يتجه وزير المال الكويتي محمود النوري الى تشكيل مجلس ادارة جديد ل"الهيئة العامة للاستثمار"، التي تشرف على استثمار الاموال الخاصة ب"الاجيال القادمة" وتُجمع من اقتطاع 10 في المئة من الدخل النفطي، برئاسة عضو منتدب جديد قادر لديه صلاحيات "اتخاذ القرار" يخلف الرئيس الحالي صالح الفلاح المتهم بانه "رجل اللاقرار". وسيضم المجلس الجديد، الذي فوض مجلس الوزراء الكويتي الى وزير المال محمود النوري صلاحية اقتراح اسماء رئيسه واعضائه على رئيس الوزراء الشيخ صباح الاحمد تمهيداً لإقرارها، ممثلين عن مختلف التيارات السياسية، وحتى المعارضة للاصلاح الاستثماري والضرائبي وممثلين عن الطبقات التي تدعي انها "محرومة من كعكة ثروة النفط". ووفق معلومات جمعتها "الحياة" سيكون على الرئيس الجديد للهيئة استعجال تنفيذ قرار اتخذه عام 1994 مجلس الادارة السابق، بإسالة ما بقي من "الاستثمارات المباشرة" في انحاء العالم وتوجيه المبالغ المتجمعة الى استثمارات تقليدية. ومن بين الاستثمارات المباشرة التي ستتم اسالتها قريباً شركة "سانت مارتن بروبرتي"، التابعة لمكتب الاستثمار الكويتي، وشركاتها الفرعية الاربعون. ويعود تأخر بدء العمل في اسالة اصول الشركة الى الخلاف بين الوزير النوري والرئيس الحالي للهيئة العامة للاستثمار صالح الفلاح والى "تجميد بعض المهام الرقابية" لمكتب الاستثمار الكويتي في لندن، بعدما تم تغيير مديره السابق وتعيين مدير جديد له منذ بداية الصيف من دون ان تتم عملية التسلم والتسليم بين المديرين وتكليف المدير السابق مهام رئيس غير تنفيذي لشركة "سانت مارتن بروبرتي". ويريد المدير الجديد لمكتب الاستثمار الكويتي عيد الرشيدي، حسب رجال اعمال كويتيين يتابعون ما يجري في لندن "ان يُخضع ادارة سانت مارتن بروبرتي لرقابة المكتب... الامر الذي لم يحسمه بعد مجلس ادارة الهيئة". ويحاول كبار الوزراء واعضاء فاعلون في مجلس الامة "عدم السماح" بتكرار ما جرى في التسعينات حين اضطرت وزارة المال الكويتية الى الادعاء امام المحاكم في بريطانيا لملاحقة مديرين سابقين لاسترجاع اموال "سحبت من غير وجه حق" من اموال الاستثمارات الكويتية في اسبانيا ومختلف انحاء العالم، ولا تزال محاكم اسبانية وسويسرية تنظر فيها. ضوء اخضر وأعطى مجلس الوزراء الكويتي الضوء الأخضر لوزير المال لتغيير مجلس إدارة الهيئة عموماً والعضو المنتدب صالح الفلاح خصوصاً. ويرتقب صدور هذه التعديلات الاسبوع المقبل أو الذي يليه "على أبعد تقدير". وكانت أنباء التغيير بدأت بالتواتر منذ استلام النوري لحقيبته الوزارية قبل شهور بالنظر الى خلافات سابقة مع الفلاح تعود الى فترة كان النوري والفلاح عضوين في مجلس ادارة "بنك الكويت والشرق الأوسط"، ثم عندما كان النوري يشغل خلالها منصب رئيس مجلس ادارة "شركة النقل العام" الكويتية التابعة للهيئة العامة للاستثمار. ويشاء "سوء حظ" الفلاح أن يتسلم النوري منصب وزير المال أي وزارة الوصاية على الهيئة. وقبل أسابيع قليلة من تشكيل الحكومة الجديدة، بعد الانتخابات الاشتراعية الصيف الماضي، طلب الفلاح من وزير المال بالوكالة آنذاك الشيخ محمد الصباح السالم إقالة النوري من "شركة النقل العام". وقالت مصادر متابعة "ان النوري تلكأ في اصلاح الشركة واعادة هيكلتها وتحضيرها للتخصيص، الأمر الذي أخذه الفلاح عليه لطلب اقالته". في المقابل، قالت مصادر أخرى ان الخلاف متصل بأداء الفلاح عموماً بعدما استقال وزير المال السابق يوسف الابراهيم الذي كان الغطاء السياسي له الفلاح علماً ان الابراهيم والفلاح والنوري محسوبون على التيار الليبرالي في الكويت، ويفترض ان تجمعهم "مظلة سياسية واحدة". إلا ان الإدارة اختلطت بعدما استقال الابراهيم تحت وطأة التهديدات النيابية واجباره على الرضوخ لاستجوابات برلمانية عدة كادت ان تطيحه تحت ضغط الحشد الذي أمنه الاسلاميون و"الشعبويون" ضد الابراهيم، المتهم بليبراليته الداعية