصلاح "الهيئة" لن يكون مهمة يسيرة، وكيف لا وهو الذي قضى سنوات في الخدمة في الهيئة وكان قبيل تسلمه حقيبة المال على خلاف واضح مع مجلس ادارة الهيئة كاد يخرجه منها، وهو يدرك ان الهيئة موضع اهتمام قوى اقتصادية لها كلمة مسموعة في مجلس الوزراء، ولها ايضاً مصالح كبيرة ضمن عمل الهيئة التي تملك حصصاً مهمة في معظم الشركات ذات الثقل في الاقتصاد المحلي وفي البورصة. لذا فإن مشروعه الحالي لتعيين خمسة من الكفاءات الاقتصادية الشابة محل أعضاء مجلس إدارة الهيئة الحالي ومن ضمنه العضو المنتدب صالح الفلاح لن تكون معركة سهلة، لكنه بالقدر نفسه مهم جداً لخططه الإصلاحية للهيئة، في الوقت الذي صارت الهيئة هدفاً لأسئلة برلمانية من نواب مجلس الأمة البرلمان عن شبهات لتجاوزات فيها، خصوصاً ما افتضح أخيراً من معلومات عن بيع عقارات كبيرة وفنادق بأسعار زهيدة، وهي ممارسات انتقدتها تقارير ل"ديوان المحاسبة" وأوقفها الشيخ محمد الصباح الذي تسلم حقيبة المال لفترة قصيرة بعد استقالة وزير المال الأسبق الدكتور يوسف الإبراهيم عام 2002، وكان الإبراهيم تعرض لاستجواب عاصف في المجلس العام الماضي على خلفية هذه التقارير. ويسأل النواب حالياً عن مصير صفقات في "المجموعة الاستثمارية العقارية" التي تدير عقارات وفنادق في دول في شمال افريقيا وجرى تقويمها بأسعار زهيدة جداً وعرضها لمشترين، وعن المستفيدين من هذه الصفقات، وعن وزير المال السابق الذي يتحمل مسؤولية وقوع هذه التجاوزات. وكان النوري بادر إلى احالة تقرير لديوان المحاسبة حول هذه التجاوزات على النيابة العامة، وهي خطوة نالت استحسان المعارضة البرلمانية التي تريد خطوات أخرى اضافية في الاتجاه ذاته، ومن ذلك تقرير قدمه رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة الفنادق الكويتية فيصل الحجي وزير الشؤون حالياً حول شبهات عن بيع فنادق مملوكة للكويت. ويسأل النواب أيضاً عن الظروف التي قام الوزير الإبراهيم خلالها باختيار العضو لشركة القرية التكنولوجية التي أسستها الهيئة حديثاً برأس مال 320 مليون دولار، وذلك على رغم انتقادات وجهها النواب لهذا العضو المنتدب خلال الاستجواب البرلماني للإبراهيم على خلفية اداء هذا الشخص عندما كان قيادياً في الهيئة، ويتطلع نواب معارضون إلى قرار من محمود النوري لاستبدال هذا العضو المنتدب. وكان استجواب الوزير الإبراهيم ألقى الضوء على عدد من الملفات المثيرة للتساؤل في عمل الهيئة العامة للاستثمار، خصوصاً مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، واتهم النواب خلال ذلك الاستجواب الإبراهيم بحماية قيادات في الهيئة وفي المكتب تدور حولها الشبهات، وصارت هذه الملفات جميعاً الآن على مكتب الوزير محمود النوري الذي عليه أن يسرع الخطى نحو ارضاء الانتقادات البرلمانية بتصفية هذه الملفات، غير أن مهمته لن تكون سهلة، والعوائق التي تواجه مسعاه الحالي لتغيير مجلس ادارة الهيئة أول الأدلة على ذلك، والكثير يعتمد على درجة الدعم التي سيحصل عليها النوري من رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد. وسيكون ملف "الهيئة" الأسخن في جلسات مجلس الأمة الذي يعود للانعقاد الشهر المقبل، خصوصاً ان الحديث عن مشاكل الاستثمار الخارجي يترافق مع ملفات اخرى للفساد المالي في عدد من مشاريع الحكومة وتعاقداتها الخارجية. كما ان على النوري فرض هيبة وزارته على الهيئة التي كثيراً ما تصرفت على انها جسم مستقل عن الحكومة، وان يلزم قيادات الهيئة احترام تقارير ديوان المحاسبة التي كثيراً ما يضعها مسؤولو الهيئة على الرف، ما يدخل وزير المال في احراجات سياسية خصوصاً أمام البرلمان، ومن الأمور التي على الوزير ان يعالجها ما يشار الى امتناع الرئيس السابق لمكتب الاستثمار الكويتي في لندن يوسف العوضي عن العودة الى مقر الهيئة في الكويت بعد استبعاده من ذلك المنصب، وانه اتخذ لنفسه مكتباً في شركة سانت مارتن العقارية في لندن والتي يملكها المكتب وهو تصرف ليس له تفسير واضح. كذلك على النوري ان يعالج مشاكل ادارية كثيرة في الهيئة خصوصاً حالات عدم الرضى بين الموظفين الكويتيين الذين رفع بعضهم دعاوى ادارية ضد الوزير الابراهيم وضد العضو المنتدب الحالي صالح الفلاح يشتكون من مظالم بحقهم، وكان نواب اعتبروا ان "الشللية" هي الداء الأول في الهيئة وان محاربتها تعتبر اولى المهمات امام محمود النوري، وهم انتقدوا خصوصاً استمرار الهيئة بالاستعانة بمستشار قانوني غير كويتي ومحسوب على متنفذين، وعلاقة هذا المستشار بصرف مبالغ كبيرة لبعض العاملين غير الكويتيين وحصوله على مثلها بموافقة مسؤولي الهيئة.