للتخصيص واصلاح النظام المالي وضغط النفقات التي تصرف بسخاء على أبواب الاجور والتعويضات والامتيازات في الموازنة، كما انه ضحية حماسه لطرح مشاريع ضريبية تطاول مختلف شرائح المجتمع. وبعد استقالة الابراهيم، عشية الانتخابات النيابية، أصبح الفلاح من دون غطاء سياسي يضمن استمراريته على رأس الهيئة العامة للاستثمار، وكان لهذه الاستقالة اكثر من معنى أبرزها أن الحكومة السابقة لم تكن متضامنة كفاية، وأن التضحية بالابراهيم كانت أسهل من مواجهة التيارات المعارضة للاصلاح. رجل اللاقرار وتزامن سقوط الابراهيم مع ملاحظات أبديت إزاء أداء الفلاح الذي اتهم بأنه رجل "اللاقرار"، وجاء من يحمله مسؤولية عدم الفاعلية في ادارة الاستثمارات الداخلية والخارجية، ومن يحمله تبعات الخسائر الهائلة التي منيت بها الاستثمارات الخارجية جراء هبوط اسواق المال الدولية، علماً بأن تلك الخسارات طاولت كل الاستثمار الاجنبي حول العالم في الأعوام القليلة الماضية. وزاد الأمر سوءاً انفجار فضيحة تقويم استثمارات "المجموعة العقارية الاستثمارية" تابعة للهيئة في الخارج عموماً وفي تونس والمغرب وسورية واليمن ولبنان خصوصاً، اذ خرج الى العلن تقرير أعدته شركة KPMG يظهر قيمة استثمارات عقارية وسياحية عدة في البلدان المذكورة بأقل من قيمها الفعلية، بما يراوح بين 60 و90 في المئة بحسب الادارة الجديدة للمجموعة العقارية الاستثمارية. وأمام هذا الوضع، ما كان من وزير المال محمود النوري إلا احالة الملف الى النائب العام لأنه "شم" فيه رائحة هدر للمال العام. وفي موازاة كل هذه القضايا شُنت حملة اعلامية على الفلاح لا سيما من أصحاب مصالح وجدوا في العضو المنتدب عائقاً أمام تحقيق تلك المصالح. وما كانت لتشن تلك الحملة لولا "ضعف الفلاح" بعدما فقد الدعم السياسي وتخلي معظم الأطراف الفاعلة في الحكومة الجديدة عنه. في المقابل، قام بعض "الاصلاحيين" بالدفاع عن الفلاح وألقوا الضوء على عدد كبير من انجازاته التي أبرزها سياسة المساهمة في الصناديق الاستثمارية في مدى السنتين الماضيتين، التي اثمرت تحولاً نوعياً في أداء البورصة لجهة تخفيف حدة المضاربة وتعزيز التداول المؤسسي. كما أشار المدافعون الى خطوة الاصلاح الاداري التي قام بها الفلاح داخل الهيئة بدعم من وزير المال السابق يوسف الابراهيم، حيث "طارت" من الهيئة رؤوس غير فاعلة طالما كان الحديث عن تغييرها من المحرمات. ونجح الفلاح في اجراء تعديلات في ادارات الاستثمارات العربية والأوروبية والأميركية والداخلية بهدف زيادة فاعلية الأداء. ويضيف المدافعون عن الفلاح الى تلك الانجازات المحاولات التي بدأت منذ نهاية عام 2002 والرامية الى تنويع مخاطر الاستثمارات الأجنبية التي تقدر بنحو 65 بليون دولار، وذلك لجهة التنويع القطاعي والجغرافي فضلاً عن السياسة الجديدة المتمثلة بمكافأة شركات المال والاستثمار الدولية التي تدير أصول الهيئة بمخاطر أقل وعائدات أكبر، في مقابل معاقبة شركات أخرى لا تؤمن الأداء الحسن المذكور. ويستشهد المدافعون عن الفلاح بقول للوزير النوري، تسرب من اجتماع له مع العضو المنتدب عندما أبلغه بأنه عازم على تغييره اذ قال النوري للفلاح: "أنت نظيف الكف لكنني أريد أن أعمل مع فريق جديد وفق استراتيجية جديدة". ويختم هؤلاء بالاشارة الى أن الفلاح كما الابراهيم ضحية لعبة سياسية لأن النوري وبحسب الترشيحات التي تسربت عن التشكيلة الجديدة لمجلس ادارة الهيئة العامة للاستثمار، يريد تمثيل مختلف الأطياف السياسية في المجلس الجديد بما في ذلك بعض الأطراف الاسلامية، وذلك لحماية نفسه من التيارات المعارضة للاصلاح والمتمثلة في نواب يستسهلون وضع أي وزير مال على منصة الاستجواب الشرس وتستخدم فيه كل الشعارات الشعبوية المناهضة للتخصيص والاستثمار الأجنبي، والرافضة للضرائب والمطالبة دائماً بمكتسبات اضافية لناخبيها من الطبقات التي تدعي انها "محرومة من كعكة ثروة النفط".